«مدن أشباح» .. رؤية جديدة تبث الحياة في الأماكن المهجورة

«مدن أشباح» .. رؤية جديدة تبث الحياة في الأماكن المهجورة
وسط مدينة ستيفنيج التي صنفت ضمن 20 مدينة إقليمية في المملكة المتحدة تتطلب مدخلات حكومية.

تم بناؤها لتصبح مدينة فاضلة بعد الحرب للعائلات التي سعت إلى الهروب من المناطق التي دمرتها القنابل في لندن، لكن بعدما يقارب 80 عاما من تأسيسها، أصبحت "مدينة ستيفنيج الجديدة" بحاجة ماسة إلى التجديد.
بعد محاولتين فاشلتين في العقد الماضي اعتمدتا على جذب الأسماء الكبيرة من تجار التجزئة، تحاول المدينة اتباع نهج يعكس فكرا جديدا لكيفية إعادة بث الحياة في الشوارع الرئيسة المتعثرة في المقاطعات البريطانية.
قال ريتشارد هنري، رئيس مجلس المنطقة الذي يسيطر عليه حزب العمال، متذكرا كيف تركت سلسلة من العلامات التجارية وسط المدينة، تاركة فراغات كبيرة خلفها، "لقد قمنا بمحاولتين سابقتين للتجديد خلال الـ20 عاما الماضية، لكنهما كانتا تدوران حول البيع بالتجزئة".
وأضاف "يعتمد النهج الجديد على بناء شقق جديدة في وسط المدينة وإيجاد فرص عمل جديدة. نحن بحاجة لأن نكون أكثر من مجرد مدينة للتنقل حيث يذهب العاملون ويأتون من لندن، نريد أن نصنع مكانا يطمح المستثمرون للمجيء إليه".
يتلخص هذا النهج الأكثر شمولية في "أكثر من المتاجر"، وهو تقرير عن الصناعة أعدته شركة مارونز الاستشارية في مجال التخطيط، يسلط الضوء على السبب وراء عدم قدرة التجديدات في الشوارع الرئيسة الناجحة على الاعتماد على قطاع التجزئة الذي يتسم بالضعف بشكل متزايد.
فبدلا من ذلك، يجب على مناطق وسط المدن التي تتطلع إلى إعادة ابتكار نفسها أن تمزج مساحاتها المخصصة للتجزئة مع المساكن السكنية المختلطة، ومساحات مرنة للمكاتب، وخيارات للترفيه والتسلية، فضلا عن الرعاية الصحية والإرث التاريخي الذي يحول الشوارع الرئيسة إلى أماكن مأهولة بالسكان.
يأتي الضغط من أجل أن تصبح أكثر إبداعا بعد التحول المتزايد نحو التسوق عبر الإنترنت وتأثير جائحة كوفيد - 19، التي شهدت إغلاق أكثر من 17 ألف متجر في المملكة المتحدة في 2022، وفقا لمركز أبحاث البيع بالتجزئة.
كان إحياء الشوارع الرئيسة جزءا رئيسا من أجندة بوريس جونسون لرفع المستوى، من خلال صندوق للبلدات بقيمة 3.6 مليار جنيه استرليني وصندوق فيوتشر هاي ستريت بقيمة مليار جنيه إسترليني، الذي قدم منحا تراوح قيمتها بين خمسة ملايين جنيه استرليني و15 مليون جنيه استرليني لأكثر من 70 مدينة ناجحة.
مع ذلك، فإن الصناديق التي تم تخصيصها بصورة مجزأة، التي غالبا ما تتطلب إنفاقا سريعا وتستهلك تطبيقاتها المعقدة وقت مجلس البلدية الثمين، أدت إلى دعوات لاتباع نهج أكثر استراتيجية لتحفيز الاستثمار من جانب القطاع الخاص وتوجيه أفضل للموارد الحكومية المحدودة.
حذر شيفون هافيلاند، رئيس غرف التجارة البريطانية، في المؤتمر السنوي لمجموعة الضغط، من أن المتاجر المهجورة توجد "مدن أشباح" وأنها بحاجة إلى إعادة الحياة إليها.
كما جادلت غرف التجارة البريطانية بأن صناديق التمويل المجزأة التي تغطي أجندة رفع المستوى يجب توحيدها وتبسيطها.
قالت جين جراتون، رئيسة السياسات في غرف التجارة البريطانية "إن إعادة بناء المدن يعني ضمان أن لدى مناطق وسط المدن مزيدا لتقدمه، وهو ما يجعلها أماكن يصل الناس من خلالها إلى العمل والتجزئة والصحة والترفيه. هذا يعني روابط نقل أفضل، وعمليات تخطيط أسهل، ومزيدا من المرونة لجذب القطاع الخاص".
يوضح تقرير "مؤشر التجديد" في المملكة المتحدة، الذي أنشأته شركة مارونز، الحاجة إلى منظور أشمل. استنادا إلى بيانات الإحالة المرجعية حول الإسكان ميسور التكلفة والنمو السكاني وتوافر الوظائف في 300 مدينة صغيرة في المملكة المتحدة، فإنه يحدد أيها تتمتع بمرونة أساسية أعمق.
قال أليكس سميث، الشريك في مكتب شكسبير مارتينو للمحاماة، الذي شارك في إعداد التقرير "إن مراكز المدن المرنة هي تلك التي تم إعدادها للاستثمار الخاص ولديها جميع العناصر الصحيحة لتحقيق تجربة متنوعة في الشوارع الرئيسة. أما المراكز التي يكون أداؤها أقل فتميل إلى الاعتماد بشكل كبير على البيع بالتجزئة".
قال واضعو التقرير "إن النتائج التي توصلوا إليها قدمت دليلا إرشاديا عن المدن التي تحتاج أكثر من غيرها إلى المنح الحكومية لبدء التجديد فيها، والبلدات التي كان فيها مبرر إنفاق الأموال الحكومية هو الأضعف".
أظهرت النتائج الانقسام الراسخ منذ زمن طويل بين الشمال والجنوب في المملكة المتحدة، حيث يتطلب مزيد من المدن في الشمال والوسط تدخلا حكوميا، لكن أيضا الانقسامات العميقة داخل المناطق، حيث تحتاج بعض المدن في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي لإنجلترا أيضا إلى مساعدة.
ستيفنيج، التي تبعد أقل من 30 دقيقة بالقطار من لندن، موطن لمجموعة من العلامات التجارية للتكنولوجيا وعلوم الحياة، منها مجموعة الأدوية جي إس كيه وأيرباص وشركة تزويد تكنولوجيا المعلومات فوجيتسو، قد تم تصنيفها ضمن أفضل 20 مدينة إقليمية في المملكة المتحدة تتطلب مدخلات حكومية.
فازت المدينة بمنحة قدرها 37.5 مليون جنيه استرليني من صندوق المدن التابع للحكومة البريطانية، وتم بالفعل إنفاق جزء منها على إنشاء محطة حافلات جديدة وموقف سيارات متعدد الطوابق يضم نقاط شحن كهربائية خارج محطة المدينة، من أجل تسهيل الوصول إلى ستيفنيج.
لكن على الرغم من هذه الإشارات المبكرة للتقدم، فإن أدريان هوكينز، رئيس مجلس تطوير مدينة ستيفنيج، الذي نشأ في المنطقة، يوافق على أنه لا يزال أمام المدينة طريق طويل تقطعه من أجل إعادة اختراع نفسها كتجمع صناعي متقدم كان يحلم به مؤسسوها.
مثلا، تحتاج المدينة إلى 60 مليون جنيه استرليني لتجديد محطتها، كما أضاف هوكينز، وهو يشير إلى مدخلها البالي. قال "إذا كنت من المقر العام لشركة أيرباص وكان لديك وصول لرئيس تنفيذي من المقر العام لشركة بوينج في سياتل، فهذا لا يعكس صورة الحداثة والتقدم تماما".
فعلى الرغم من الحاجة إلى تحسين المظهر العام، إلا أن هناك دلائل على حدوث تغيير هيكلي في المدينة، بدءا من خطط لبناء ما يقارب ثلاثة آلاف منزل جديد في وسط المدينة وحوله.
يشير هوكينز إلى أكثر من 100 شقة تم بناؤها فوق مساحة المتاجر التي كان يشغلها في السابق متجر ماركس آند سبنسر، الذي هجر الشارع الرئيس في 2014. ساعدت الشقق على جذب فرع من نادي بيور جيم، وهو مساحة لممارسة التمارين الرياضية على مدار 24 ساعة، وإخصائي للبصريات من الشارع الرئيس المرتبط بخدمة الصحة الوطنية، مع مزيد من الوظائف في طريقها إليه.
كما يشغل الآن فرع جديد لشركة كو-سبيس للعمل المشترك مساحة لتجارة التجزئة هجرت أخيرا قبالة الساحة الرئيسة في المدينة.
قال روبرت إيشروود، وهو مستشار مالي مستقل يدير أعماله من كو-سبيس "من المؤكد أن وتيرة التغيير قد تسارعت، ويمكنك أن ترى الحجم الهائل للبناء".
حيث يمكن رؤية الحفارين من نافذته وهم يمهدون الأرض لبناء تطوير سكني آخر يضم 536 شقة بأسعار معقولة، وتنفذها جمعية جينيس للإسكان.
يأمل المجلس أن يكون هناك مزيد من الزخم عندما تفتتح شركة أوتولوس ثيرابيوتكس للعلاج الجيني، مقرها الرئيس في مساحة خلف الساحة الرئيسة في المدينة مباشرة، وهو ما سيضيف 400 وظيفة أخرى رفيعة المستوى.
فيما قال بيرس سلاتر، رئيس مجموعة ريف، وهي شركة تطوير لديها ترخيص لتطوير مجموعة أخرى من المرافق المخصصة لعلوم الحياة في موقع مجاور "كان المحفز سكنيا. يتعين علينا إعادة اختراع المدينة حول الحياة السكنية في وسط المدينة".
قال هنري، رئيس المجلس، "إن الطموح هو أن مزيدا من الوظائف رفيعة المستوى ستشهد تدريجيا حلول المقاهي والمطاعم محل متاجر التخفيضات ومحال المراهنات التي تطغى حاليا على الشارع الرئيس.
إننا نوفر مزيدا من الفرص والتوظيف، ونتطلع إلى إيجاد مزيد من ثقافة المقاهي"، كما قال منبها إلى أن "الأموال من كل من الحكومة والقطاع الخاص ضرورية لترك الأثر".
بالنظر إلى المحاولات الفاشلة السابقة لإعادة الحياة إلى مدينة ستيفنيج، فإن إقناع المتشككين سيستغرق بعض الوقت. في الشارع الرئيس، يستعد لويس لوبجويت لافتتاح متجر لبيع الأسماك والأطعمة الفاخرة وبيع المكسرات والبذور وحلوى الحلقوم التركية وغيرها من الأطعمة الشهية.
كما يقول، "إنه في الوقت الحالي يستقل أحدث سكان ستيفنيج القطار إلى لندن للتسوق والخروج". حيث يسأل "أين تفضل قضاء الوقت، في ستيفنيج أم سوهو؟". لكنه وافق على أنه، مع مرور الوقت، يجب أن يجتذب متجره الجديد، والمحال الأخرى المشابهة، هؤلاء العملاء.

سمات

الأكثر قراءة