النظام المصرفي السوداني يفقد التواصل الخارجي .. كساد اقتصادي يزيد معاناة المواطنين
إدارة غائبة وحسابات لا يمكن الوصول إليها بسبب انقطاع الإنترنت والكهرباء بعد شهر من الحرب، توقف النظام المصرفي السوداني الذي كان بالكاد في بداياته.
على الأرض، جلس إبراهيم سعيد وهو يحاول أن يغطي رأسه لشدة حرارة الشمس التي تجاوزت 40 درجة أمام فرع بنك الخرطوم في مدينة مدني حيث تقيم الآن مئات العائلات الفارة من القتال المستمر في العاصمة السودانية.
وبحسب "الفرنسية"، قال سعيد "جئت من السابعة صباحا، والآن انتصف النهار على أمل أن أحصل على قروش من حسابي".
بالقرب منه، تزاحم عشرات الرجال والنساء تحت أشعة الشمس الحارقة، فيما كان عدد من رجال الشرطة يحاولون تنظيمهم أمام فرع أكبر البنوك السودانية.
وقالت إشراقة الريح "أحيانا يفتح البنك أبوابه بعد الثالثة بعد الظهر ويسمحون بدخول أعداد محدودة جدا، وإن لم يحالفك الحظ تأتي في اليوم الذي يليه، وأنا أتردد إلى هنا منذ ثلاثة أيام".
وأضافت "هربنا من القتال، ولا طريقة لدينا للحصول على المال سوى من حسابنا المصرفي".
أحمد عبدالعزيز (45 عاما) موظف لديه حساب في بنك أم درمان الوطني. وقف الرجل أمام فرع المصرف في مدني رغم أن أبوابه مغلقة. وقال "أصبحنا في حيرة من أمرنا، فأموالنا في البنوك ولا نستطيع الحصول عليها".
وبسبب المواجهات التي أدت إلى مقتل ألف شخص وأرغمت مليونا على ترك منازلهم، توقفت عمليات نقل الأموال. وبالتالي لا يستطيع موظفو البنوك إلا منح عدد محدود من العملاء كمية قليلة من النقود.
وقال اتحاد المصارف السودانية في بيان أصدره قبل أيام: إن رؤساء المصارف يسعون "لاستعادة الخدمات المصرفية في ولاية الخرطوم حال توافر الظروف المواتية لذلك".
وتعرض عدد من فروع البنوك في مختلف أنحاء العاصمة الخرطوم لعمليات نهب بعد أن قام مسلحون بكسر أقفالها.
وشرح محمد عبدالعزيز الخبير المصرفي الوضع الراهن.
فقال "تتركز سيرفرات المصارف (أنظمة الحاسب الآلي) التي تتحكم في عملها في المقار الرئيسة في الخرطوم"، موضحا أن "الموظفين لا يستطيعون الوصول إليها وتشغيلها بسبب القتال".
وأضاف "كما أن الفروع في الولايات فقدت الاتصال بإدارات المصارف التي تعطيها الموافقة على العمليات".
وقال أحد موظفي البنك السوداني الفرنسي طالبا عدم كشف هويته لأنه غير مخول بالحديث "لا نستطيع القيام بعمليات تحويل الأموال من حساب إلى آخر والمقاصة بين البنوك متوقفة تماما". وأوضح عبدالعزيز أن البنوك السودانية "فقدت التواصل تماما مع البنوك الخارجية منذ بدء الحرب، والوضع الحالي يؤدي إلى حالة كساد في الاقتصاد تزيد من معاناة المواطنين".
20 عاما من الحظر المشدد كانت كافية لجعل النظام المصرفي في السودان شبه متهالك، علما بأن البلاد لا تزال مدرجة على قائمة الدول المانحة بوصفها من "الدول الفقيرة المدينة للغاية".
ولا يتيح النظام المصرفي السوداني أي مدفوعات بالبطاقات المصرفية ولا التحويلات الدولية بين الأفراد.
يضم السودان إجمالا 37 مصرفا من بينها أربعة مصارف مملوكة للدولة تتحكم في 14 في المائة من الأصول المصرفية، وسبعة مصارف أجنبية تمتلك 23 في المائة من الأصول المصرفية في البلاد، بحسب صندوق النقد الدولي.
في نهاية 2019، كان إجمالي هذه الأصول يعادل 11.8 مليار دولار وكان صندوق النقد الدولي يعد أن النظام المصرفي السوداني "هش" مع وجود عديد من المصارف التي يقل رأسمالها عن الحد الأدنى المتعارف عليه.
لا أحد يعرف ماذا تبقى من هذه المبالغ. فكل يوم هناك صور جديدة تنشر على الإنترنت لخزائن سرقت محتوياتها ومصارف نهبت.
غير أن اتحاد المصارف لا يتوقف عن إصدار بيانات "يطمئن فيها العملاء إلى أن ودائعهم في الحفظ والصون"، ويؤكد أن "أرصدتهم ومعلوماتهم المالية محفوظة بكاملها".
وفي انتظار عودة العمل في المصارف، فإن إبراهيم وإشراقة وأحمد والآخرين يتعين عليهم شراء الدقيق بسعر أعلى مرتين مما كان عليه قبل الحرب والوقود بسعر يزيد 20 مرة بقليل من النقود المتبقية لهم.