أساسيات أسواق النفط لا تزال إيجابية

عادت أسواق النفط أخيرا إلى مستوياتها قبل التخفيضات الطوعية بعد إعلان "أوبك +" الأخير. وواصلت الأسواق تضمين مخاطر الركود وتصاعد المشكلات في القطاع المالي في حركة أسعار النفط. لكن، على الرغم من احتمال تزايد الاتجاه الهبوطي على المدى القريب، إلا أن التوقعات للنصف الثاني من العام لا تزال إيجابية على خلفية تشدد أساسيات السوق.
خلال الأسابيع الأخيرة، كانت عمليات البيع في السوق كبيرة، مع تزايد المعنويات السلبية بعد المخاوف بشأن الركود الاقتصادي، وما قد يعنيه ذلك في النهاية بالنسبة إلى الطلب على النفط. إضافة إلى ذلك، أدى ضعف هوامش التكرير إلى إثارة الشكوك حول قوة الطلب على النفط. جزء من ضعف الهوامش مدفوع أيضا بديناميكيات العرض، مع استمرار تدفقات المنتجات المكررة الروسية بشكل جيد، بينما في آسيا، لا تزال صادرات المنتجات الصينية قوية.
على جانب الطلب، أبقت "أوبك" توقعات الطلب العالمي على النفط لـ2023 ثابتة للشهر الثالث على التوالي، حيث أشارت المنظمة إلى أن النمو الصيني المحتمل تقابله مخاطر اقتصادية هبوطية في أماكن أخرى في العالم، مثل سقف الدين الأمريكي. وقالت "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير، إن الطلب العالمي على النفط سيرتفع هذا العام بنحو 2.33 مليون برميل يوميا. ولم يتغير هذا عمليا عن توقعات الشهر الماضي عند 2.32 مليون برميل يوميا. نحو 90 في المائة من نمو الطلب العالمي ستحركه الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأشارت "أوبك" في التقرير، إلى "إجراء تعديلات طفيفة على الارتفاع بسبب الأداء الأفضل من المتوقع في الاقتصاد الصيني، في حين من المتوقع أن تشهد مناطق أخرى انخفاضا طفيفا بسبب التحديات الاقتصادية التي من المحتمل أن تؤثر في الطلب على النفط".
لم تتمكن الجولة الجديدة من تخفيضات إنتاج النفط الطوعية التي أعلنها بعض أعضاء "أوبك+" في الثاني من نيسان (أبريل)، من تعزيز أسعار النفط التي تضررت بفعل مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة، المخاوف بشأن مخاطر الركود وسقف الديون الأمريكية.
حول الطلب الصيني على النفط، قالت "أوبك"، إنه من المتوقع الآن أن يرتفع بمقدار 800 ألف برميل يوميا، ارتفاعا من 670 ألف برميل يوميا في توقعات الشهر الماضي، ما يزيد من التعافي بعد إلغاء إجراءات احتواء جائحة كورونا الصارمة. من المرجح أن يتم تعويض هذا التغيير بمخاطر الهبوط في أماكن أخرى من العالم.
ومع ذلك، تركت "أوبك" توقعاتها للنمو الاقتصادي لـ2023 عند 2.6 في المائة، مشيرة إلى مخاطر هبوط محتملة مثل التضخم وزيادة مدفوعات الديون نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة. وقالت "أوبك" في تعليقها الاقتصادي، "إضافة إلى ذلك، لم يتم حل مشكلة سقف الديون الأمريكية حتى الآن، وهو أمر قد تكون له عواقب اقتصادية".
على جانب العرض، أظهر التقرير انخفاض إنتاج "أوبك" في نيسان (أبريل)، ما يعكس تأثير تخفيضات الإنتاج السابقة التي تعهدت بها "أوبك+" لدعم السوق، وكذلك بعض الانقطاعات غير المخطط لها. وتراجع إنتاجها بنحو 191 ألف برميل يوميا إلى 28.60 مليون برميل يوميا، على خلفية انخفاضات في العراق ونيجيريا. حيث توقفت صادرات العراق الشمالية، في حين تعطلت بعض الصادرات النيجيرية بسبب نزاع عمالي.
