الذكاء الاصطناعي في الابتكار .. سيف ذو حدين
كان دامين ريل، محامي الملكية الفكرية، ونواه روبين، مبرمج الحاسوب، يتحدثان في ردهة فندق وعندها خطرت لهما فكرة، ماذا لو كان باستطاعتك استخدام حاسوب لإنشاء كل لحن موسيقي ممكن بالطريقة نفسها التي يمكن للمخترقين فيها استخدام "هجوم القوة العمياء" لتجربة كل الرموز السرية الممكنة لكلمات المرور الآمنة.
في تلك الليلة، بنيا نموذج برنامج أنشأ ثلاثة آلاف لحن. وهكذا بدأ مشروع "كل الموسيقى" - زاد عدد الألحان بعد ذلك بوقت قصير إلى 68 مليار، و417 مليار حتى اليوم. لقد تنازلا عن حقوق التأليف والنشر ونشراها للاستخدام العام، ما يجنب كتاب الأغاني انتهاك حقوق الموسيقى الموجودة بالفعل عن غير قصد، ويساعدهما على تجنب الدعاوى القضائية العبثية أو الانتهازية.
بعد ذلك، رأى ريل وشركاؤه أنه يمكن تطبيق هذا النموذج أيضا على براءات الاختراع، وبدأوا العمل في مشروع لاحق يسمى "كل براءات الاختراع".
يقول ريل، "ما سيفعله المشروع هو أخذ جميع المطالبات المقدمة في جميع براءات الاختراع، ثم إعادة تجميعها باستخدام آلة لإنشاء كل المكونات المحتملة في كل المطالبات المحتملة في كل براءات الاختراع السابقة". بمجرد صدور البراءة، ستكون بمنزلة "معرفة مسبقة" - مفهوم قانون براءات الاختراع الذي ينص على أنه إذا وصف الاختراع مسبقا، أو كان بديهيا، أو لم يكن جديدا، فلا يمكن حصوله على براءة اختراع.
الهدف من ذلك هو تثبيط الشركات عن توليد آلاف من براءات الاختراع الجديدة باستخدام آلة تعيد تجميع براءات اختراع موجودة لأغراض استراتيجية بحتة، عندما لا تكون لديهم نية لتطوير الاختراع، لكنهم يهدفون إلى منع الآخرين من تطوير ابتكارات مماثلة، أو تحقيق بعض المكاسب المالية.
يعني مشروع ريل أن "احتمالية رفض حصول عمليات إعادة تجميع هذه الأشياء القديمة على براءة اختراع عالية جدا، بالتالي هي لا تستحق التكلفة"، كما يوضح. "بدلا من ذلك، هم بحاجة إلى الابتكار في منتجاتهم، ليس في براءات اختراعاتهم".
ما توضحه كلتا المبادرتين هو كيف يمكن تطبيق الذكاء الاصطناعي على الملكية الفكرية لدعم الابتكار وعرقلته.
على الرغم من أنه لا يمكن حاليا تسمية الذكاء الاصطناعي بالمخترع في معظم براءات الاختراع، إلا أنه يمكنه تسريع كل من الابتكار نفسه وعملية صياغة الطلبات وتقديمها. يقول مارك ليملي، أستاذ في كلية الحقوق في جامعة ستانفورد، "عندما يتعلق الأمر بالصياغة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على كتابة النص، تماما كما يمكنه فعل ذلك لعديد من التطبيقات الأخرى. كما أنه يسرع العملية ويجعلها أقل تكلفة". لكنه يضيف، "هناك أدوات تتيح لك كتابة مطالبة براءة الاختراع التي تريد امتلاكها، وسيصيغ الذكاء الاصطناعي النص الفعلي للتكنولوجيا المفترضة نيابة عنك. هذا عكس الطريقة التي من المفترض أن يعمل بها قانون براءات الاختراع".
في حين زاد استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل كبير منذ إطلاق روبوت المحادثة "شات جي بي تي" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، استخدمت الأشكال القديمة من الذكاء الاصطناعي في مجال براءات الاختراع منذ أكثر من عقد. كان أحد الأمثلة الأولى هو ليكس ماشينا، برنامج يستخدم تعلم الآلة لتمشيط مصادر البيانات وتقديم التحليلات القانونية. أنشأه ليملي مع جورج جريجوري وجوشوا ووكر في 2006، وهو تابع لجامعة ستانفورد.
يقول ووكر، محامي الملكية الفكرية ومستشار الذكاء الاصطناعي، إن تسجيل براءات الاختراع متقدم في استخدامه للذكاء الاصطناعي لأن المهندسين وعلماء الحاسوب يهتمون بكيفية تسجيل اختراعاتهم - ما يزيد احتمالية إنشائهم هذه الحلول - لكن أيضا لأن معلومات براءات الاختراع متاحة للجمهور، وهناك قيمة اقتصادية هائلة مرتبطة ببراءات الاختراع.
في شركة تويوتا نورث أمريكا، أحد أكثر مقدمي طلبات براءات الاختراع نشاطا في الولايات المتحدة، كان فريق جونار هاينش، المستشار الإداري للملكية الفكرية يستخدم الذكاء الاصطناعي لأعوام عديدة قبل وصول شات جي بي تي. يقول، "كنا نستخدم الخوارزميات وتعلم الآلة لتقييم جودة براءات الاختراع. يمكننا تقييم فكرة محتملة، التي قد تكون اختراعا جيدا للنظر فيه، وما إذا كانت مؤهلة للحصول على براءة اختراع". على المدى القصير، يتوقع أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية الجديدة على عمليات البحث عن المعرفة المسبقة وتلخيص طلبات براءات الاختراع بلغة إنجليزية بسيطة للقراء غير التقنيين.
على المدى الطويل، قد يحل الذكاء الاصطناعي محل مزيد ومزيد من العمالة البشرية المشاركة في عمليات براءات الاختراعات. سيتطلب ذلك إعادة التفكير ليس فقط في كيفية إنتاج البراءات وتقييمها، بل في أدوار محامي براءات الاختراعات وغيرهم من المتخصصين أيضا.
يقول فاشيهاران كانيساراجاه، رئيس التطوير الاستراتيجي للملكية الفكرية في شركة كلاريفيت للتحليلات، "أصبح تسجيل براءات الاختراع أكثر تعقيدا. والنموذج التقليدي لمحامي براءات الاختراع متخصص في مجال واحد لن يعود مجديا".