إطلالة على نتائج تعداد 2022
على الرغم من تحول بعض الدول إلى ما يعرف بالسجل السكاني، فإن التعداد السكاني يبقى أحد مصادر البيانات السكانية الرئيسة في معظم دول العالم. لكن لا بد من الاعتراف بأن توافر التقنية وتطورها المذهل سيجعلان التعدادات السكانية التقليدية من تراث الماضي.
ينظر البعض إلى بيانات التعداد بأنها مرآة تعكس لنا المجتمع بخصائصه المختلفة، أو عدسة تساعد على تشكيل تصوراتنا أو انطباعاتنا عن المجتمع، وذلك من منطلق أن التصور أو الانطباع الدقيق لا يأتي إلا من خلال المعرفة أو الإحصاءات الدقيقة.
لقد أبهجتنا الهيئة العامة للإحصاء، بإعلان نتائج تعداد 2022 قبل يومين، لكن ما لبثت أن أثارت بعض التساؤلات في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب بعض النتائج غير المتوقعة مقارنة بنتائج تعداد 2010. وفي هذه المقالة نستعرض أبرز النتائج مع التأكيد أن مقالة قصيرة كهذه لا تتيح المجال لكثير من التفاصيل أو التحليلات.
من أبرز النتائج حسب تعداد 2022 انخفاض معدل النمو السنوي خلال الفترة الممتدة بين تعداد 2010 والتعداد الحالي، أي ما بين 2010 و2022. فقد انخفض إلى نحو الصفر "0.01 في المائة"، في حين كان نحو 2 في المائة خلال الفترة "2004 ـ 2010". وجاء هذا الانخفاض غير المتوقع -من الناحية الفنية- إثر تناقص عدد الذكور السعوديين بنحو 141 ألفا، تقابله زيادة في عدد الإناث السعوديات بنحو 156 ألف نسمة مقارنة بنتائج تعداد 2010، بحيث لا تتجاوز الزيادة في عدد السكان السعوديين 16 ألف نسمة. كذلك انخفضت نسبة السكان السعوديين إلى إجمالي السكان من نحو 69 في المائة في 2010 إلى 58 في المائة في 2022.
من جهة أخرى، تشير نتائج تعداد 2022 إلى توازن بين الذكور والإناث السعوديين، مع زيادة طفيفة لا تكاد تذكر لمصلحة الذكور، أي أن نسبة النوع أقل من 101 ذكر مقابل 100 أنثى، في حين كانت تلك النسبة نحو 104 في تعداد 2010، وهذا لا يعد إشكالية، فنسبة النوع كانت نحو "101" في تعداد 2004.
كما أظهرت نتائج تعداد 2022 أن العمر الوسيط يساوي 22 عاما، مقارنة بنحو 24 عاما في 2010، والمقصود بالعمر الوسيط وهو العمر الذي يقسم السكان إلى مجموعتين متساويتين، واحدة أصغر من الوسيط والأخرى أكبر من الوسيط، وهذه النتيجة جاءت عكس المتوقع. فالعمر الوسيط يميل -عادة- إلى الارتفاع التدريجي في المجتمعات التي تشهد انخفاضا تدريجيا في معدل الخصوبة الكلي الذي قدر بناء على المسح الديموغرافي الذي أجرته الهيئة في 2018 بنحو 2.4 مولود لكل امرأة في سن الإنجاب. ومن المعروف أن عدد السكان يبدأ بالتناقص العددي إذا انخفض معدل الخصوبة الكلي عن 2.1. في المقابل، أشارت النتائج الأولية لتعداد 2022، إلى أن معدل الخصوبة الكلي يصل إلى 2.8، وهذا فوق مستوى الإحلال بكثير، أي أن المرأة في سن الإنجاب تنجب نحو ثلاثة مواليد. وفي هذا السياق، تظهر نتائج التعداد انخفاض حجم الأسرة السعودية إلى 3.8 فرد، وهذا بالتأكيد يعكس التحول إلى نمط الأسرة النووية إلى جانب انخفاض معدلات الإنجاب.
من الإيجابيات الكبيرة لتعداد 2022 أنه يوفر توزيع الجنسيات المختلفة بخلاف التعدادات والمسوحات الديموغرافية السابقة، فيحتل البنجلادشيون المركز الأول بأكثر من مليوني نسمة، أي نحو 16 في المائة من إجمالي الوافدين، ثم الهنود 14 في المائة، فالباكستانيون، وبعدهم اليمنيون، ويليهم المصريون بنحو 11 في المائة، ثم السودانيون 6 في المائة. وعلاوة على ذلك، يحمل التعداد كثيرا من الإحصاءات عن التركيب العمري والإسكان لا يتسع المجال للإشارة إليها.
أخيرا، لا شك أن التغيرات في المؤشرات الديموغرافية والاجتماعية تعكس التحولات التنموية المبهرة التي يشهدها المجتمع السعودي، وهذا يجعل الحاجة إلى البيانات أكثر إلحاحا وأكثر دقة وتحديثا، بما يلبي الاحتياجات المتزايدة للدولة والقطاع الخاص والباحثين. والآمال كبيرة في أن تكون البيانات التفصيلية لتعداد 2022 في متناول الباحثين ورجال الأعمال للاستفادة منها، وتعظيم مردودها على المجتمع السعودي.