وأبقى التقرير توقعاته لنمو الإمدادات من خارج "أوبك" عند 1.4 مليون برميل يوميا في 2023، وأبرز العوامل التي قد تحد أو تقيد الإمدادات، مثل مستويات الاستثمار والأزمة الأوكرانية. ويتوقع التقرير انخفاض الإنتاج الروسي بمقدار 750 ألف برميل في اليوم هذا العام، دون تغيير عن توقعات الشهر الماضي. وقالت المنظمة إن هذا سيتم تعويضه أكثر من نمو الإنتاج في الولايات المتحدة، البرازيل، والنرويج. تقدر المجموعة إجمالي إمدادات السوائل النفطية من خارج "أوبك" في 2023 عند 67.19 مليون برميل في اليوم.
في حين، لم يتغير الطلب على نفط المنظمة لهذا العام عند 29.26 مليون برميل في اليوم، الذي لا يزال أعلى بكثير من إنتاج المجموعة البالغ 28.60 مليون برميل في اليوم في نيسان (أبريل)، حسب المصادر الثانوية للمجموعة. ومن المقرر أن تتسع هذه الفجوة مع قيام عديد من أعضاء المجموعة بتنفيذ التخفيضات الطوعية الإضافية هذا الشهر. ويعد هذا هو آخر تقرير شهري للمنظمة قبل أن تعقد "أوبك+" اجتماعها المقبل في الرابع من حزيران (يونيو) المقبل.
أما بالنسبة إلى روسيا، على الرغم من تراجع الإنتاج، تشير الأرقام إلى استمرار تدفقات الصادرات المنقولة بحرا في الصمود بشكل جيد، مع استمرار الأحجام عند مستويات ما قبل الأزمة. لذلك، كان لتأثير حظر الاستيراد وسقوف الأسعار تأثير محدود في التدفقات أكثر مما كان يعتقد في البداية. وبالفعل، على الرغم من أن أسواق النفط لا تزال مزودة بالإمدادات بشكل جيد حتى الآن، إلا أنه من المتوقع أن يتقلص العرض بشكل كبير خلال النصف الثاني من العام. من المفترض أن يؤدي نمو الطلب من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى جانب تخفيضات "أوبك+"، إلى تراجع المخزونات خلال الجزء الأخير من العام. وبينما سنشهد نموا في المعروض الأمريكي، إلا أنه سيكون أكثر تواضعا بكثير من النمو في الأعوام السابقة ولن يكون كافيا لمنع حدوث عجز كبير في العرض في وقت لاحق من هذا العام. يشير الإجراء الذي رأيناه من "أوبك+" في الأشهر الأخيرة، إلى أن المجموعة تدرك تماما نمو العرض المحدود من خارج المجموعة. لذلك هي واثقة بقدرتها على خفض الإنتاج دون المخاطرة بفقدان قدر كبير من حصتها في السوق. إذا كنا سنشهد مزيدا من الضغط الهبوطي في أسعار النفط خلال الأسابيع المقبلة، فقد تضطر "أوبك+" إلى خفض العرض مرة أخرى بشكل أكبر.
لذلك، من المتوقع أن ترتفع أسعار النفط عن المستويات الحالية بسبب تشدد العرض خلال النصف الثاني من العام، على الرغم من أن توقعات الطلب الأضعف قليلا، والعرض الروسي الثابت، يعنيان أن هذا التشدد ليس كبيرا، كما كان متوقعا في البداية. نتيجة لذلك، قامت معظم البنوك الاستثمارية بتعديل توقعاتها السابقة لأسعار النفط إلى الأسفل. مع ذلك، أبقت توقعاتها لأسعار برنت فوق 90 دولارا للبرميل خلال النصف الثاني من 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي