التضحية بصحة الإنسان والبيئة مقابل التقدم التكنولوجي
عندما دخل مارك نيومان بهو أحد الفنادق في طوكيو لحضور مؤتمر للعملاء في أواخر العام الماضي، كان الرئيس التنفيذي لشركة الكيماويات العملاقة الأمريكية كيمورز قد مر بتجربة نادرة من تهافت الناس عليه.
يتذكر نيومان الموقف قائلا "شعرت كأنني أحد نجوم موسيقى الروك. لقد غمرني الناس قائلين: نحن بحاجة إلى مزيد".
"المزيد" الذي يرغبون فيه في هذا السياق هو عبارة عن فئة من المواد الكيميائية تعرف باسم الفاعلات بالسطح الفلورية PFAS، وهي ضرورية لإنتاج كل شيء من الهواتف الذكية، وبدلات رجال الإطفاء، إلى الطائرات والمركبات الكهربائية، لكن بشكل خاص الرقائق الدقيقة. أي شخص يحاول تأمين الإمدادات لهذا العام كان سيصاب بخيبة أمل. يقول نيومان "إن أحد مكونات الفاعلات بالسطح الفلورية الرئيسة قد تم بيعه بالكامل".
لكن المواد الكيميائية التي تلعب دورا فعالا للغاية بالنسبة إلى صانعي الرقائق وإلى تنمية الاقتصاد العالمي المعتمد على البيانات لديها أيضا القدرة على إحداث آثار جانبية صحية وبيئية كبيرة.
يشعر صانعو السياسات بقلق متزايد بشأن مخاطر هذه "المواد الكيميائية الدائمة"، التي يطلق عليها هذا الاسم، لأنها لا تتحلل بسهولة في البيئة. وقد تم ربط المواد الكيميائية بمشكلات الخصوبة، وإعاقة نمو الجنين، وأمراض الكبد وزيادة خطر الإصابة بالسرطان لدى البشر.
في آذار (مارس)، بدأ الاتحاد الأوروبي مشاورات عامة بشأن مقترحات لحظر فئة كاملة تصل إلى عشرة آلاف مادة كيميائية، مع فترة "انتقالية" مدتها 13.5 عام لصناعة الرقائق. إذا تم تنفيذ هذا الحظر فسيكون "أوسع تقييد على المواد الكيميائية (...) في التاريخ"، وفقا لفروك أفيربيك، الذي يقود الاقتراح الخاص بألمانيا، إحدى الدول الأوروبية الخمس التي تقف وراء الحملة من أجل حظر المواد.
لا تنتظر بعض شركات الكيماويات اللوائح التنظيمية. ففي كانون الأول (ديسمبر)، أعلنت شركة 3 إم أنها ستوقف إنتاج مواد الفاعلات بالسطح الفلورية بحلول 2025، بحجة أن المخاطر لا تستحق الربح المحتمل. كانت تواجه بالفعل عدة دعاوى قضائية بسبب حالات تلوث سابقة.
أدت هذه الخطوات إلى نشر الفزع في المقار الرئيسة لكبرى شركات تصنيع الرقائق في العالم ومورديها، وهي قائمة طويلة من الشركات الصناعية الرائدة بما فيها شركة إنتل، وشركة إنفنيون، وشركة تي إس إم سي، وشركة إس تي ميكروإلكترونكس، وشركة باسف، وكثير من الشركات الأخرى.
بعد قرار شركة 3 إم، استدعت شركتا إنتل وتي إس إم سي الموردين إلى اجتماعات. يقول أحد موردي معدات الرقائق الأمريكية لشركتي تي إس إم سي وإنتل "تريد الشركتان التأكد من أن إنتاج الرقائق يمكن أن يستمر ولن يتأثر بسبب خروج شركة 3 إم". كما تم استجواب الموردين بشأن تداعيات الحظر الأوروبي والقيود المتزايدة في الولايات المتحدة.
حتى مع الفترة الانتقالية المقترحة من الاتحاد الأوروبي، ستحتاج شركات تصنيع الرقائق وجهات التوريد الخاصة بها إلى تطوير فئة جديدة كاملة من المواد الكيميائية وإصلاح عمليات الإنتاج عبر قطاعات متعددة. يعتقد كثير من المطلعين على الصناعة أن هذا غير ممكن في هذا الإطار الزمني.
لكن فرض حظر مع عدم وجود مواد كيميائية بديلة لتحل محل مواد الفاعلات بالسطح الفلورية يمكن أن يهدد طموح أوروبا المدعوم بشدة في اقتناص 20 في المائة من سوق الرقائق العالمية بحلول 2030، ويؤدي إلى تداعيات متسلسلة عبر مجموعة أوسع بكثير من الصناعات، من السيارات إلى الطاقة. تدل هذه المعضلة على صعوبة تلبية متطلبات التكنولوجيا الحديثة دون الإضرار بصحة الإنسان والبيئة.
يقول أحد المسؤولين التنفيذيين الأوروبيين البارزين في مجال الرقائق "دون قليل من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية، فإن تصنيع أشباه الموصلات ببساطة غير ممكن. لا توجد بدائل في السوق حتى الآن".
مواد عجيبة
نظرا لأنها بنيت على سلسلة من ذرات الكربون والفلور المترابطة، تحتوي مواد الفاعلات بالسطح الفلورية على واحد من أقوى الروابط في الكيمياء العضوية، ما يجعل المواد المشتقة منها شديدة المقاومة للماء، والزيت والحرارة.
تعد شركات مثل كيمورز، ودايكين اليابانية وشركات تصنيع المواد الكيميائية الأوروبية أركيما وسولفاي رائدة في إنتاج هذه المواد الرائعة.
في صناعة الرقائق، تكون المكونات المصنوعة من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية أو المطلية بها شديدة المقاومة للمواد الكيميائية المسببة للتآكل المستخدمة، ما يضمن نقاء عمليات التصنيع ويدعم جودة الرقائق المتطورة.
لكن الروابط قوية لدرجة أن جزيئات مواد الفاعلات بالسطح الفلورية في المواد المهملة لا تتحلل بسهولة، وبدلا من ذلك تتراكم في البيئة والأعضاء البشرية. ويتزايد قلق العلماء بشأن العواقب الصحية الوخيمة. وجدت الدراسات أن مواد الفاعلات بالسطح الفلورية موجودة في دماء 99 في المائة من الأمريكيين وعند مستويات غير آمنة في مياه الشرب والتربة للمواطنين الأمريكيين والأوروبيين. وقد حذرت وكالة حماية البيئة الأمريكية من أن المستويات القريبة من الصفر من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية يمكن أن تشكل تهديدا لصحة الإنسان.
وفقا لمجلس وزراء دول الشمال الأوروبي، يمكن أن تصل التكاليف الصحية الأوروبية المتعلقة بمواد الفاعلات بالسطح الفلورية إلى 84 مليار يورو سنويا لعلاج الأمراض المرتبطة بالتعرض للمواد مثل تلف الكبد، وسرطان الكلى ومرض الغدة الدرقية. وقد تصل تكلفة عكس الأضرار البيئية والصحية إلى 2.4 تريليون يورو سنويا، كما تقول "كيمسيك"، مؤسسة غير ربحية تمولها الحكومة السويدية جزئيا. في الوقت الحاضر، لا توجد طريقة فعالة لتنظيف البيئة من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية على نطاق واسع.
لكن استبدال مواد الفاعلات بالسطح الفلورية ليست بالمهمة السهلة. إذ تعد البوليمرات الفلورية، وهي نوع من البلاستيك الصلب المصنوع من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية، من قبل كثير من المديرين التنفيذيين للرقائق والمواد الكيميائية الأكثر صعوبة للاستبدال. يتم استخدامها لصنع مواد طلاء أساسية وأجزاء مقاومة للمواد الكيميائية في سلسلة توريد الرقائق، مثل أنابيب المصنع، والمضخات والأختام. ويستهلك قطاع أشباه الموصلات 45 في المائة من البوليمرات الفلورية المستخدمة في صناعة الإلكترونيات، وفقا للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية.
جرب أحد موردي المواد الكيميائية الرئيسين استبدال بعض الحشوات القائمة على مواد الفاعلات بالسطح الفلورية التي يبلغ عددها 153 ألفا وتستخدم في مصنعه الألماني. يقول المسؤول التنفيذي "قمنا باختبار كثير من المواد المختلفة، بما في ذلك (...) المواد البلاستيكية التي تصنع منها مكعبات الليجو. لكن تسرب المواد الكيميائية (...) كان أعلى ألف مرة من تلك القائمة على مواد الفاعلات بالسطح الفلورية. وهذا يجعل مصنعنا غير آمن على الإطلاق".
يتحكم عدد من الشركات المنتجة لمواد الفاعلات بالسطح الفلورية -كيمورز، ودايكين، و3 إم، وأيه جي سي، وأركيما، وسولفاي وشان دونج دونجيو- في نحو 60 في المائة من سوق البوليمرات الفلورية العالمية. أكدت عمليات التحقق من "فاينانشيال تايمز" أن اثنتين منها فقط -هما شركة كيمورز وشركة دايكين اليابانية- تنتجان نوعا معينا من البلاستيك عالي الجودة يمكن تحويله إلى المعدات اللازمة في صناعة الرقائق المتقدمة.
يقول نيومان من شركة كيمورز "إن حالات عدم اليقين التنظيمية تعرقل خطط توسيع الطاقة الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد من قطاع الرقائق. من شأن الحظر المحتمل من جانب الاتحاد الأوروبي أن يفسد خطط أوروبا المتعلقة بأشباه الموصلات، ما يدفع الاستثمار إلى خارج الكتلة"، ويضيف أنه "سيكون غير قابل للتنفيذ".
يجادل كثير من شركات المواد الكيميائية، مثل باير، وأركيما وسولفاي، بأن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يتخذ نهجا مختلفا لتنظيم مواد الفاعلات بالسطح الفلورية. حيث يجادل كثير من المديرين التنفيذيين بأنه ينبغي السماح بتلك المواد التي لم يثبت أنها غير آمنة، التي تعد ضرورية للصناعات الرئيسة.
لكن "كيمترست"، مؤسسة خيرية بيئية، تقدر أن الأمر قد يستغرق آلاف الأعوام لتحديد سلامة كل مركب، لأن هناك كثيرا منها. واستغرق الأمر عدة أعوام للتوصل إلى اتفاق عالمي بشأن حذف نوعين فقط من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية بموجب اتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة.
تمت تجربة النهج "المختلف" من قبل. عندما تم حظر مواد كيميائية معينة في الماضي، كما يقول البروفيسور ويليام ديشتيل، وهو جزء من فريق في جامعة نورث وسترن الذي قام بتطوير طريقة لتفكيك مواد الفاعلات بالسطح الفلورية "لقد استبدلوها فقط بمواد كيميائية أخرى من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية، ما يظهر الآن دليلا على أنها بالسوء نفسه أو ربما كانت أسوأ".
"عبر تنظيمها، فإنك توجد حافزا ماليا هائلا (...) لتوفير حلول أكثر أمانا".
الوقت يمر
يعتقد بعض الكيميائيين وعلماء البيئة أن صناعة أشباه الموصلات ببساطة لم تبذل جهدا كافيا لإيجاد حلول أكثر أمانا.
لكن الشركات تصر على أنها حاولت إيجاد البدائل. حيث تعمل "تي إس إم سي" -أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم مع شركات أبل، ونفيديا وكوالكوم بصفتها عملاء لها- على البدائل منذ 2006 وتقول "إنها أحرزت تقدما في الطباعة الحجرية الضوئية، التي تضع دوائر متكاملة دقيقة على رقائق السيليكون".
بينما تقول شركة تي إس إم سي "إنها تريد التوقف عن استخدام مواد الفاعلات بالسطح الفلورية في المستقبل"، إلا أنها لا تحدد متى. وتقول "سيستغرق الأمر وقتا للتحقق من المواد الكيميائية والمواد الجديدة التي نستخدمها في عمليات التصنيع".
تقول "بوش"، الشركة الهندسية الألمانية التي تزود صناعة السيارات بالرقائق، "إن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت للتغيير"، مرددة بذلك وجهة النظر القائلة "إن صدور حكم قانوني أبكر من اللازم لحظر مواد الفاعلات بالسطح الفلورية سيعرض القدرة التنافسية لأوروبا للخطر".
