ثريدز ضد تويتر .. استيعاب جيد لدروس "علم الاقتصاد السلوكي"
أثار تطبيق ثريدز Threads الذي أطلقته شركة ميتا، في السادس من تموز (يوليو) الجاري، ضجة كبيرة على مختلف الجبهات الإعلامية والسياسية والقانونية وحتى الشعبية، بعد نجاحه في تحطيم رقم قياسي عالمي، ببلوغه مليون مستخدم في أقل من 24 ساعة، متجاوزا بذلك منصة شات جي بي تي Chat GPT التي تطلبت، في تشرين الثاني (نوفمبر)، خمسة أيام لكسر حاجز الميلون مشترك. وتعدى هذا النطاق الزمني أشهرا لدى ربيباته مثل: إنستجرام "شهران ونصف"، وفيسبوك " عشرة أشهر"، وتويتر "24 شهرا"...
كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقريرها عن الحدث تقول: "إذا كنت تتساءل عن تجربة استخدام تطبيق ثريدز الجديد، فما عليك سوى إغلاق عينيك وتصور تويتر، لكن من دون إيلون ماسك"، في إشارة واضحة إلى أن فكرة التطبيق الوليد مستوحاة من نموذج التغريد في منصة العصفور الأزرق. فالمنصتان تتشابهان إلى حد بعيد في عديد من الجوانب، طريقة الكتابة، حجم المنشورات، التفاعل والردود... حتى شاعت أحاديث عن التهديد بالمتابعة القضائية، قبل أن ينفي المتحدث باسم ميتا أي استعانة بخبراء سابقين في تويتر، ليعلق عليه إيلون ماسك، "لا بأس بالمنافسة، لكن الغش ليس كذلك".
اختلفت تقديرات المراقبين بين من يرى ثريدز مجرد منافس لتويتر، ومن ذهب أبعد من ذلك، حين عد أن التطبيق الجديد بديل عن القديم الغارق في المشكلات. فالإقبال الهائل للمستخدمين قصد الانخراط في هذه المنصة، لدرجة جذبها 18 مليون مشترك في أقل من 24 ساعة، يبقى بحسب هؤلاء خير دليل على تراجع شعبية تويتر، وسخط شريحة كبيرة من مستعمليه من تقلبات الملياردير ماسك الماسك بزمام الأمور في عالم التغريد.
صحيح أن تويتر اهتز أكثر من مرة، في الآونة الأخيرة، بسبب مزاجية مالكه الذي دفع 44 مليار دولار لشراء المنصة العالمية الأشهر، ثم ما لبث أن شرع في البحث عن كل الطرق لاسترداد ما دفع، ولو كان ذلك على حساب رأس مال الشركة، وهم المستخدمون البالغ عددهم زهاء 400 مليون مستخدم نشط، دون أي مفاصلة أو تمييز ما بين الاستثمار والاستغلال. فشرع في استخلاص ثمانية دولارات شهريا نظير توثيق الحسابات، ولضمان نجاح سياسة الدفع، فالمشتركون لديهم مجرد سلعة، قيد الحسابات غير الموثقة بصلاحية مشاهدة 600 تغريدة فقط للحسابات.
في المقابل، إنجازات ثريدز ليست كلها بريئة، فالتطبيق لم يبدأ من خط البداية حيث عمدت شركة ميتا إلى ربطه بتطبيق إنستجرام، لضمان الانتقال السلس لجهات الاتصال ومعلومات المستخدم الجديد إلى التطبيق، ما يعني أنه استغل قاعدة بيانات مستخدمي المنصة الأولى البالغ عددهم 1،4 مليار مستخدم. بلغة الأرقام، يكفي تطبيق ثريدز أن يكسب ثقة 20 في المائة فقط من مستخدمي إنستجرام، ليتفوق وبسهولة كبيرة على تويتر الذي أطفأ شمعته في 17 في آذار (مارس) الماضي.
رهان يبقى محفوفا بالمخاطر، فمجتمع الإنستجرام مكون من يافعين وشباب "أكثر من 70 في المائة أقل من 35 عاما" غير الجمهور المستهدف من تطبيق ثريدز الذي يقدم نفسه منافسا أو بديلا عن تويتر. فهذا الأخير نجح في الحفاظ على الطابع النخبوي للمنصة، بكسب الاهتمام الرسمي من جهات إعلامية وسيادية وشخصيات وازنة. فضلا عن كون ما يطرحه كامتيازات لجذب المشتركين، الثريد الواحد يسمح بـ500 حرف، وهو ضعف العدد المسموح به في تويتر، ومقاطع فيديو تصل إلى خمس دقائق مقابل دقيقتين في تويتر... لا تعدو في الحقيقة كذلك. فحين أبدع تويتر فكرة كتابة مقاطع نصية قصيرة جدا، في 2006، كان ذلك تجاوزا لفكرة المدونات ذائعة الصيت التي تتطلب تدوينات طويلة، فاهتدى إلى فكرة التغريد، في حدود 140 حرفا، حتى اشتهر بوصفه منصة للتدوين المصغر.
اهتدى قادة شركة ميتا إلى ربط ثريدز بإنستجرام تفاديا لمخاطر إطلاق تطبيق مستقل أو حتى دمجه داخل التطبيق القائم، واختارت إنستجرام باعتباره أكثر تطبيقات ميتا رواجا، بنسبة 45 في المائة من إجمالي إيرادات ميتا. إذ تمكن العام الماضي من تحقيق أرباح وصلت إلى 51،4 مليار دولار. لذلك جاءت فكرة الاقتران كأخف الأضرار، فنجاح التطبيق الجديد سيقدم ميتا بصورة الشركة الخارقة، ما يضمن إعلانات ومكاسب مالية جديدة. وفي حالة العكس، أي فشل التطبيق فالواضح أن الشركة لن تخسر كثيرا.
تبقى شركة ميتا - فيسبوك سابقا - صاحبة سجل حافل بتجارب من هذا الصنف، فقد سبق لزوكربيرج أن استعار أفكار شركات أخرى، وعمل على تنفيذها بحثا عن المنافسة حتى التفوق، فعدد من الخبراء يرون أن "ميتا ريلز" نسخة من تطبيق تيك توك، أما "الستوريز" فهو يشبه إلى حد كبير تطبيق سناب شات. والآن حان دور تويتر مع تطبيق ثريدز، وإن كان مبررات وسياق ولادة هذه الأفكار مختلفا.
يبدو مارك زوكربيرج ذكيا في اقتناص الفرص، أو بالأحرى مستوعبا جيدا لدروس "علم الاقتصاد السلوكي"، فإطلاق ثريدز جاء بعد ارتفاع منسوب التذمر والانزعاج في عالم التغريد، بسبب "الاستغلال الفج للمشتركين" من قبل إيلون ماسك. فكتب قائلا، في إشارة مباشرة إلى الفوضى السائدة في تويتر، مع إطلاق ثريدز: "يجب أن يوجد تطبيق للنقاشات العامة يملك أكثر من مليار شخص. لقد أتيحت الفرصة لتويتر ليكون هذا التطبيق ولكنه لم يفلح. نأمل أن نفعل نحن هذا".
هكذا إذن بدأ النزال بين إيلون ومارك، بعد أشهر من تبادل الانتقادات اللاذعة بينهما، وصارت المواجهة في عالم التطبيقات بدل أن تكون نزالا واقعيا في حلبة فنون القتال المختلطة في لا فيغاس كما هددا بذلك. فهل يكسب صاحب ميتا المعركة بفضل تطبيق ثريدز أم أن الأمر مجرد سحابة صيف عابرة تنضاف إلى قائمة فقاعات عالم التقنية مثلما كان الحال مع تطبيق "كلوب هاوس" الذي طواه النسيان، وأضحى أثرا بعد عين.