المؤمن الصادق
"المؤمن الصادق" عنوان كتاب مثير للمؤلف إيريك هوفر، قام غازي القصيبي ـ رحمه الله ـ بترجمته إلى العربية في 2010، ومن اللافت أن المؤلف كان عاملا في المزارع، ثم منقبا عن الذهب، وبعد ذلك عمل على أرصفة الشحن والتفريغ في سان فرانسيسكو لمدة ربع قرن، لكنه كان عصاميا، ومفكرا فذا، كتب أكثر من عشرة كتب، منها: أهواء العقل، وأزمة التغيير، ومزاج زماننا. ويركز كتاب "المؤمن الصادق" على كيفية نشوء الحركات الجماهيرية الناتجة عن التطرف الذي يأتي بسبب الإحباط والتذمر، إذ يرى الإنسان المحبط عيبا في كل ما حوله ومن حوله، وينسب كل مشكلاته إلى فساد عالمه، ويتوق إلى التخلص من نفسه المحبطة وصهرها في كيان نقي جديد، وبذلك يكون لقمة سائغة للجماعات الثورية الراديكالية التي تستغل ما يشعر به من إحباط، فتسمعه ما يشتهي أن يسمع.
ورغم أن الكتاب طبع قبل ظهور مفهوم الإرهاب بعقود، أي: في 1951، فإن غازي القصيبي استشعر أهمية الكتاب، ووجد فيه ضالته لتفسير كيفية نشوء الإرهاب، بالتحديد: "لماذا يكون الإرهابي إرهابيا؟" لذلك يشير القصيبي في مقدمته إلى أن كتاب "المؤمن الصادق" يفسر الإرهاب في زماننا، وكذلك التطرف الذي عمل على توليده وتقويته. والمتطرف هو نموذج إنساني لا يثير التعاطف، إنه رجل قاس، معتد برأيه، كثير الجدل، وضيع ووقح، وكثيرا ما يكون المؤمن الصادق على استعداد للتضحية بأقاربه وأصدقائه في سبيل قضيته.
لا يمكن لكتاب رائع أن يلخص في مقالة قصيرة، لكن نكتفي بمقتطفات لعلها تعطي بعض اللمحات عن المحتوى. الكتاب يهتم بالحركات الجماهيرية سواء أكانت دينية أم اجتماعية أم قومية، تلك الحركات الجماهيرية التي تولد في نفوس أتباعها استعدادا للموت وانحيازا إلى العمل الجماعي، وجميعها تولد التطرف والحماسة والكراهية وعدم التسامح، وذلك بسيطرة "المؤمن الصادق"، ذلك الرجل ذو الإيمان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل القضية المقدسة لديه، ويحاول عن طريق الإقناع أو العنف صياغة العالم على شاكلته.
لكن ليس جميع الحركات الجماهيرية متشابهة في الخير والشر، أو تدخل في مجال الإرهاب، فبعضها حركات قومية مثلما كانت الثورتان الفرنسية والروسية، وكذلك فإن نجاح التحول الأسطوري في اليابان إلى دولة حديثة لم يكن ليتحقق لولا روح الصحوة في القومية اليابانية. ويمكن القول إن الثورات الاجتماعية تنزع إلى الدعوة إلى عصر ذهبي يتمتع الناس فيه بالحرية والمساواة والاستقلال، أما الحركات القومية فإنها تعتمد على استرجاع ذكريات أمجاد الماضي.
كما يشير الكتاب إلى أن عدم الرضا، في حد ذاته، لا يوجد بالضرورة الرغبة في التغيير، فلا بد من وجود عوامل أخرى قبل أن يتحول عدم الرضا إلى تذمر، وأحد هذه العوامل الإحساس بالقوة، فالذي يخاف محيطه لا يفكر في التغيير مهما كان وضعه بائسا. لذلك فإن الفقراء فقرا مدقعا يرهبون محيطهم، ولا تراودهم رغبة في التغيير.
ويتساءل الكتاب: من أين يجيء المتطرفون؟ فيجيب بأنهم يأتون في الأغلب من صفوف رجال الكلمة غير المبدعين، ويختلف رجال الكلمة الذين يحصلون على الرضا والشعور بالاعتزاز نتيجة عملهم وأولئك الذين لا يشعرون بشيء من ذلك، وبناء عليه، فإن رجل الكلمة المبدع برغم انتقاداته المريرة للنظام القائم هو إنسان مرتبط بالحاضر، يتطلع إلى الإصلاح لا الهدم. فعندما تبقى الحركة الجماهيرية في عهدته، فإنه ينزع إلى تحويلها إلى حركة سلمية.
وفي الختام كأن غازي القصيبي يتنبأ بحدوث اضطرابات ما يعرف بالربيع العربي، فقد ترجم هذا الكتاب قبيلها وأشار في مقدمة المترجم إلى أنه "يجب على الدول العربية أن تمتلئ بالفرص، وتزدهر بالأنشطة، وتبوح بمؤسسات المجتمع المدني النشطة، على نحو يقضي على الإحباط بين الشباب أو جزء كبير منه.. وبزوال الإحباط يزول التطرف، وبزوال التطرف ينتهي الإرهاب".