يقول كيفين جورمان، نائب الرئيس الأول في شركة ميرك الألمانية العملاقة للأدوية، وهي موردة رئيسية لصناعة الرقائق، "إن العلماء في الشركة كانوا يعملون على بدائل خالية من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية منذ 2020.. هناك حاجة إلى مزيد من العمل للوصول بها إلى المستوى المطلوب للاستخدام التجاري. ما زلنا على بعد عدة أعوام".
لكن من الواضح أن الوقت يمر. فقد التزمت شركة أبل، باعتبارها واحدة من أكبر مستخدمي المواد الكيميائية في صناعة التكنولوجيا، في أواخر العام الماضي بالتخلص منها تدريجيا على المدى الطويل.
فتحت مثل هذه الالتزامات فرصا أمام المعطلين المحتملين. تعمل شركة إمبيرميا متريالز ومقرها ماساتشوستس على حلول خالية من مواد الفاعلات بالسطح الفلورية لتغليف المواد الغذائية والمنسوجات، وهي تستثمر الآن في مجال التكنولوجيا.
يقول ديفيد زامارين، مؤسس شركة إمبيرميا ورئيسها التنفيذي "لم يكن أحد على استعداد للتحول إلى غير مواد الفاعلات بالسطح الفلورية لأن حجتهم كانت أنها تعمل بشكل أفضل بكثير من جميع البدائل. لكن الآن مع وجود كثير من اللوائح التنظيمية، يمكن أن تتغير الأمور".
لكن سيتعين على العملاء قبول فكرة أن المنتجات الأحدث ستكلف أكثر في البداية. يقول زامارين "قد تكون تكلفة حلولنا، في حالة طلاء الإلكترونيات، أعلى بثلاث مرات مما يبحث عنه عملاؤنا المحتملون".
حتى أولئك الذين يعتقدون أنه ينبغي حظر مواد الفاعلات بالسطح الفلورية يتفقون مع الصناعة، ومع ذلك، فإن البدائل لن تكون متاحة قريبا. إذ يقدر جانيون وانج، المتخصص في تلك المواد والباحث في "إيمبا"، المختبرات الفيدرالية السويسرية لاختبار المواد وأبحاثها، أن اعتماد أي مواد كيميائية جديدة على نطاق واسع سيستغرق أكثر من عشرة أعوام.
تقول جوليان جلوج، عالمة البيئة وخبيرة في مواد الفاعلات بالسطح الفلورية في جامعة إي تي إتش زيوريخ ومقرها سويسرا "في بعض مجالات الاستخدام، مثل صناعة أشباه الموصلات، ستكون هناك حاجة إلى كثير من الأبحاث للتخلص التدريجي من تلك المواد الفاعلات بالسطح الفلورية. إنه تحد كبير لكننا بحاجة إلى بدء الاستكشاف الآن".
مبرر التنظيم
تواصلت "فاينانشيال تايمز" مع أكثر من 20 شركة لتوريد الرقائق في أوروبا، والولايات المتحدة وآسيا، للاستفسار عن خططها بشأن مواد الفاعلات بالسطح الفلورية.
قال عدد قليل فقط، بما في ذلك شركة تي إس إم سي، وشركة ميرك وشركة بوش، "إن لديها خطة طويلة الأجل للتخلص من المواد الكيميائية". وتعهدت شركة إنتل بعدم استخدام مواد الفاعلات بالسطح الفلورية "من جديد" في سلسلة التوريد الخاصة بها.
لكن شركات مثل سامسونج، ونفيديا، وكوالكوم، وبرودكوم، وتكساس إنسترومنتس، وجلوبال فاونديريز، وأيه دي آي، وأيه إس إم إل، وإن إكس بي، وإنفينيون، وإس تي مايكرو إلكترونيكس، ولام ريسيرش، وأبلايد متريليز وباسف امتنعت عن الرد، أو وجهت الأسئلة إلى جمعيات الصناعة ومجموعات الضغط.
إحدى هذه الجمعيات هي سوستينابل بفاس أكشن نيتورك، ومقرها يقع خارج واشنطن العاصمة، التي تدعي أن أي قيود على مواد الفاعلات بالسطح الفلورية يمكن أن تؤثر في الصناعات الأمريكية التي تدعم 6.2 مليون وظيفة وتسهم بأكثر من تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
كما استعانت الصناعة بمستشارين لتقديم التماس إلى بروكسل على أمل تأخير الحظر أو الحصول على إعفاءات. إن ربع الشركات التي تنفق أكثر من ثلاثة ملايين يورو سنويا على الضغط على الاتحاد الأوروبي هي شركات رئيسة لإنتاج المواد الكيميائية: شركات باير، وداو ويوروب وباسف.
