لماذا تختفي هذه الشركات؟
تحدثت في الأسبوع الماضي عن حالة الفشل التي تمر بها بعض الشركات على الرغم من كثرة الفرص من حولها، واليوم نمر على حالة مختلفة ومن منظور مختلف. هناك أسماء كبيرة اعتدنا عليها في وقت مضى، واختفت من السوق. ولست أتحدث بالضرورة عن شركات مدرجة في سوق الأسهم، فالأمر ينطبق على الشركة الكبيرة المؤثرة سواء كانت مدرجة أم لا. والسؤال الذي نطرحه كيف تختفي شركة من السوق على الرغم من أنها ضخمة ومتعددة الإمكانات ومليئة بالخبرات؟ تستند في الغالب مثل هذه الشركات على تاريخ وتجربة ولها في السوق مكانة وإرث قوي تستند عليه.
لو نظرنا إلى السوق المحلية لوجدنا عددا من الأمثلة التي تمثل هذا الخروج من السوق، مثل شركات الخضري والمعجل ومن خارج السوق شركة سعودي أوجيه. الشركات المدرجة تمر بعدة خطوات تبدأ عادة بإلغاء الإدراج ويتبعها في العادة إعلان الإفلاس وإعادة التنظيم وسيل طويل من الإجراءات القضائية والقانونية وقد تعود إلى الساحة باسم وتنظيم مختلف وقد لا تعود. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك قائمة طويلة من الشركات المعرضة للاختفاء ولكنها تجدد جلدها من وقت إلى آخر بإعادة الضخ من الملاك، سواء عن طريق خفض وزيادة رأس المال للشركات المدرجة أو الضخ المباشر ودعم الشركة غير المدرجة. دعم الملاك، وإن كان مطلوبا ومؤثرا في كثير من الحالات، إلا أنه مثل "البنج" الذي يزيل الشعور بالألم ولا ينهي المشكلة.
دعم الشركاء المالي، في غياب محددات النجاح الأخرى، لا يصنع معادلة النجاح، لأن قضية اختفاء الشركات الكبرى من الأسواق ترتبط بعدد من المسببات يعود معظمها إلى قرارات المديرين التي تتخذ وآلية تنفيذ هذه القرارات.
وهذا تماما ما تثبته الأبحاث إذ إنها تقدر بأنه في 70 في المائة من حالات الفشل تعود إلى عجز المديرين عن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. الظروف التي تصنع هذه القرارات المهمة مختلفة إلا أنها تنحصر في متابعة التطوير والتحسين على معروض الشركة الأساسي، وظهور التحديات التقنية في مجال العمل التي تحتم المواكبة أو الخروج، والتغييرات في تفضيلات العملاء، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تكشف الهش وتقضي على الضعيف. وليس الأمر حصرا على هذه الظروف، فهناك من يسيء اتخاذ القرار دون هذا النوع من الضغوط، فاختياره للمزيج التسويقي خاطئ وإدارته للعنصر البشري فوضوية وتأثيره في العملاء متفاوت وجودة منتجاته متدنية، ويخرج بأغرب القرارات حتى في أفضل الظروف.
هناك أيضا سجل واضح عالمي ومحلي لحالات خروج الشركات المرتبطة بسلوكيات الإدارة الأخلاقية، خصوصا ما يرتبط بإبرام الصفقات غير الحقيقية والتدليس المالي والمحاسبي. وهذا الأمر يذهب بالشركة كلها ككبش فداء لأنه سلوك مقوض للثقة ومدمر للتوقعات الإيجابية، في العادة لا ينهض بعده أحد، خصوصا لو تم إثبات التهم أو حصلت القصة على لفت انتباه إعلامي مؤثر.
في كتاب عن الشركات التي تفشل وتخرج من السوق من تأليف هارلان بلات، يذكر المؤلف عدة طرق تسمح باستكشاف الشركات المعرضة للفشل، ويقسم هذه الطرق إلى خمس مجموعات: التحليل المالي للشركة، تحليل السوق، تحليل الإدارة، التحليل القانوني، وتحليل السلوك. وما يلفت الانتباه هنا التفريق بين تحليل الإدارة وتحليل السلوك، فالأول يشمل كفاءة الفريق الإداري، سجل الخبرة، والأسلوب الإداري ومناسبته لإدارة المخاطر في الشركة، بينما يشمل الثاني أسلوب اتخاذ القرارات على جميع المستويات داخل الشركات بما في ذلك ما يرتبط بثقافة المنشأة والتعامل مع المعضلات الأخلاقية. بالطبع يصعب لمن هو خارج المنظومة استكشاف هذه التفاصيل، لذا تستمر حالات الفشل المحتمل في النمو وتظهر فجأة يصعب إخفاء الأمر. وفي كتاب آخر شهير How the Mighty Fall يتحدث المؤلفون عن أسلوب تفادي السقوط والذي يقوم على تعزيز ثقافة الانضباط، وتقدير وممارسة الابتكار، وتقديم الاستدامة على الفائدة المؤقتة.