كيف نسخر الذكاء الاصطناعي لمواجهة الجرائم المالية؟
الاختراقات الحديثة في الذكاء الاصطناعي ينظر إليها بحق على أنها خطوة للتغيير في اقتصادنا التكنولوجي. بالنسبة لعالم المال تركز كثير من رد الفعل على المخاطر التي يجلبها هذا التحول السريع.
أثيرت المخاوف بحق حول قدرة المنظمين على الإشراف على عمليات الذكاء الاصطناعي، ومخاطر تركز السوق في عدد صغير من مقدمي الخدمات، والتجمع الرقمي الذي تتصرف فيه أجهزة الحاسوب كلها بالطريقة نفسها، ما يعزز تقلبات السوق.
الدعوات إلى الحذر والتنظيم النشط تعد ملائمة، كذلك الدعوات إلى الاستعجال والتفاؤل في الوقت الذي نعمل فيه على تمكين الصناعات للبدء في تسخير الإمكانات التي تنطوي عليها تطورات الذكاء الاصطناعي.
هذا يبدأ عندما ندرك أن الذكاء الاصطناعي لم يتم إنشاؤه كله بالتساوي.
نعم، لقد استحوذت قوة الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي تسمح بإنشاء الصور والنصوص باستخدام عمليات التلقين النصية، على خيال العالم. لكن الذكاء الاصطناعي كان منتشرا في أسواقنا منذ أعوام عديدة.
تستخدم بورصة ناسداك الذكاء الاصطناعي في الصيانة التنبؤية للسوق - منع الاضطرابات قبل حدوثها - كما نقوم بتضمين الذكاء الاصطناعي في مراحل مختلفة عبر عملياتنا. وهذا يعد مهما بشكل خاص لقسمنا الخاص ببرامج مكافحة الجرائم المالية. في عالم المال ربما تكون قدرة الذكاء الاصطناعي على المساعدة على الكشف عن الجرائم المالية وردعها ووقفها هي القضية الأكثر إلحاحا لاستخدام التكنولوجيا.
تعد الجريمة المالية صناعة عالمية كبرى ومزدهرة. تشير تقديرات ليكسيس نيكسيس إلى أن البنوك تنفق ما يقارب 275 مليار دولار للتصدي للجرائم المالية سنويا.
مع ذلك، تشير دراسات أجرتها الأمم المتحدة إلى أن أقل من 1 في المائة من نحو أربعة تريليونات دولار من الأموال غير المشروعة المتداولة عبر النظام المالي يتم اعتراضها في الوقت الراهن من قبل سلطات إنفاذ القانون.
ومن العوامل المساهمة في هذه الفجوة هو التأثير التقييدي للوائح التي تحد من استخدام البنوك للبيانات والتكنولوجيا المتقدمة.
لتبسيط المسألة، تعد الجريمة المالية مشكلة بيانات. لا يتعامل المجرمون مع بنك واحد فقط، بل يستغلون النظام البيئي المالي بأكمله ليتجنبوا الاكتشاف. الترابط المتزايد للنظام المالي وظهور أنظمة مدفوعات جديدة يساعدان المجرمين على أن يصبحوا أكثر فاعلية.
لذلك، في جانب مكافحة الجريمة، فإن جودة مجموعات البيانات المتوافرة لدينا وعمقها، إلى جانب استخدام أحدث تكنولوجيات التحليلات، تعدان من أهم العوامل المحددة للنجاح في إيقاف الجريمة.
في قسم مكافحة الجرائم المالية في بورصة ناسداك، أنشأنا بحيرات بيانات تجمع بين بيانات المعاملات العادية والمجهولة المصدر من أكثر من 2400 بنك. أدى نهج تجميع البيانات هذا، إضافة إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إلى تعزيز قدرتنا على اكتشاف الأنماط المشبوهة للمعاملات.
بعد أعوام من محاربة التلاعب في السوق والجرائم المالية، برزت أمامنا حقيقتان: لا يتبع المجرمون القوانين أو الأنظمة ويستفيدون من الابتكار التكنولوجي على نطاق واسع وبسرعة من أجل البقاء متقدمين خطوات عديدة قبل اكتشافهم. لذلك، من الأهمية بمكان أن نجد أرضية مشتركة مع المنظمين بشأن الحلول لمعالجة هذه المشكلة الخبيثة.
يبدأ ذلك بالمشاركة المسؤولة للبيانات. في الولايات المتحدة يسمح للبنوك بمشاركة المعلومات بغرض مكافحة الجريمة. وتمكين المؤسسات المالية في أوروبا وكندا ومناطق أخرى من مشاركة البيانات من داخل وخارج شبكاتها سيعزز بشكل كبير قدرتنا على تحديد النشاط الإجرامي. هناك نماذج مثبتة تمكن من مشاركة البيانات مع حماية حقوق الأفراد في الخصوصية. وهي من الممكن - بل ويجب - استنساخها على نطاق واسع.
الضرورة الثانية هي أن يسمح المنظمون للصناعة بالاستفادة من أحدث القدرات في السحابة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي حتى نتمكن من الاستجابة بشكل أفضل للتهديدات المستجدة وزيادة الفاعلية وتحسين الكفاءة.
أخيرا، هناك فرصة لزيادة التعاون. المؤسسات الإجرامية مرتبطة ارتباطا وثيقا، ويحتاج النظام المالي إلى عكس ذلك من خلال تعزيز التعاون بين القطاعين الخاص والعام وإنفاذ القانون.
أحد التغييرات الحاسمة والممكنة هو نشر "حلقات التغذية الراجعة" عبر الاتصال من قبل جهات إنفاذ القانون بالبنوك لتأكيد ما إذا كان النشاط المبلغ عنه قد تبين أنه إجرامي أم لا. وهو أمر يتطلب قليلا من الاستثمار، لكنه يسمح للبنوك بتحسين خوارزمياتها بناء على النتائج من العالم الحقيقي.
مكافحة الجرائم المالية معقدة بما فيه الكفاية. وأنا أحث المنظمين بشدة على التقليل من التعقيد وليس زيادته. دعونا نستفد من الموجة التالية من الابتكار لتعزيز نزاهة النظام المالي، بجعل التكنولوجيا تقف إلى جانبنا.
*رئيسة مجلس إدارة بورصة ناسداك ومديرتها التنفيذية