السعوديون في معرض الدوحة للكتاب .. قصة حضارة وثقافة وحياة
غيمة من الفرح تسيطر على أجواء معرض الدوحة الدولي للكتاب، الذي يتخذ من "القراءة نرتقي" شعارا، ويمنح زواره حالة من الثراء الذهني، تزامنا مع متعة التجول في عقول الآخرين، والمضي قدما بالأفكار خارج حدود المكان والزمان.
افتتح الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة جناح المملكة ضيف شرف الدورة الـ32 من المعرض، رفقة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، والشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة في قطر، والدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة المصرية، وعدد من الوزراء والسفراء، واعدا زواره بأن يكون نافذة أمينة لنقل حضارة السعوديين وثقافتهم وحياتهم.
ثقافة ملهمة
جولة "الاقتصادية" أظهرت مخطوطات تاريخية وتحف أثرية، وكتب وإصدارات حطت رحالها في معرض الدوحة ، واستقرت في الجناح السعودي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة، ولاقت تفاعلا من الزوار، وعلى رأسهم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، الذي زار جناح المملكة الثلاثاء، في إطار جولته في أروقة المعرض.
كتب باللغتين العربية والإنجليزية عرضها الجناح السعودي للتعريف بالثقافة والتراث والفنون، مثل "الدليلة.. مسارات المغامرة في المملكة"، والمواقع الأثرية والتراثية مثل العلا، وموقع الجمل، وجدة البلد، والرسوم الجدارية في قرية الفاو، والأزياء التراثية، فضلا عن "ميثاق الملك سلمان العمراني" الذي يمثل احتفاء بالرؤية العمرانية الشاملة المؤثرة التي استلهمت من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويؤسس لهوية عمرانية لمختلف مناطق المملكة مع مراعاتها العناصر الفريدة لكل منطقة.
د. علوان: نعطي صورة عن كنوزنا وتاريخنا العريق
قراءة الكتب مفتاح للمعرفة، وطريق للتعرف على الشعوب وثقافاتها، ولعل ذلك كان مدخلا لمشاركة هيئة الأدب والنشر والترجمة والهيئات الثقافية في المعرض، الذي يمنح الثقافة السعودية مساحات واسعة، سواء على أرض المعرض في مركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات، أو في فعاليات البرنامج الثقافي من ندوات وورش عمل.
وفي لقاء مع "الاقتصادية"، أكد الدكتور محمد حسن علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، أن الهيئة تشارك في معرض الدوحة الدولي للكتاب إلى جانب شقيقاتها من الهيئات التابعة لوزارة الثقافة لتمثيل المملكة وفنونها وحضارتها، في سياق العلاقات التاريخية المتجذرة التي تجمع البلدين الشقيقين، وتعزيز الموروث الثقافي والتاريخي، والقيم والعادات والتقاليد الاجتماعية المشتركة، نركز من خلال مشاركتنا بالجناح السعودي على محاور عدة، بدءا من التعريف بعام الشعر العربي 2023، فالشعر أهم المكونات الحضارية للثقافة العربية، ومصدر إلهام كبير لعناصر الثقافة ككل، ولا سيما المعلقات العشر الشهيرة، ونؤكد من خلال عام الشعر على مكانته في ثقافة الفرد، ومكانته الكبيرة في تاريخ الشعر الإنساني، والاعتزاز بقيمة الشعر السعودي المعاصر ومكانته البارزة على مستوى العالم العربي.
وأضاف علوان، "على مستوى النشر، تشارك 25 دار نشر سعودية، تقدم آلاف العناوين وأحدث الإصدارات للزوار. ولتقديم ثقافتنا، تقدم المملكة في المعرض برنامجا ثقافيا منوعا، يشتمل على مجموعة من الندوات والمحاضرات التفاعلية والجلسات الحوارية، والأمسيات الشعرية، والورش التي ستتناول جوانب عدة في مجالات الثقافة، يبلغ عددها 45 فعالية، تنظم طيلة عشرة أيام، يقدمها أدباء وشعراء وخطاطون سعوديون، في ميادين الرواية والشعر والخط العربي، وفن فهرسة المخطوطات، والحرف اليدوية مثل القط العسيري وصناعة السدو والنسيج، وفن القراءة، حيث نسعى من خلال مشاركتنا في معرض الدوحة الدولي للكتاب إلى أن نعطي صورة واضحة ووافية عن حضارة وثقافة وحياة السعوديين، وما تحمله بلادنا من كنوز وتاريخ عريق".
