مؤسس مدرسة شيكاغو في الاقتصاد

أكثر قسم اقتصاد أنتج فائزين بجائزة نوبل في جامعة شيكاغو التي عرفت بأنها مدرسة تميل إلى اقتصاد السوق من ناحية، وتفرعت لاحقا بالاهتمام بالسياسات النقدية في اختلاف عن أقسام الاقتصاد في هارفارد، وغيرها من جامعات الشمال الشرقي التي تميل إلى حالة أكثر توازنا تجاه السوق من ناحية، وتهتم أكثر بمدرسة كينز. مادة عمود اليوم فرانك نايت، الذي مع فاينر، أسسا كفاءة وسمعة عاليتين للقسم منذ عشرينيات القرن الماضي. أهمية فرانك نايت تنبع من ناحيتين: الأولى، أنه من أهم مفكري الاقتصاد في أمريكا، والأخرى أنه يعد مؤسس مدرسة شيكاغو.
ولد فرانك في 1885 في ريف ولاية إلينوي، وتعلم في جامعه تنسي، ثم كورنيل لدراسة الفلسفة، لكنه غير إلى الاقتصاد وحصل على الدكتوراه في 1916. تنقل بين جامعات عدة لينتهي به المطاف أستاذا للاقتصاد في جامعة شيكاغو 1927، ويستمر حتى 1972. ما زال بحثه في الدكتوراه بعنوان "المخاطرة، عدم اليقين والأرباح" محط اهتمام كثير من المهتمين اقتصاديا. في بحثه فرق نايت بين المخاطرة التي يمكن تأطيرها وقياسها وبين حالة عدم اليقين التي يصعب تأطيرها، ولذلك لا يمكن قياسها. لم يمكن أيديولوجيا، بل كان اختياريا في نهجه الفكري المستقل الذي اتفق واختلف مع الطرح السائد.
طرحه الفكري المستقل جعله قريبا وخصما لكل الاقتصاديين في وقته، اختياراته الفكرية ربما نبعت من دراسته للفلسفة وعلم الاجتماع، ما جعل عدسته الاقتصادية أوسع، ولذلك يأخذ من كل مفكر واقتصادي ما يرى أنه مناسب. فمثلا اختلف مع سجومتر، في حرية السوق وقبول المنافسة كعامل منظم للحراك الاقتصادي، لكنه اختلف من الناحية الأخلاقية، إذ يرى أنه يصعب الدفاع عن النظام الرأسمالي أخلاقيا، لأنه يرى أن السوق لا تنتج ما يحتاج إليه الناس، لكن تصنع الحاجات لبيع منتجاتها، فيقول "إن حرية الفرد الاقتصادية تنبع من بيئته.. فما هو إلا نتاج بيئته الاقتصادية التي تشكل رغباته واحتياجاته.. وبالتالي تتحكم في مدى الفرص له"، كما أن آليه السوق تميل إلى التركيز ثم الاحتكار، واتفق مع المدرسة الماركسية في التحليل الحدي للإنتاجية، بأن الدخل لا يذهب إلى عوامل الإنتاج، لكن إلى الملاك. كذلك قال إن القدرات الإنتاجية للفرد تعتمد على خليط من الوراثة والحظ والجهد على التوالي في الأهمية النسبية.
رغم نقده الأخلاقي إلا أنه قبل بنظام السوق كسياسة عامة لما يرى بأن بيئة الاقتصاد معقدة وغير مستقرة، وتدخلات الحكومة في الأغلب فيه بساطة لنواح معقدة. فهو يرى أن سياسة السوق هي الأمثل لأنها تصب في حرية الفرد من ناحية، وأن الخيارات الأخرى أكثر ضررا من ناحية أخرى. طرح مختلف فعلا عما يعرف اليوم عن مدرسة شيكاغو، لذلك في الأغلب تسمى مدرسة شيكاغو الأولى لتمييزها عن مدرسة شيكاغو الثانية التي سيطرت عليها أفكار ستقلر وفريدمان. لم يترك أتباعا كثيرين لأنه كان اختياريا، خاصة أن المدارس بعده بدأت أكثر أيديولوجية من ناحية، وأكثر دقة من ناحية أخرى. ربما أهم ما يذكر عنه اليوم هو ذلك التفريق بين المخاطرة وعدم اليقين، والذي عاد إلى الواجهه الاقتصادية بقوة بسبب الأزمات المالية، وارتفاع أهمية دور المال على الاقتصاد. له أيضا مساهمات في الإدارة الصناعية والاقتصاد الجزئي.
عرف فرانك نايت برأيه المستقل وقوة شخصيته، وعدم اهتمامه بالأيديولوجيا بما ذلك الطرح الديني، وكان يميل إلى الاشتراكية في مدينة مهمة اقتصاديا ورأسمالية، عوامل أسهمت في قلة أصدقائه، تزوج مرتين ولم يخلف، تزوج للمرة الثانية في 1925 وبقيت معه حتى وفاته في 1972 في شيكاغو.