مؤشرات أخطار البيئة على العالم

كانت مآسي مروعة تلك التي شهدتها منطقة واسعة جنوب تركيا وشمال سورية، قرب الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، نتيجة زلزال مدمر وما نتج عنه من تداعيات. كان ذلك في شباط (فبراير) من هذا العام. وتحدثنا عن هذا الموضوع على هذه الصفحة في 16 فبراير، وأوردنا زلازل مماثلة سجلها التاريخ، حدثت في المنطقة ذاتها، قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، وقضت على كثير من معطيات حضارة الإنسان في تلك الحقبة، التي عرفت بالعصر البرونزي.
تنتمي الزلازل إلى ما يشار إليه بأخطار البيئة على حياة الإنسان، وهي أخطار تختلف في طبيعتها وفي احتمال حدوثها بين منطقة وأخرى من مناطق العالم، كما تختلف في مدى تأثيرها، ومآسي هذا التأثير، تبعا لمدى الاستعداد لمواجهتها. فالزلازل في حدوثها خارجة عن إرادة الإنسان، لكنها في الأثر ضمن إرادته، ولو جزئيا، سواء في الاستعداد لها وتجنب دمارها، أو في الاستجابة لها وإنقاذ أقصى ما يمكن إنقاذه.
أورد المنتدى الاقتصادي الدولي WEF، في تقريره حول الأخطار على العالم، لـ2023، ستة أخطار بيئية من بين 32 خطرا، تشمل أيضا أخطارا اقتصادية، واجتماعية، وجيو ـ سياسية، إضافة إلى أخطار تقنية تحدثنا عنها في مقال سابق. وتشمل الأخطار البيئية الستة التي ذكرها تقرير المنتدى: الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين، وحالات الطقس القاسي مثل العواصف والأعاصير والفيضانات، وفشل العالم في تخفيف أثر التغير المناخي، وفشل العالم أيضا في التكيف مع هذا التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، وأزمات الموارد الطبيعية، إضافة إلى حوادث الأذى البيئي القائمة على نطاق واسع.
وسنناقش هذه الأخطار فيما يلي تبعا لمستوى الأهمية التي رآها تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي في كل منها، ضمن الإطار الزمني للأعوام العشرة المقبلة.
رأى تقرير المنتدى أن الخطر الأهم على العالم، بين أخطار البيئة، هو خطر الفشل في تخفيف أثر التغير المناخي، بل إن التقرير رأى أيضا أن هذا الخطر هو أهم الأخطار، بين الـ32 خطرا، على العالم. ويعرف هذا الخطر على أنه الفشل الجامع للأفراد ومؤسسات الأعمال والحكومات، أي شتى الوحدات الاستراتيجية حول العالم، في وضع معايير فاعلة تختص بالحد من أثر التغير المناخي، والاستثمار اللازم في ذلك، فضلا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ. ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- الابتعاد عن الكربون وآثاره في النشاطات والأعمال المختلفة.
الخطر الذي يحتل المركز الثاني بين أخطار البيئة، وبين مجمل الأخطار أيضا، في إطار الأعوام العشرة المقبلة، هو خطر الكوارث الطبيعية وحالات الطقس القاسي. ولو أن تقييم الأخطار جاء بعد حادث الزلزال، لربما نال هذا الخطر المركز الأول. وكما ذكرنا أعلاه، فإن الإنسان يستطيع بالاستعداد الحد من آثار الزلازل. وثبت ذلك، على أرض الواقع، في الزلزال الأخير. ففي مدينة "كهرمان مرعش" التركية مركز الزلزال المدمر الأخير كانت هناك مفارقة كبيرة في الأثر تستحق الذكر.
تسبب الزلزال في انهيار آلاف المباني، وسقوط آلاف الضحايا، لكن مبنى واحدا في المدينة استعصى عن الانهيار، وبقي صامدا. وكان سبب ذلك هو التزام القائمين على تشييد هذا المبنى بمعايير مقاومة الزلازل، لذلك لم يتمكن الزلزال، على قوته، من زعزعة هذا المبنى المتقن. ولم يكن غريبا أن يكون هذا المبنى هو مبنى هيئة مهندسي الإنشاءات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معايير مقاومة الزلازل في تشييد المباني كانت متاحة لجميع المهندسين والمقاولين في تركيا، بعد زلزال سابق ضرب البلاد في 1999، لكن الالتزام بها كان محدودا ببناء واحد فقط من آلاف الأبنية التي وقعت ضحايا عدم الالتزام الهندسي. ولعل من المفيد هنا ذكر التزام تشييد المباني في اليابان بمعايير تجنب آثار الزلازل، والحماية التي تم تحقيقها على مدى الأعوام.
وننتقل إلى الخطر الذي يحتل المركز الثالث بين أخطار البيئة، والثالث أيضا ضمن مجمل الأخطار. هذا الخطر هو فشل العالم في التكيف مع التغير المناخي. ويعرف هذا الخطر على أنه الفشل الجامع للأفراد ومؤسسات الأعمال والحكومات، أي شتى الوحدات الاستراتيجية حول العالم، في وضع معايير فاعلة تختص بالتكيف مع التغير المناخي، والاستثمار اللازم في ذلك، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ. ومن ذلك -على سبيل المثال- عدم إقامة بنى بيئية مرنة تستجيب للتغيرات.
ونأتي إلى الخطر الرابع، وهو خطر فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، ويأتي هذا الفقدان نتيجة للتغير المناخي، ويشمل انقراض أجناس مختلفة من المخلوقات البرية والبحرية، وتقلص الثروة البيولوجية للنظام البيئي، حيث يؤثر ذلك سلبا في حياة الإنسان. ويطل بعد ذلك الخطر البيئي الخامس الذي يحتل المركز السادس بين مجمل الأخطار، وهو خطر أزمات الموارد الطبيعية، مثل المياه والنفط والمعادن وغيرها. وينتج هذا الخطر عن سوء استخدام الإنسان لهذه الموارد ما يؤدي إلى الشح فيها، خصوصا في بعض المناطق، إضافة إلى عدم الالتزام بمتطلبات استدامة الحياة التي أبرزت الأمم المتحدة الاهتمام بها في 1987، في تقريرها الذي حمل شعارا يقول "مستقبلنا المشترك".
ونصل أخيرا إلى الخطر البيئي السادس المتعلق بحوادث الأذى البيئي القائمة على نطاق واسع، مثل حوادث المصانع الناتجة عن ضعف ضوابط العمل فيها، ومثل التلوث الإشعاعي، وتلوث المياه بتسريبات مؤذية للنظام البيئي، كتسرب النفط من السفن الناقلة له حول العالم على شواطئ الدول المختلفة.
يحتاج العالم إلى اتفاق شامل بين جميع الدول على ضوابط تحمي بيئة الحياة من الأخطار سابقة الذكر، وعلى تنفيذ هذه الضوابط على أفضل وجه ممكن. ولعلنا لا ننسى أن البيئة من حولنا هي المسكن الذي اختاره الله تعالى لنا، والذي زوده من أجلنا أيضا بأسباب الحياة من طعام وشراب ووسائل وإمكانات. وعلى الجميع مسؤولية المحافظة على هذا المسكن الجميل، فواقعنا مشترك، ومستقبلنا مشترك، في هذا المجال، أيضا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي