أوقات صعبة تنتظر أكبر اقتصاد في أوروبا .. ألمانيا تودع أعوام الرخاء

 أوقات صعبة تنتظر أكبر اقتصاد في أوروبا .. ألمانيا تودع أعوام الرخاء

حذر رؤساء الشركات والخبراء من أوقات صعبة تنتظر أكبر اقتصاد في أوروبا، وذلك في أعقاب تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتس عن تحول صناعي تقوده بلاده بأقصى سرعة عندما زار مصنعا لأشباه الموصلات وآخر للسيارات الكهربائية أمس.
وفيما يبدو، تودع ألمانيا أعوام الرخاء الاقتصادي، بحسب الخبراء، بعد أن شهدت ركودا هذا الشتاء، يدفع لإنهاء العام في المنطقة الحمراء، لتلتحق البلاد بدول منطقة اليورو، وفقا لـ"الفرنسية".
وإذ تتوقع الحكومة وحدها نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2023، إلا أن المعاهد الاقتصادية الرئيسة وصندوق النقد الدولي يقدرون تسجيل تراجع يراوح ما بين 0.2 و0.4 في المائة.
يؤثر التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ الانتعاش في الصين وأسعار الطاقة على النشاط، لكن العاقبة ستكون أسوأ على ما حذر هذا الأسبوع سيغفريد روسورم، رئيس اتحاد قطاع الصناعات الألماني، بقوله: "نرى أن البلاد في الوقت الراهن تواجه جبلا من التحديات المتزايدة".
وقال في المؤتمر السنوي للاتحاد الذي يجمع النخبة السياسية والاقتصادية في ألمانيا: إن "مزيدا من الشركات -حتى الصغيرة والمتوسطة- تفكر في نقل جزء من استثماراتها إلى خارج ألمانيا".
هذا وعادت إلى الظهور في الإعلام صور تقدم ألمانيا على أنها "رجل أوروبا المريض"، في إشارة إلى الفترة الممتدة خلال العقد الأول من القرن الـ21، عندما تم وصف البلاد بهذا المسمى بسبب افتقارها إلى القدرة التنافسية وارتفاع معدلات البطالة.
لكن شولتس الذي وصل إلى السلطة في نهاية 2021، يفضل الإشارة إلى فترة أخرى في التاريخ الحديث. في مقابلة أجراها في آذار (مارس)، قال إنه مقتنع بأن التحول المطلوب لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2045 سيسمح لألمانيا "باستعادة معدلات النمو لفترة من الزمن كما كانت في الخمسينيات والستينيات" أي في زمن "المعجزة الاقتصادية" لهذا البلد الذي كان في طور إعادة الإعمار.
ويرى الزعيم الاشتراكي الديمقراطي أن الإنفاق الهائل اللازم لتركيب توربينات الرياح وتصنيع السيارات الكهربائية وإزالة الكربون من إنتاج الصلب أو المواد الكيميائية وصنع مضخات حرارية مكان تسخين الغاز، سيوفر حلقة مفيدة.
لكن أكثر من خبير ينظرون بتشكيك إلى سيناريو عصر ذهبي جديد مدفوع بانتقال الطاقة والصناعات الخضراء.
ففي المقام الأول، سيستنزف هذا التحول مليارات اليورو "لاستبدال مخزون موجود من رأس المال" - الحراري بالكهرباء والكربون والاستعاضة عنه بمصادر الطاقة المتجددة "مع تكاليف أعلى بكثير"، وفقا لما قاله روسورم هذا الأسبوع، الذي أشار إلى أن "ذلك لن يجلب لنا نموا اقتصاديا إضافيا في البداية".
من جانبه، أوضح تيمو وولميرشاوسر، مدير معهد إيفو الاقتصادي، للصحافيين هذا الأسبوع "لن نجني ثمار هذا التحول سوى في المستقبل البعيد، عندما ننجح بالفعل في الحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. على المدى القصير، سيستهلك ذلك الموارد... وسيؤدي في البداية إلى إبطاء عملنا".
وتنتظر ألمانيا أعواما من النمو البطيء وزيادات سنوية في الناتج المحلي الإجمالي تقل عن 1 في المائة، بحسب توقعات المعاهد الاقتصادية الرئيسة في البلاد.
قال مارسيل فراتزشر، مدير معهد DIW للأبحاث الاقتصادية: "سيكون النمو أقل بكثير خلال هذا العقد مما كان عليه في 2010، المرتبط بازدهار البلاد".
إضافة إلى مشروع تحويل الطاقة، هناك نقاط ضعف هيكلية تعيق الأداء الاقتصادي: بطء الإجراءات البيروقراطية وتأخيرات في التحديث الرقمي، وقبل كل شيء الشيخوخة الديموغرافية التي تؤدي إلى نقص العمالة التي تعاني منها الشركات بالفعل.
وحذر تيمو وولميرشاوسر من أنه "إذا انخفض عدد السكان لفترة طويلة، فلن يتمكن الناتج المحلي الإجمالي أيضا من النمو في نهاية المطاف".
مع نموذج اقتصادي يعتمد بشكل كبير على النشاط الصناعي الذي يمثل أكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ستعاني البلاد أيضا من أسعار الطاقة المحكومة بالارتفاع بشكل دائم، حتى لو هدأت بعد أن بلغت مستويات قياسية على خلفية الحرب في أوكرانيا. لطالما كانت روسيا المورد الرئيس للغاز في البلاد التي كانت تستورده بأسعار منخفضة.
خلال مؤتمر الصناعة، أكدت إنجبورج نيومان، رئيسة اتحاد شركات النسيج الألمانية، أنه نظرا إلى "تكلفة الطاقة ونقص اليد العاملة الماهرة والبيروقراطية: بالنسبة لنا، الإنتاج في ألمانيا لم يعد جذابا".
وأظهر تقرير اقتصادي تباطؤ وتيرة نمو النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص في منطقة اليورو ليقترب من منطقة الانكماش، بعد فترة ازدهار قصيرة في فصل الربيع.
وبحسب التقرير الصادر عن مؤسسة إس أند بي جلوبال فإن المؤشر المجمع لمديري مشتريات القطاع الخاص في منطقة العملة الأوروبية الموحدة تراجع خلال حزيران (يونيو) الحالي إلى 50.3 نقطة مقابل 52.8 نقطة خلال أيار (مايو) الماضي ليسجل أقل مستوى له منذ كانون الثاني (يناير) الماضي ويأتي أقل من التوقعات التي كانت 52.5 نقطة.
يذكر أن قراءة المؤشر أكثر من 50 نقطة تشير إلى نمو النشاط الاقتصادي للقطاع، في حين تشير قراءة أقل من 50 نقطة إلى انكماش النشاط.
كان قطاع التصنيع الأشد ضعفا، حيث انخفض ناتج المصانع بأسرع وتيرة منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وسجل مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع إلى 43.6 نقطة خلال الشهر الحالي وهو أقل مستوى له منذ 37 شهرا، في حين كان المحللون يتوقعون استمراره عند نفس مستوى الشهر الماضي وكان 44.8 نقطة.
في الوقت نفسه تراجع مؤشر مديري مشتريات قطاع الخدمات إلى 52.4 نقطة خلال الشهر الحالي ليصل إلى أقل مستوى له منذ خمسة أشهر مقابل 55.1 نقطة خلال أيار (مايو) الماضي. كما جاءت قراءة المؤشر أقل من التوقعات وكانت 54.4 نقطة.
ويقول المحللون: إن تراجع المؤشر المجمع المستمر يشير إلى أن النصف الثاني من العام الحالي سيكون صعبا، حيث تواجه الشركات في مختلف القطاعات تراجعا في الطلبيات.
وقال بيرت كولين المحلل الاقتصادي في بنك آي.إن.جي: إن تسجيل انكماش اقتصادي في منطقة اليورو خلال الربع الثاني من العام الحالي ليس مستبعدا، مشيرا إلى أن تباطؤ الاقتصاد حاليا مازال بسيطا بحيث لا يجعل البنك المركزي الأوروبي يتراجع عن دورة زيادة أسعار الفائدة لكبح التضخم.
في المقابل أظهر استطلاع أن حالة التفاؤل عادت لتسود مرة أخرى بين الشركات المتوسطة في البلاد، وذلك رغم الانكماش الاقتصادي الأخير، وفقا لنتائج استطلاع للرأي نشرت أمس.
وأعربت أغلبية الشركات المتوسطة في ألمانيا مرة أخرى عن تفاؤلها فيما يخص أعمالها خلال الأشهر الستة المقبلة، بعد تراجع مستوى توقعاتها لأنشطتها التجارية في الخريف الماضي.
