هل تعود تركيا إلى نظام سعر الصرف العائم لاستعادة القدرة التنافسية لصادراتها؟
يواجه الاقتصاد التركي وضعا حرجا في رأي محللين، فالسياسة الحالية تنطوي على خطر وشيك، في حين أن أي حل سيتطلب إجراءات أليمة.
قالت شركة كابيتال ايكونوميكس إن "ساعة الحقيقة قد تكون قريبة للاقتصاد التركي".
بعد أن كان مدعوما بيد عاملة رخيصة ونظام مصرفي فعال، يعاني الاقتصاد التركي مشكلة تسببت فيها السلطة التنفيذية نفسها ولا يواجهها سوى عدد قليل من الدول الأخرى.
هبطت الليرة التركية وتجاوز التضخم السنوي الرسمي نسبة 85 في المائة في الخريف، فيما تقدر مجموعة اقتصاديين أتراك مستقلين هذه النسبة بأكثر من الضعفين.
وبحسب "الفرنسية"، انتهت "المعجزة الاقتصادية" التركية التي كانت قائمة في أعوام الألفين خلال العقد الأول، فقد غادر المستثمرون الأجانب خوفا من عدم الاستقرار ومن وضع اليد على مؤسسات كان يديرها في السابق تكنوقراط حياديون.
ويقول بارتوش ساويكي من شركة Conotoxia "نقدر أن حيازة السندات التركية من قبل حاملي السندات الأجانب انخفضت بنحو 85 في المائة مقارنة بـ2013 العام الذي خسرت فيه الليرة نحو 90 في المائة أمام الدولار". المشكلة الأكثر إلحاحا بالنسبة لتركيا هي أن بنكها المركزي تنقصه السيولة.
فقد أنفق البنك المركزي نحو 30 مليار دولار لدعم الليرة منذ 1 كانون الأول (ديسمبر)، ما دفع احتياطيه من النقد الأجنبي إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ 2002.
ورأى تيموثي آش المحلل لدى شركة "بلوباي"، أن "الوضع الحالي غير قابل للاستمرار".
قدم الخبراء حلين، رفع أسعار الفائدة أو ترك الليرة تهبط، حيث ألغت إجراءات الدعم النقدي ميزة أسعار الفائدة المنخفضة في اقتصاد يهيمن عليه قطاع التصنيع.
بحسب المحللين لدى "أليانز"، فإن سعر الصرف الفعلي لليرة "ارتفع بنحو 35 في المائة منذ دخول النهج غير التقليدي للسياسة النقدية حيز التنفيذ بالكامل في ديسمبر 2021".
وهم يرون أن "العودة إلى نظام سعر الصرف العائم ستكون ضرورية لاستعادة القدرة التنافسية للصادرات التركية".
يتوقع عديد من المحللين انخفاض الليرة في الأشهر المقبلة، في هبوط سيؤثر بشكل إضافي في القدرة الشرائية لدى الأتراك ويمكن أن يرغم الحكومة على البحث عن مليارات الدولارات لاتخاذ إجراءات دعم للأسر، إضافة إلى عديد من الوعود الانتخابية.
يمكن أن يساعد ارتفاع حاد في أسعار الفائدة على كسر هذه الحلقة المفرغة لكنها مستبعدة.
يخشى أتيلا يسيلادا من شركة الاستشارات Global Source Partners أن يقوم البنك المركزي التركي، بطبع أوراق نقدية لتمويل الزيادات في رواتب موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية.
في موازاة ذلك يجب أن تمول تركيا إعادة إعمار المحافظات المتضررة من زلزال 6 شباط (فبراير) الذي أوقع 50 ألف قتيل، وتقدر أضراره بأكثر من مائة مليار دولار.
وقال يسيلادا "كيف ستمول الحكومة جهود إعادة الإعمار دون طباعة الأوراق النقدية والاتجاه إلى تضخم مفرط؟ هذا سؤال لا يود أحد الإجابة عنه".
يرى المحللون أن الحكومة التركية لن يكون أمامها من خيار آخر سوى رفع أسعار الفائدة.
يقول إمري بيكر من مجموعة أوراسيا الفكرية، إن تركيا ستحاول أولا احتواء الطلب على الدولارات عبر "إجراءات احترازية شمولية وضوابط على رؤوس الأموال".
لكن أتيلا يسيلادا يحذر من أن "رفع أسعار الفائدة سيخفض رؤوس أموال البنوك" التي "لن تكون قادرة على الإقراض لفترة طويلة".
وتراجعت الليرة التركية 1.6 في المائة لتهبط لمستوى قياسي جديد أمس، فيما يعكف الرئيس رجب طيب أردوغان، على اختيار من سيتولون إدارة السياسات الاقتصادية في حكومته بعد فوزه في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية الأحد.
ووصلت الليرة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 20.43 مقابل الدولار، مسجلة أسوأ أداء يومي منذ عام تقريبا. وخسرت أكثر من 2 في المائة من قيمتها منذ التصويت في جولة إعادة الانتخابات، وخسرت أكثر من 8 في المائة من قيمتها منذ بداية العام. وفقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها على مدار العقد الماضي إثر موجات من ارتفاع التضخم.
ويقول محللون إن من المرجح انخفاض قيمة الليرة وحدوث عقبات اقتصادية بشكل أكبر إذا واصلت الحكومة برنامجها غير التقليدي لتحفيز النمو الاقتصادي والصادرات من خلال خفض أسعار الفائدة وإحكام قبضتها على الأسواق المالية.
وتوجد إشارات هنا وهناك إلى تنامي الضغوط على الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي، وإلى وجود مخطط مدعوم من الدولة لحماية الودائع بالليرة من فقدان قيمتها، وهو أمر معروف باسم حسابات (كيه.كيه.إم).
وقال ثلاثة مصرفيين لـ"رويترز" إن البنك المركزي من المقرر أن يلتقي أفرادا مصرفيين تنفيذيين مسؤولين عن عمليات الخزانة الثلاثاء لبحث قضايا من بينها ودائع (كيه.كيه.إم) التي قفزت 33 في المائة لتبلغ 121 مليار دولار منذ نهاية آذار (مارس).
ووصل التضخم العام الماضي إلى أعلى مستوى في 24 عاما متجاوزا 85 في المائة، وذلك في ظل ارتفاع الأسعار نتيجة اتباع سياسات نقدية غير تقليدية يتبناها أردوغان وتتمثل في خفض أسعار الفائدة رغم ارتفاع التضخم.
وبعد أزمة عملة في 2021، لعبت السلطات التركية دورا متزايدا في أسواق الصرف. وأصبحت التحركات اليومية محدودة بشكل غير معتاد وتراجعت احتياطيات العملات الأجنبية والذهب.
يأتي ذلك في وقت قال فيه أربعة مصرفيين، أمس، إنه من المتوقع أن يكون إجمالي احتياطيات البنك المركزي التركي قد انخفض ثلاثة مليارات دولار ليصل إلى نحو 98.5 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 26 مايو، ما يشير إلى مزيد من الانخفاض في ظل الزيادة الحادة التي تواجهها السلطات في الطلب على النقد الأجنبي.
وتوقع المصرفيون أيضا أن يكون صافي احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي قد تراجع بأكثر من ملياري دولار في الأسبوع نفسه، لينخفض أكثر في المنطقة السلبية إلى مستوى سالب 2.5 مليار دولار.
وسجل الطلب على النقد الأجنبي مستويات مرتفعة تاريخية قبل وأثناء الانتخابات البرلمانية والرئاسية هذا الشهر بفعل توقعات انخفاض أكبر لقيمة الليرة بعد التصويت.
وخسرت الليرة 44 في المائة من قيمتها 2021 و30 في المائة 2022.
بدوره، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، إن الحكومة عازمة على اتخاذ خطوات لحماية المواطنين من التضخم المرتفع وتخفيضه ليصبح في خانة الآحاد لتخفيف هذا العبء عن كاهل الشعب.
وفي كلمته خلال الاجتماع العام السنوي لاتحاد الغرف والتبادل السلعي بعد فوزه في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية الأحد، قال أردوغان إن الحكومة ستجذب الاستثمارات إلى تركيا.
من جهته، قال معهد الإحصاء التركي إنه سيأخذ في الحسبان قرار الحكومة توفير الغاز الطبيعي مجانا للمنازل في مايو عند احتساب التضخم، مضيفا أن هذا الإجراء سيكون له "تأثير كبير" في خفض معدل التضخم في مايو.
وكان أردوغان قد ذكر أن الحكومة ستقدم 25 مترا مكعبا من الغاز الطبيعي للأسر مجانا لمدة عام واحد ابتداء من مايو.
وقال معهد الإحصاء التركي إن طريقة "السعر الصفري" ستطبق على الغاز الطبيعي في حسابات تضخم أسعار المستهلكين في مايو، كما سينعكس الغاز المجاني على الحسابات على مدى العام المقبل.
ومع ذلك، ذكر المعهد أنه سيكون هناك تأثير تصاعدي قوي مع نهاية العام بالتوازي مع زيادة استهلاك الغاز الطبيعي.
ويبلغ وزن الغاز الطبيعي في حسابات التضخم 2.9 في المائة. ومن المقرر الإعلان عن بيانات التضخم لمايو في الخامس من حزيران (يونيو).
وقال حقان كارا الأكاديمي في جامعة بيلكنت، وكبير الاقتصاديين السابق في البنك المركزي على تويتر، إن معهد الإحصاء التركي قد يعلن عن تضخم صفري أو سلبي بمقدار طفيف لمايو بعد خصم 2.4 نقطة من معدل التضخم الشهري بفضل الغاز الطبيعي المجاني.