أسواق الغاز تشهد موجة مفاجئة من التقلبات

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، شهدت أسواق الغاز في الاتحاد الأوروبي موجة مفاجئة من التقلبات. ففي وقت مبكر من الشهر الماضي، ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا ضعفين في غضون عشرة أيام، قفزت الأسعار 30 في المائة فقط في 15 حزيران (يونيو). بعد يوم واحد، انخفضت بشكل حاد تقريبا كما ارتفعت، حيث تراجعت بأكثر من 20 في المائة. حدث كل هذا قبل الأحداث الأخيرة في روسيا التي هزت أسواق السلع الأساسية. من المتوقع أن يحدث هذا مرة أخرى. ثم عادت التقلبات في أسعار الغاز استجابة للأحداث في روسيا خلال عطلة نهاية الأسبوع التي شهدت الحدث، لا تزال متقلبة بسبب مخاوف من احتمال حدوث مزيد من التأثيرات على تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
في 27 يونيو، كانت أسعار الغاز الأوروبية في مرفق "تي تي إف" الهولندي قرب عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، قبل أن ترتفع إلى 11.2 دولار عند الإغلاق. كانت الأسعار قد ارتفعت في اليوم السابق إلى 11.8 دولار لكل مليون قبل أن تنخفض قليلا بسبب الأخبار التي تفيد بأن أحداث 24 يونيو في روسيا انتهت بسرعة، محققة مكاسب شهرية للمرة الأولى منذ صيف 2022.
في آسيا، اتبعت أسعار الغاز المسال الفورية بشكل عام الأسعار الأوروبية، حيث ارتفعت الأسبوع الماضي بشكل طفيف إلى 11.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وفي الولايات المتحدة، ارتفع سعر هنري هب خلال الأسبوع الماضي إلى 2.83 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، واستمر في الارتفاع التدريجي بسبب تشدد العرض مع ارتفاع درجة حرارة الطقس الصيفي تدريجيا، لكن مستويات التخزين المرتفعة أبقت حركة الأسعار محدودة.
يبدو أن الأسعار عادت إلى الأساسيات قبل الأحداث في روسيا، مع تراجع كل من أسعار مرفق "تي تي إف" الهولندي والغاز السائل في السوق الفورية في آسيا. بافتراض عدم وجود مزيد من صدمات العرض، فإن مستويات التخزين المرتفعة في أوروبا يمكن أن تشهد عودة سعر الغاز المسال في آسيا إضافة إلى أسعار أوروبا. إذا كان من الممكن الحفاظ على هذه العلاوة، يمكن أن يتنافس السعر في آسيا مع أوروبا لجذب الشحنات من الولايات المتحدة. على الرغم من الحل السريع للحدث في روسيا، لا تزال المخاطر الجيوسياسية متزايدة مع مخاوف من أن الأسعار قد ترتفع إذا كان هناك أي تأثير في تدفقات خط أنابيب الغاز المتبقية في روسيا عبر أوكرانيا.
اعتبارا من 25 يونيو، كانت مرافق تخزين الغاز الأوروبية ممتلئة بنسبة 76.1 في المائة، وفقا لبيانات البنية التحتية للغاز في أوروبا. هذا أعلى بكثير من الوقت نفسه من العام الماضي عندما كانت ممتلئة بنسبة 56.1 في المائة فقط. بالفعل، ارتفعت مستويات التخزين بشكل أسرع هذا العام بسبب الشتاء الدافئ في أوروبا، حيث إن مستويات التخزين الحالية لم يتم تحقيقها العام الماضي حتى منتصف آب (أغسطس). ومع ذلك، الطلب بشكل عام في أوروبا ضعيف مقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة مع تباطؤ الاقتصادات وعدم تحول الصناعات إلى الغاز على الرغم من الأسعار المنخفضة جدا مقارنة بالمستويات التي شهدها الصيف الماضي.
سعر الغاز الأوروبي في الأسبوع الماضي يعكس الديناميكية الهبوطية الناتجة عن أساسيات التخزين القوية التي ستحافظ على أسعار الغاز في نطاق ضيق، وتتأثر الديناميكية الصعودية لتدفقات خطوط الأنابيب الروسية بالمخاطر الجيوسياسية.إضافة إلى ذلك، عادت التقلبات إلى أسواق الغاز، لأن التجار ينشطون حاليا في سوق الغاز، ويحرصون على جني بعض الأرباح مثلما فعل آخرون العام الماضي.
في هذا الجانب، ذكرت "بلومبيرج" الأسبوع الماضي أن سوق تداول الغاز في أوروبا تشهد تدفقا للمتداولين الذين لا ينشطون عادة في هذه السوق، ولكن أغرتهم الأرباح القياسية التي حققها تجار الغاز العام الماضي. في ذلك الوقت، ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات قياسية بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي على روسيا عقوبات، وردت الأخيرة بخفض التدفقات في خط أنابيب نورد ستريم قبل تفجيره. سارعت أوروبا إلى شراء الغاز المسال من السوق الفورية، ما دفع الأسعار على الفور إلى مستويات لم تشهدها من قبل وجنى التجار أرباحا قياسية.
الآن، يبدو أن هناك قلقا فعليا بين المتداولين بشأن كفاية إمدادات الغاز لأوروبا. حيث إن النرويج عانت بعض الانقطاعات بسبب صيانة الحقل، في حين أكدت هولندا أنها ستغلق حقل غاز جرونينجن. يشير كلا هذين الأمرين إلى شكوك حول أمن الإمداد في المستقبل.
لكن المشكلة الأساسية ليست الصيانة في النرويج وإغلاق حقل جرونينجن. كما ثبت العام الماضي، هناك كثير من الغاز المسال في أوروبا، عندما تكون مستعدة للشراء بأي سعر. هذا العام سيكون هناك أيضا غاز مسال. لكن لن تكون هناك مساحة في مرافق تخزين الغاز في أوروبا لأنها مليئة بالفعل بالغاز من العام الماضي الذي تم شراؤه بأسعار باهظة.
في وقت سابق من الشهر الماضي، ذكرت "رويترز" أن تخزين الغاز في أوروبا كان أعلى 48 في المائة من المتوسط الموسمي لعشرة أعوام، مشيرة إلى أن الإضافات إلى هذا التخزين تتباطأ بسبب الأسعار المنخفضة التي شجعت على الاستهلاك الفوري.
على الرغم من تباطؤ معدل الملء، أشارت "رويترز" أيضا إلى أن السعة يجب أن تكون ممتلئة في وقت أبكر من العام الماضي، وهذا يعني أن عمليات السحب ستحتاج إلى أن تبدأ في وقت أبكر من العام الماضي. هذا هو الوقت الذي قد تنخفض فيه الأسعار مرة أخرى: عندما يستعد كل من أوروبا وآسيا لدخول فصل الشتاء. وهذا هو السبب أيضا في أن التقلبات في أسعار الغاز لا تزال مرتفعة للغاية، وليس لأنه لا أحد يعرف ما إذا كان سيكون هناك ما يكفي من الغاز. ذلك لأنه إذا كان العام الماضي يمثل أي مؤشر، فسيكون هناك دائما ما يكفي من الغاز - لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفه.
هناك كثير من المتداولين المتحمسين لاغتنام الفرصة لتحقيق ربح سريع قبل أن تدرك أوروبا أخيرا أنه قد يكون من الحكمة المراهنة على العقود طويلة الأجل بدلا من التهافت على شحنات السوق الفورية. وهناك دائما خطر وقوع حدث غير متوقع أو حتى حدث متوقع، مثل تحذير أوكرانيا من أنها قد تغلق نقل الغاز من روسيا عندما ينتهي عقدها مع شركة غازبروم العام المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي