الطلب المكبوت يعيد الحياة لرحلات الطيران القصيرة
كانت الطائرة الأكثر فراغا على الإطلاق التي سافرت على متنها هي رحلة شركة أول نيبون إيرويز من طوكيو إلى لندن في حزيران (يونيو) 2020 ـ وسط الجائحة. في طائرة بوينج 777-300 التي يوجد فيها نحو 250 مقعدا، كان المشغول منها أربعة مقاعد فقط: بلغة الخطوط الجوية، كان عامل الحمولة أقل من 2 في المائة.
مع ذلك، التزم المضيفون بإخلاص بروتينهم المعتاد. كانوا يسيرون بجانب صفوف المقاعد الفارغة للتأكد من أن كل شيء على ما يرام. كانت رحلة أول نيبون إيرويز-211 رابطا هشا بين اليابان والمملكة المتحدة في الأيام التي توقف فيها كثير من رحلات الركاب: لقد حجزت الرحلة في اللحظة الأخيرة وكانت التذاكر رخيصة بشكل واضح.
أصبحت الرحلات الآن أكثر امتلاء، وتكاليفها أعلى. ينطبق الشيء ذاته على الرحلات القصيرة حيث يحجز الناس الرحلات بلهفة لقضاء العطلات الصيفية: أعلنت شركة ريان إير، أكبر شركة طيران في أوروبا الآن، حجوزات قوية الأسبوع الماضي. شركة إيزي جيت فعلت الشيء نفسه.
مع الطلب القوي والتكاليف المرتفعة لوقود الطائرات أصبحت الأسعار أكثر تكلفة. نقلت شركة رايان إير 16 مليون مسافر في نيسان (أبريل) – أكثر من الشهر ذاته عام 2019 – وكانت طائراتها ممتلئة بنسبة 94 في المائة. ارتفعت الأسعار 10 في المائة، مقارنة بمستويات ما قبل كوفيد وأسعار تذاكر شركة النقل الشهيرة البالغة 9.99 يورو (قبل دفع ثمن الحقائب والمقاعد الأفضل) أصبحت ذكرى بعيدة.
تشتهر شركات الطيران بأنها دورية وعرضة لخسارة الأموال. خسرت الصناعة مجتمعة 138 مليار دولار في عام 2020 المروع. حتى في الأوقات الجيدة، تكون الهوامش ضيقة. انخفضت الأسعار بالقيمة الحقيقية لعقود من الزمن بسبب استمرار الشركات في شراء طائرات جديدة (طلبت شركة ريان إير ما يصل إلى 300 طائرة من نوع 737-ماكس 10 من شركة بوينج) ومحاولة ملئها.
رغم ذلك، أصدق تحذيرات الصناعة بأنه سيتعين علينا دفع المزيد مقابل رحلات الطيران: "إننا في عالم مختلف تماما حيث ترتفع تكاليف تذاكر الطيران"، حسبما أخبر أحد المسؤولين التنفيذيين "فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي. قد يستمر مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة ريان إير، في الضغط على المنافسين بشعاره "أقل تكلفة تفوز" لكن لن يشعر العميل بهذا.
مع رفع القيود، يريد الناس السفر بالطيران مرة أخرى: "عادت الحياة للرحلات القصيرة بسبب الطلب المكبوت"، كما يقول فرانكي أوكونيل، الأكاديمي في دراسات النقل الجوي في جامعة سري.
ليس فقط أن شركات الطيران يمكنها أن تتقاضى رسوما أعلى، بل يتعين عليها فعل ذلك قريبا، لأن الصناعة تواجه تحديا تكنولوجيا هائلا في تحقيق هدفها الذي فرضته على نفسها وهو الوصول إلى صافي انبعاثات كربون صفرية بحلول عام 2050. من المستحيل تحقيق ذلك على مسار الرحلات الحالي، لأن صناعة الطيران مسؤولة عن نحو 2.5 في المائة من الانبعاثات العالمية، والانتقال إلى مسار آخر سيكون مكلفا للغاية.
تجسد شركة ريان إير النهج التقليدي: استمر في النمو لكن حاول الحد من التأثير البيئي عبر استبدال الطائرات القديمة بطائرات نفاثة حديثة ذات محركين تحرق وقودا أقل. لقد وعدت هذا الأسبوع أن الأشخاص الذين يتحولون إلى رحلاتها من شركات الطيران الأخرى يمكن أن يخفضوا انبعاثاتهم بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب ما تطلق عليه أسطولها "المغير لقواعد اللعبة" من طائرات 737 الأحدث.
حسنا، إلى حد ما. صحيح أن هذه الطائرة تساعد على تقليل الانبعاثات لكل راكب، لكنها تسير ببطء. ومن المقرر تسليم آخر طائرة بوينج جديدة لشركة ريان إير عام 2033، أي قبل 17 عاما فقط من هدف صافي الصفر. ومن المتوقع أن يصل عدد رحلات الركاب إلى نحو عشرة مليارات عام 2050، أي خمسة أضعاف العدد عام 2021.
هناك فرصة ضئيلة للتحول إلى الطيران الكهربائي أو الذي يعمل بالطاقة الهيدروجينية قريبا: وجدت دراسة هذا الأسبوع أن شركة إيرباص تعتزم تسيير طائرة هيدروجين خالية من الانبعاثات بحلول عام 2035، لكن الأمر سيكلف 300 مليار يورو لبناء البنية التحتية في أوروبا وحدها. وحتى في هذه الحالة، ستكون هناك حاجة إلى فرض ضرائب على وقود الطائرات لجعل رحلة الهيدروجين تنافسية.
أفضل رهان على المدى المتوسط هو وقود الطائرات المستدام، المصنوع من نفايات الزيوت والدهون والمحاصيل غير الغذائية. تعتمد الصناعة على وقود الطائرات المستدام لثلثي المساهمة في تحقيق الصافي الصفري. لكن إنتاج ما يكفي منه سيكون صعبا ومكلفا. يحذر ديف كالهون، الرئيس التنفيذي لشركة بوينج، من أن الوقود الحيوي "لن يعادل سعر وقود الطائرات أبدا".
سيكون الطيران مكلفا. وأشعر بالأسف لذلك، من نواح كثيرة. فهو وسيلة رائعة لقضاء الإجازات في أماكن شيقة واستكشاف العالم، رغم المطارات المزدحمة والمقاعد الضيقة. لكن المسافرين لم يتحملوا الثمن البيئي الكامل، حتى مع تعويضات الكربون، وهذا غير مستدام.
أصدرت الحكومة الفرنسية مرسوما بحظر الرحلات الداخلية التي تقل مدتها عن ساعتين ونصف بين المدن التي تربطها قطارات جيدة. تعد فرنسا ناشزا لكن التكاليف المرتفعة قد يكون لها تأثير مشابه في أماكن، حيث يوجد بديل مناسب.