تغيرات في خريطة الطلب العالمي الإضافي على النفط .. وترقب لإعادة ملء الاحتياطي الأمريكي
اتجهت أسعار النفط إلى التراجع بعد ارتفاعها في بداية التعاملات أمس، حيث وفر إعلان الولايات المتحدة خططها لشراء كميات ضخمة من النفط الخام لملء احتياطيها الاستراتيجي حالة من الدعم الجيد للخام، لكن الضغوط الهبوطية المستمرة جراء مخاوف التباطؤ والركود، مع توقعات الرفع المستمر لأسعار الفائدة الأمريكية وضعف البيانات الاقتصادية الصينية، تسببت في انخفاض الأسعار.
وتتجه الإدارة الأمريكية إلى شراء ثلاثة ملايين برميل لتجديد الإمدادات المستنفدة في الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في البلاد، لكن المكاسب لاقت مقاومة من البيانات الصينية الضعيفة، التي كشفت أن إعادة فتح البلاد، بعد قيود جائحة كورونا، لم تحقق بعد التوسع الاقتصادي الذي كانت الحكومة والسوق تأملان فيه.
وقال لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون إن مخاوف الركود جراء تدخلات الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم برفع الفائدة ما زالت باقية، حيث لدى الفيدرالي الأمريكي مزيد من العمل للقيام به لخفض التضخم وهو ما يعني تنامي توقعات بزيادات جديدة ومتوالية في أسعار الفائدة الأمريكية وعلى الرغم من ذلك فقد تخلى الدولار الأمريكي عن بعض مكاسبه.
وأوضح المحللون أن الأضواء مركزة بشدة على قضية سقف الديون الأمريكية، لافتين إلى أن احتمال تخلف الولايات المتحدة عن السداد يعد أمرا لا يمكن تصوره ما يزيد من تنامي حالة عدم اليقين في الأسواق.
وأكد سيفين شيميل مدير شركة "في جي أندستري" الألمانية، أن معنويات السوق النفطية شهدت تطورات إيجابية مع إعلان وزارة الطاقة الأمريكية خططا لإعادة شراء النفط، للبدء في تجديد احتياطي البترول الاستراتيجي، حيث من المرجح بدء عملية إعادة الملء هذا الصيف وهو ما عزز توقعات نمو الطلب، مشيرا إلى إصدار وزارة الطاقة الأمريكية طلبا للحصول على ما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل من الخام لتسليمها في آب (أغسطس) المقبل.
وذكر أن احتياطي البترول الاستراتيجي – وفق أحدث البيانات الأمريكية – سجل 362.01 مليون برميل في الأسبوع الماضي وهو أدنى مستوى منذ تشرين الأول (أكتوبر) 1983، خاصة بعدما أكملت الولايات المتحدة العام الماضي إصدارا غير مسبوق بلغ 180 مليون برميل على مدار عدة أشهر لمكافحة ارتفاع أسعار الطاقة عقب الحرب الروسية - الأوكرانية.
من جانبه، قال روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، إن السوق النفطية تعاني بشدة التقلبات وغياب الاستقرار وسيطرة الاتجاهات الهبوطية لفترات أطول أخيرا، حيث سجلت أسعار النفط سلسلة خسائر استمرت أربعة أسابيع، مبينا أن مخاوف الركود لا تزال تلقي بثقلها على المعنويات في أسواق النفط، كما تواصل عديد من التقارير الدولية توقع رؤية سوق نفط أكثر إحكاما في النصف الثاني من 2023.
وأضاف أنه تم محو جميع المكاسب التي تحققت، بعد إعلان "أوبك +" الأخير عن خفض الإمدادات بشكل إضافي وقياسي، حيث أخذت المخاوف الاقتصادية الأسبقية على توقعات الطلب، موضحا أن بنك مورجان ستانلي كان هو الوحيد الذي رجح هبوط الأسعار بالرغم من قرار خفض الإنتاج في تحالف "أوبك +" بمستويات قياسية، مبينا أن التوقع الشائع بتباطؤ تعافي الطلب خاصة في الصين هو الذي أدى إلى انخفاض الأسعار بشكل لافت.
من ناحيته، قال ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن أبرز تحديات السوق وصعوبات تنامي أسعار النفط أخيرا جاءت بسبب ضعف البيانات الاقتصادية الأمريكية والصينية والمخاوف من ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والتوجس من اتساع الركود وهو بالفعل حقيقة في بعض الصناعات ولا سيما نقل البضائع.