أركان الأدب الأربعة
ابن خلدون في مقدمته الشهيرة يذكر نصيحة ثمينة للراغبين في أن يكونوا أدباء ويدلفوا عالم الأدب، ودون في كتابه بأن أصول الأدب وأركانه أربعة، هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، الكامل للمبرد، البيان والتبيين للجاحظ، النوادر لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروعها.
ذلك كان مدخلا لخبير فهرسة المخطوطات في مكتبة الملك فهد الوطنية إبراهيم بن عبدالعزيز اليحيى، خلال تقديم ورشة عمل قدمها في جناح المملكة عن فن القراءة الحرة، عادا إياه متعة لذيذة لمحبي القراءة.
وأضاف، "لا توجد قواعد معينة لكي يصبح الإنسان مثقفا ونخبويا، إلا أنه يجب أن يقرأ عشرات الكتب بطريقة ممنهجة وعلمية، من خلال ترتيب الكتب الذي يقرأها، فالقراءة بشكل فوضوي يجعلك تترك القراءة، وقد تجد عمرك ضاع دون بوصلة"، لافتا إلى أن كتب الثقافة كثيرة والعمر قصير، وقد يجد البعض حيرة في اختيار الكتب، لذلك يجب على محب القراءة أن يرتب ما يقرأ، ورسم خارطة الطريق ليصبح قارئا محترفا ومثقفا.
وأشار اليحيى إلى أن الذي يحب القراءة ويتقنها قد يفيده اتباع منهج معين لتجاوز العقبات واختيار ما يقرأ، مستدركا بأن المشاغل والعمل ليست عذرا، يجب أن يكون لمحب القراءة ورد يومي للقراءة، ويفترض أن كل بيت فيه مكتبة، ولا نقصد بالورد اليومي القراءة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو الصحف والمجلات، أو الورد اليومي من القرآن الكريم، وإنما الكتب التي تنمي الفكر لمؤلفين مختلفين، بغض النظر عن الوسيلة، سواء كتابا ورقيا أو إلكترونيا أو مسموعا.
القراءات الخمس
صاحب كتاب "منهجية القراءة الحرة لصناعة المثقف"، إبراهيم اليحيى أكد أن فوائد القراءة الحرة كثيرة، يقول عنها الجاحظ إنها تضيف عقول الآخرين إلى عقلك، فتشغل نفسك بما ينفع، وتكف نفسك عن الآخرين، وتزداد من العلوم والمعارف.
وقسم أنواع القراءات بخمسة أنواع، أولها قراءة الفنون، والتي تتضمن معاجم ومراجع لكل الفنون والآداب من الفلسفة والقانون والصيدلة وغيرها، ثم قراءة مبادئ هذا الفن لتكوين خارطة مكتملة عنه، ومن يكمل الكتاب الثالث في هذا النوع من القراءات سيكون متخصصا أكثر في الفن الذي يقرأ عنه.
أما ثاني أنواع القراءات فهي قراءة الاستجمام مثل كتب الرحلات والسير والقصص والروايات، وثالثا قراءة البحوث والتآليف المتخصصة، ورابعا قراءة المناسبات مثل كتب الحج التي يقرأها الحاج قبيل أداء المناسك، وأخيرا قراءة الإهداءات، لافتا إلى أنه ليس من الأدب أن يهديك أحدا كتابا ولا تقرأه، وإن لم تكن متخصصا في مجال الكتاب المهدى.
وفي وصفته للقراءة الحرة لكي يكون الإنسان مثقفا، يرى بأن السر يكمن في تنظيم ما يقرأه، مبينا أنه ضد مقولة "اقرأ أي شيء"، وإنما يجب على الإنسان أن يرتب قراءاته، وتابع في وصفته بأنه يجب على الإنسان أن يقرأ ساعة في اليوم على الأقل، وبعد أعوام معدودة سيكون قارئا وشيئا مذكورا، وسيجد فرقا هائلا في حياته القرائية، وبعدها لا بد أن يكتب وينتج كمثقف، لكي يكون له أثر بعد الرحيل.
الجدير بالذكر أن معرض الدوحة الدولي للكتاب ينظم هذا العام بمشاركة أكثر من 500 ناشر من 37 دولة، ونحو 180 ألف عنوان، و750 ألف كتاب، إلى جانب برنامج ثقافي يتضمن 37 ندوة حوارية وأمسيات شعرية، وفعاليات للطهي، ونحو 48 ورشة عمل، و87 عرضا من الفعاليات في واحة الأطفال.