وفقا لـ"لوبي فاكتس"، أداة للتحقيق في ممارسة الضغط في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فقد أنفقت الشركات مجتمعة 12 مليون يورو في 2022، في إطار عمل الاتحاد الأوروبي لتنظيم المواد الكيميائية السامة، المسماة ريتش، ضمن مجالات التركيز.
أنفق المجلس الأوروبي للصناعات الكيماوية عشرة ملايين يورو العام الماضي للضغط على الاتحاد الأوروبي عموما وعقد ما لا يقل عن خمسة اجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من 2022 وعلى وجه التحديد بشأن إطار عمل الاتحاد الأوروبي مع الفاعلات بالسطح الفلورية.
تقول فيكي كان، الباحثة في مرصد الشركات الأوروبي "لقد كان القطاع دائما قادرا على تخفيف أو تأجيل اللوائح التنظيمية التي تهدف إلى حماية صحة الإنسان ومنع التلوث البيئي".
يقول ميكائيل كان، خبير مواد الفاعلات بالسطح الفلورية في "سويز"، إحدى مجموعات النفايات والمياه الرائدة في العالم ومقرها باريس، "إن التقنين مطلوب لتحقيق تكافؤ الفرص أمام الشركات التي تتخوف من العوائق التنافسية".
يقول كان "سيتطلب الأمر استثمارات بمليارات الدولارات من صناعة الرقائق والإلكترونيات كل عام لمعالجة التلوث الذي تحدثه مواد الفاعلات بالسطح الفلورية". حيث تتم ملاحقة الشركات في المحاكم بسبب التلوث الذي تسببت فيه، فعندما رفعت الحكومة البلجيكية دعوى قضائية ضد شركة إم 3 في 2022، كان عليها دفع مبلغ 581 مليون دولار كتكاليف للتنظيف. كما تخصص شركة تشيمورز مئات الملايين من الدولارات كل عام لتنظيف التلوث الذي وقع في السابق.
ويضيف كان "إذا لم تكن هناك ضغوط تنظيمية، فلن ترغب أي شركة لتصنيع الرقاقات أو أي شركة تكنولوجية في زيادة كبيرة في التكلفة أو إنفاق كثير من الأموال إذا كانت هي الوحيدة التي تتحمل التكلفة".
فيما يعترف بعض أعضاء جماعات الضغط في صناعة الكيماويات بأن الشركات يجب أن تقبل حتمية فرض قيود أكثر صرامة.
وبدلا من محاربة الحظر، "قد يكون الأسلوب الأفضل هو السعي إلى الحصول على وقت غير محدود (للإعفاءات من الحظر) لبعض التطبيقات الصناعية الحيوية بعد المضي قدما في فرض القيود"، كما يقول أندرياس جيجر، الشريك الإداري لشركة ألبيرت آند جيجر ومقرها بروكسل، وهي أحد مكاتب المحاماة المختصة بالعلاقات الحكومية في الاتحاد الأوروبي.
وهذا لا يعني أن صناعة الرقائق يجب أن تستمر في الوضع الراهن، كما يقول منتقدو مواد الفاعلات بالسطح الفلورية.
يعتقد مارتن مولفيهيل، الكيميائي ومؤسس "سيفر ميد"، وهي شركة رأسمال مغامر للتكنولوجيا النظيفة، أن المواد الكيميائية تستخدم بشكل مفرط. إذ لا تتطلب كل مهمة تلك المستويات العالية من الأداء التي تقدمها هذه المواد.
حيث يقول مولفيهيل "لقد رأينا بالفعل في قطاعات معينة مثل الأغذية والمنسوجات أننا تمكنا تماما من القضاء على مواد الفاعلات بالسطح الفلورية. أنا لا أقول إنه يمكننا الوصول إلى نسبة تخلص تبلغ 100 في المائة (بالنسبة إلى صناعة الرقائق) لكن أراهن على أنه يمكننا التخلص من 70 إلى 80 في المائة من هذه المواد".