ولفت إلى حدوث تغيرات جوهرية في خريطة الطلب العالمي على النفط الخام، حيث إن الولايات المتحدة أو بقية العالم المتقدم ليست هي المكان الذي سيأتي منه الطلب الإضافي على النفط في بقية العام الجاري والأعوام المقبلة، بل إن العالم النامي هو الذي سيشهد نموا في الطلب على النفط مع إمكانية الدفع في اتجاه مكاسب واسعة للأسعار، بدعم من كل من انخفاض إنتاج "أوبك +" وارتفاع الطلب خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ونمو أقل من المتوقع في الإنتاج الأمريكي.
بدورها، ذكرت جولميرا رازيفا كبير الباحثين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، أن تقارير دولية تتحدث عن احتمال أن تقوم "أوبك +" بخفض الإنتاج مرة أخرى، ما يزيد من احتمالية ارتفاع أسعار النفط خاصة مع بدء موسم ذروة الطلب الصيفي في نصف الكرة الشمالي، الأكثر اكتظاظا بالسكان، لافتة إلى أن بنوكا دولية ترى أن تخفيضات إنتاج "أوبك +" وانتعاش الطلب الصيني من المرجح أن يعوضا تباطؤ الطلب في أماكن أخرى ومنها بنك جولدمان ساكس، الذي يرجح أن خام برنت قد يصل إلى 100 دولار بحلول نهاية العام الجاري، إذا أبقت "أوبك" على اتفاقية خفض الإنتاج الراهنة.
وذكرت أن أسعار النفط الخام ارتفعت هذا الأسبوع بدعم أيضا من توقف نحو 300 ألف برميل يوميا من إنتاج النفط الكندي بسبب الحرائق، مشيرة إلى تطلع السوق إلى خطط خفض الإنتاج الخاصة بـ"أوبك +" التي دخلت بالفعل حيز التنفيذ منذ مطلع الشهر الجاري.
وفيما يخص الأسعار، انخفضت العقود الآجلة للنفط أمس، بعدما محت بيانات اقتصادية صينية أضعف من المتوقع أثر رفع وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لنمو الطلب العالمي. وبحسب "رويترز"، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 15 سنتا إلى 75.08 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس، بينما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 13 سنتا إلى 70.98 دولار للبرميل.
وكان النفط قد ارتفع في بداية التعاملات أمس، إذ تلقت الأسعار دعما من خطط الولايات المتحدة لشراء النفط للاحتياطي البترولي الاستراتيجي، بينما تندلع حرائق غابات في كندا ما زاد من مخاوف الإمدادات.
وارتفع كلا الخامين القياسيين أكثر من 1 في المائة الإثنين، بعد سلسلة خسائر استمرت ثلاث جلسات.
وتأثرت الأسعار أمس ببيانات أظهرت نمو الناتج الصناعي ومبيعات التجزئة في الصين بوتيرة أقل كثيرا من التوقعات في نيسان (أبريل)، وهو ما يشير إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم قد فقد زخمه في بداية الربع الثاني.
لكن ارتفاع استهلاك المصافي الصينية 18.9 في المائة على أساس سنوي في أبريل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق أسهم في الحد من خسائر النفط.
وقال فيل فلين المحلل لدى "برايس فيوتشرز جروب"، "هناك كثير من القلق بشأن الأرقام الصناعية الصينية، لكن إذا نظرت إلى أرقام الطلب الفعلية هناك أو معدلات استهلاك المصافي فهم يقتربون من تحطيم أرقام قياسية".
وقال توشيتاكا تازاوا، المحلل في "فوجيتومي سيكيوريتيز"، "حصلت السوق على دفعة من التوقعات بأن إعادة شراء الولايات المتحدة للنفط للاحتياطي الاستراتيجي ستستمر إذا انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط بالقرب من 70 دولارا للبرميل أو دونه".
وأضاف "هناك تصيد بعض المستثمرين للصفقات بعد الانخفاضات الحادة الأخيرة".
من ناحية أخرى، أظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة، أن إنتاج النفط الأمريكي من أكبر سبعة أحواض للنفط الصخري من المنتظر أن يرتفع في حزيران (يونيو) إلى أعلى مستوى على الإطلاق.
وفي فنزويلا، أظهرت وثيقة تخطيط داخلية، أن الإدارة الجديدة لشركة (بتروليوس دي فنزويلا) الحكومية للطاقة تتوقع زيادة إنتاج النفط في البلاد إلى 1.17 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام مع زيادة أنشطة التكرير والاستكشاف.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 74.45 دولار للبرميل الإثنين مقابل 74.46 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وذكر التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء حقق ثاني انخفاض عقب ارتفاعات سابقة وأن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 76.56 دولار للبرميل.