تحسين اقتصادات التحلية
تناول "إعلان جدة" للقمة العربية في دورتها العادية الـ32 لمجلس جامعة الدول العربية، مبادرة للبحث والتميز في صناعة تحلية المياه وحلولها، أي حلول صناعة تحلية المياه للإسهام في تحسين اقتصادات هذه الصناعة، لتكون في نهاية المطاف صناعة استراتيجية للدول العربية. هل تساءلنا: ما أهمية المبادرة وانعكاساتها على الدول العربية؟
تحلية المياه عملية تحتاج إلى استثمارات رأسمالية مرتفعة وخبرات هندسية لإنتاج مياه صالحة للشرب والزراعة والصناعة في المناطق التي تعاني نقص المياه، والمملكة تتربع على عرش أكبر منتج للمياه المحلاة عالميا، وتنتج المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وحدها 6.6 مليون متر مكعب يوميا، وتغطي احتياج المملكة من المياه، ونجحت "المؤسسة" كذلك في خفض تكاليف الإنتاج عبر تفعيل التقنية. إذا كنا نقود العالم في صناعة الطاقة، فنحن كذلك نقود العالم في إنتاج المياه المحلاة في صناعة تحلية المياه وبقدرات هندسية وطنية.
ركزت السعودية خلال القمة العربية على تعزيز محيطها العربي بالمساهمة الاقتصادية والتنموية، ومن ضمنها جعل المياه وحلولها من الصناعات الاستراتيجية للدول العربية، بمعنى آخر، تحفيز العمل المشترك ومشاركة التجارب الناجحة التي تعيشها السعودية، ومن ضمنها قطاع تحلية المياه.
صناعة تحلية المياه تتطلب طاقة كهربائية بشكل كبير في الإنتاج والنقل، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة سيخفض من التكاليف التي تتحملها الدول، مثل تحسين اقتصادات تحلية المياه عن طريق مصادر الطاقة المتجددة أو تطبيق مزيج الطاقة المتعدد، إضافة إلى استخدام التقنيات الحديثة في تحلية المياه، وتصميم المحطات بطرق أكثر فاعلية، بما في ذلك كفاءة التشغيل، ولا سيما أن سبل التحسين السعودية وتجاربها تعد نموذجا ومرجعا عالميا في صناعة تحلية المياه.
إضافة إلى ما ذكرته سابقا، المبادرة لها دور في تطوير سوق المياه المحلاة وتعزيز الابتكارات والأبحاث والتعاون الدولي، التي بدورها ستسهم في نشوء أسواقها الداخلية، أي من خلال المحتوى المحلي والخبرات البشرية، كما ستحفز مشاركة الدول العربية في الانضمام إلى المبادرات العالمية في مجال الطاقة المتجددة وتطبيقاتها ومواردها الأرضية النادرة، وغيرها من المنافع الاقتصادية التراتبية التي سنراها في سلسلة قيمة صناعة تحلية المياه.
أخيرا، مبادرة البحث والتميز في صناعة تحلية المياه وحلولها ومبادرة استدامة سلاسل السلع الغذائية الأساسية للدول العربية، ومبادرة البحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية، هي مسارات اقتصادية تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن الاستراتيجي للدول العربية، وتجعلها كذلك تشارك في الناتج المحلي الإجمالي العالمي عبر مسارات ذات أولوية وطنية واحتياجات، تمثل عناصر تحفيز ضمني في تحقيق الاستدامة والتقدم في تشكيل سلاسل القيمة على المستويين الوطني والإقليمي وبالتالي عالميا.
مجمل القول، إن تحسين اقتصادات التحلية سيقودنا إلى الدخول فيها كلاعبين استراتيجيين على مستوى التصنيع والتشغيل وتفعيل نتائج الأبحاث والابتكارات في سوق الصناعة عالميا.