المخاطر التشغيلية .. مدخل إلى مخاطر أخرى
تحدثنا في المقال الماضي عن المخاطر التشغيلية وعلاقتها بخسائر الشركات ودور الإدارة والموظفين في تفاديها. تحسين الإنتاجية والأداء يرتبط بشكل كبير بأسلوب فهم الإدارة لهذه المخاطر، وكلما تطور أسلوب الإدارة في فهم أعمالها بطريقة قائمة على مبادئ إدارة المخاطر، تحسنت قدرتها على الإلمام بمتطلبات التفادي ونقاط الابتعاد الأهم التي تقلل من احتمالات الفشل والخسارة. تقوم هذه المبادئ المعروفة على تصنيف المخاطر حسب طبيعتها والعمل بأسلوب مهيكل لفهم وتحديد قابلية الإدارة للمخاطرة، وقياس وتقييم احتمالات التعرض للخسائر بسبب هذه المخاطر، ودراسة تكلفة وقابلية تنفيذ هذه الأدوات وجعلها جزءا من الممارسات الاعتيادية.
من اللافت أن هناك كثيرا من التداخلات التي تظهر حين تقوم شركة ما بتصنيف المخاطر الخاصة بها، وقد تأتي بعض أنواع المخاطر متقدمة على الأخرى بشكل مختلف من شركة إلى أخرى. وعلى الرغم من وجود قواعد عامة لأنواع المخاطر وتعريفاتها إلا أن طبيعة عمل الشركة ونموذج عملها والبيئة التي تعمل بها، تحدد بشكل كبير أهم المخاطر وأكثرها تأثيرا في النتائج. على سبيل المثال، تفصل المؤسسات المالية في المخاطر المالية بشكل كبير وقد ترص عشرات المخاطر المالية والاقتصادية التي تتطلب عناية تامة وتؤثر بشكل مباشر في أعمالها، بينما ترفع الشركات الصناعية عادة من حجم وأهمية المخاطر البيئية مقارنة بغيرها من شركات الخدمات.
سواء كنا نتحدث عن مخاطر تنظيمية أو مالية أو قانونية سنجدها جميعها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمخاطر التشغيلية. قد يكون تعريف الخطر حسب طبيعته وطبيعة الأثر، ولكن المؤثر الأساسي في السيطرة على أي شكل من أشكال المخاطر هو ببساطة ماذا نفعل بخصوصه؟ نحن نتحدث هنا عن السلوك، عن الممارسة، عن الإجراء، وعن القرار الذي نتخذه بخصوص الحد من النتيجة السلبية الواردة، أو بخصوص تفادي المسار الذي يضعنا تحت دائرة هذا الخطر. التشغيل بمعناه الواسع لا يقتصر على الأعمال التشغيلية المتكررة والمتطابقة التي تحدث في خط الإنتاج مثلا، وإنما يشمل كل ما نقوم به لإدارة العمل، أي السلوك والإجراء والقرار الذي يتخذه الموظفون بجميع مستوياتهم أثناء إدارة العمل.
جزء كبير من المخاطر التنظيمية التي ترتبط بمخالفة الأنظمة والإجراءات أو القدرة على الالتزام بما هو جديد تقوم على طريقة أداء الموظفين العمل، وطبيعة الأنظمة والإجراءات التي يتبعونها للقيام بذلك. كذلك مخاطر النزاعات القانونية التي تنشأ من عقود الشراء والتمويل تقوم بشكل كبير على إجراءات الشراء والتمويل، وعلى سلوك القائمين عليها. الخطأ والتفويت والتأخر ـ وهي تحديات تشغيلية ـ ترفع من احتمالية وقوع النزاعات وارتفاع المخاطر القانونية للشركة. وعلى المنوال نفسه، كيفية تأثر المخاطر المالية سواء كانت مرتبطة بالدفع وإدارة رأس المال العامل، أو بتقلبات العملات، أو بارتفاع أسعار الفائدة، وغير ذلك، سنجدها دائما تتأثر بالمستوى التشغيلي للأعمال وكيفية إدارة المشاريع والقدرة على التخطيط لها، وسنجدها أيضا ترتبط بالأعمال التشغيلية الخاصة بإدارة الخزينة وإدارة العلاقات مع المصارف. وهكذا، تصب المخاطر التشغيلية في جميع أنواع المخاطر الأخرى.
حتى المخاطر الاستراتيجية مرتبطة بشكل وبآخر بالمخاطر التشغيلية، فالقدرة على الخروج باستراتيجية جيدة قائم على الفهم الجيد ومستوى التعلم من التجربة ورصدها وهذا أمر تشغيلي بامتياز، والقدرة عل تنفيذ الاستراتيجية بنجاح وضبط مخاطر التنفيذ قائم على مستوى الأداء التشغيلي على جميع المستويات.
تنشأ أو تتزايد بعض المخاطر بمسببات خارجية لا علاقة لأعمال الشركة بها، مثل المخاطر الاقتصادية أو مخاطر الكوارث، ولكن هذه أيضا مرتبطة بالمخاطر التشغيلية. حتى إن كان مصدر الخطر خارجيا فهناك دائما ما يمكن عمله داخليا للتقليل من هذه المخاطر، ومعظم ما يمكن عمله داخليا مرتبط بالتشغيل: كيف تبتعد نماذج البيع عن التأثر بالتقلبات الاقتصادية؟ كيف تصبح أعمال المكان أكثر مقاومة للكوارث؟ كيف يعملون وقت المطر؟ وكيف يستمر المطعم في توصيل الطلبات بعد الكارثة مباشرة؟ الحل دائما تشغيلي.
هذه التداخلات لا تعني بأن تصنيف المخاطر أمر لا فائدة منه، على العكس تماما، فالتصنيف مهم جدا لفهم طبيعتها وطبيعة أثرها، وفهم التداخلات ضروري لمعرفة موطن التأثير الأهم، وبالتالي تتمكن الإدارة من البدء من أفضل نقطة للبدء. في العادة تكون أفضل نقطة للسيطرة على معظم أنواع المخاطر هي التشغيل. ولهذه الأسباب يعد فهم وإدارة المخاطر التشغيلية جيدا المدخل والمخرج من جميع أنواع المخاطر الأخرى.