جاء ذلك في الاستطلاع الذي أجراه مصرف "دي زد بنك" والرابطة الاتحادية لمصارف تعاونيات الائتمان "فولكس بنك" و"رايفايزن بنك"، وشمل الاستطلاع أكثر من 1000 شركة متوسطة، وفقا لـ"الألمانية".
وبحسب تحليل القائمين على الاستطلاع، فإن أحد أسباب تحسن الحالة المعنوية للشركات يتمثل في أن حدة الارتفاع في أسعار الكهرباء والغاز تراجعت أخيرا بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي، وذلك بفضل برنامج الحكومة للحد من ارتفاع أسعار هذه الخدمات. وقيمت الشركات المتوسطة وضع الأعمال الحالي بوجه عام بأنه "عاد ليصبح أفضل من المتوسط طويل الأجل".
وقال خبراء الاقتصاد: "مقارنة بالاستطلاع الذي أجريناه في الخريف، أصبح قلق الشركات المتوسطة الناجم عن أعباء التكاليف أقل بعض الشيء في الوقت الراهن، غير أن هناك وقتا طويلا قبل عد هذا سببا للاطمئنان".
وأظهرت النتائج أن 73 في المائة من الشركات لا تزال تنظر إلى تكاليف الطاقة بوصفها مشكلة، فيما عدت 67 في المائة من الشركات أن المشكلة تتمثل في تكاليف المواد الخام والمواد.
وكتب الخبراء في تحليلهم أن "مستوى التكاليف المرتفعة لا يزال يؤثر على هوامش الأرباح، كما تقلصت القدرة التنافسية للشركات مقارنة بمنافساتها في الدول ذات التكاليف الأدنى في الطاقة والموظفين وكذلك مقارنة بالشركات الألمانية التي تنتج في الخارج".
وبحسب النتائج، أوقف جزء كبير من الشركات الألمانية المتوسطة نشاطها في الخارج منذ الخريف، فبينما كانت هناك 50 في المائة من الشركات تعمل في الخارج قبل ستة أشهر، فإن هذه النسبة انخفضت إلى 45 في المائة في الوقت الراهن.
وذكر الخبراء أن الشركات الصغيرة خصوصا التي لا تزيد إيراداتها السنوية عن خمسة ملايين يورو، أنهت علاقاتها التجارية في الخارج.
وأوضحت النتائج أن 82 في المائة من الشركات عدت أن التحدي الأكبر يتمثل في نقص العمالة. وكتب أوفه برجهاوس مدير قسم عملاء الشركات في مصرف "دي زد بنك": أنه "في أوقات ارتفاع التكاليف ونقص الكوادر الفنية وتغير سلاسل التوريد وتنامي البيروقراطية تحتاج الشركات المتوسطة في المقام الأول إلى شيء واحد وهو تأمين مواقع عملها".
وأقر البرلمان الألماني الجمعة قانونا يسهل قواعد الهجرة للعمال المهرة في حين يعاني أكبر اقتصاد في أوروبا نقصا مزمنا في الأيدي العاملة في عدد من الصناعات.
وتعاني ألمانيا منذ أعوام عدم الحصول على عدد كاف من العمال بسبب شيخوخة السكان في قطاعات مثل الضيافة والصحة والبناء. وفي نهاية عام 2022، بقي نحو مليوني وظيفة شاغرة.
صوت مشرعو الائتلاف الحاكم لمصلحة تغييرات قانونية مخصصة لتسهيل حصول العمال المهرة الأجانب على عمل في ألمانيا.
وبموجب التشريع الجديد، سيكون هناك نظام نقاط مشابه للنظام الكندي الذي يأخذ في الحسبان عوامل مثل المهارات والتعليم والمهارات اللغوية. وسيتم أيضا الاعتراف بالمؤهلات المهنية الأجنبية.
ورحب روبرت هابيك وزير الاقتصاد بهذا القرار مؤكدا أن نقص العمال واحد من "المشكلات الملحة" التي تواجه ألمانيا.
وقال في بيان: "نقوم بتخفيض الحواجز أمام الهجرة... في المستقبل، سيكون من الأسهل بكثير للشركات توظيف عمال أجانب مهرة".

سمات

الأكثر قراءة