فيلم «ذا فلاش» .. ما يجب أن يحدث سيحدث
رغم كل التطور الذي يحيطه واحتلال التكنولوجيا مساحة كبيرة من تصرفاته وأساليب تعامله مع المواقف والأحداث والمشكلات، لم ينجح العالم في تغيير الأقدار، وتكاد تكون الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا الكون، الولادة كما الموت قدر يكتب لك ولا تملك أي سلطة لتغييره أو تبديله أو التخفيف من وطأته، سواء كنت في عالمك الحقيقي أو سافرت بمخيلتك إلى عوالم افتراضية تحكمها قوى خارقة تتحدى الزمان والمكان، تطير وتسبح في الفضاء وتغوص في أعمق المحيطات، ويخيل إليك إمكانية صناعة المستحيل لكنك ستفشل في تغيير الأقدار أو حتى تبديلها. بهذه البساطة يمكن تلخيص فيلم "ذا فلاش"، الذي يعزز فكرة واحدة يحاول من خلالها الفيلم رسم ملامح حقيقية لما نعيشه، تفيد بأن العودة بالزمن إلى الوراء لا تغير من الأقدار، وما يجب أن يحدث سيحدث حتى لو امتلكت قوى خارقة فوق قواك الخارقة، ستعجز عن تغيير الأحداث وستتكرر النهايات المكتوبة ولو بصور مختلفة.
عوالم تتصادم وأكوان متوازية تتداخل فيما بينها، ويؤدي الممثل عازرا ميلر دور باري آلن، المعروف بشخصية "ذا فلاش"، الذي يتخطى حدود قوته الخارقة في أول فيلم مستقل له من عالم "دي-سي". فيلم بطل خارق مبني على شخصية فلاش، مضحك، مشوق وتكمن قوته في المغزى الحقيقي لقصته.
الحجة والأسباب
تبدأ القصة عندما يتحول باري آلن إلى شخصية فلاش نتيجة صعقه بقوة البرق، يحاول العودة بالزمن إلى الوراء، مستغلا قدراته القوية كي يعيد الحياة إلى والدته التي توفيت بطريقة غامضة، وتحرير والده من حبل مشنقة يلتف حول عنقه، لكونه المتهم الوحيد في القضية. وتتسبب محاولاته في خلل بالزمن والعوالم الموازية، وينتج عنها عالم دون أبطال خارقين، الشيء الذي سيدفعه للسباق مع الزمن من أجل إنقاذ المستقبل في واقع جديد تداخلت فيها أكوان متوازية وتصادمت عوالم كثيرة. ويختار الاستعانة بباتمان الذي قرر عزل نفسه بعيدا عن العالم المحيط به، ولا سيما أن جوثام أصبحت عالما نموذجيا وخاليا من المشكلات إلى حد كبير، عالما يحكمه القانون، وقد اختار أن يعيش مع سيارته وبدلاته وأقنعته في مكان بعيد دون أن يلاحظ أحد وجوده إلى أن يأتيه فلاش ويطلب مساعدته من أجل تحقيق العودة بالزمن وإنقاذ أمه من الموت وتغيير مجرى حياته بأكملها.
النقطة الثابتة
يمر الفيلم بثلاث شخصيات لفلاش، الأولى شخصيته الأصلية التي تسعى للعودة إلى الماضي لتغيير القدر وإنقاذ والدته، وفلاش بنسخته الشابة التي يقابلها في نقطة معينة في الماضي ويساعده للحصول على قدراته في الخط الزمني الجديد الذي يخترعه، ودارك فلاش العجوز، عندما يحاول فلاش بنسخته الشابة مرارا العودة إلى الماضي ليمنع الجنرال زود من قتل باتمان وسوبر جيرل، يتعب ويشيخ ويلتم جسمه مع دروع كريبتون ويكبر في السن وهو محبوس في القوة السريعة "سبيد فورس". صراع بين ثلاثة نماذج لشخصية واحدة تجتمع حول هدف واحد وهو العودة إلى الماضي لمنع موت الوالدة، لكن مجريات الأحداث وكيفية انعكاس هذه العودة على تدمير العالم بأكمله، تجعل فلاش في النهاية يكتشف أن الحل الوحيد لإنقاذ العوالم المتعددة هو إصلاح ما فعله ومنع نفسه من إنقاذ أمه وجعلها تموت ليكون نقطة ثابتة في الخط الزمني الذي اخترعه.
المؤثرات الصوتية
جاءت بداية الفيلم قوية ومبهرة، ونجح ميلر بنسختيه في الماضي والحاضر، في جذب المشاهد من اللقطة الأولى لما تميز به من خفة دم وطرافة في التعامل مع المواقف، ولا سيما مشهد تخليص المستشفى والأطفال الرضع من السقوط بعد تدمير المبنى الموجودين فيه بالكامل. ويعيش المشاهد حالة اندماج كلية مع لقطات الأكشن من أول دقيقة في الفيلم حتى النهاية بكل تركيز واستمتاع، وجاءت الموسيقى التصويرية رائعة، وكذلك التصوير والمونتاج وتصميم المواقع والأزياء والمؤثرات الصوتية، وقد أبدع بقية الممثلين في أداء أدوارهم خاصة مايكل كيتون في دور باتمان، لكن رغم كل هذا ورغم أن تكلفة الفيلم تخطت 200 مليون دولار غير أن المؤثرات البصرية وكما وصفها البعض جاءت كرتونية إلى حد ما، خاصة مشاهد الحركة البطيئة، حيث كان من المتوقع أن نرى مؤثرات أكثر حداثة وتطورا ولا نشعر بأنها مجرد صور نفذت على جهاز الكمبيوتر بحرفية مقبولة وتقنيات أقل من عادية، رغم ذلك نجح الفيلم في أن يكون رائعا ومدهشا ومبهرا وماتعا ومشوقا من ناحية الحبكة والمفاجآت والأحداث الصادمة، والعودة بالزمن والمغامرات الشائقة والتأثير العاطفي.
ضيوف الشرف
أسماء كبيرة وبارزة ولها في ذاكرة المشاهد وعاطفته مكانة خاصة شاركت كضيوف شرف في هذا العمل بصورة أو موقف، ولأول مرة في عالم دي سي السينمائي الموسع، تظهر في هذا الفيلم شخصيتا باتمان بسبب القصة التي تناقش الأكوان المتوازية، حيث نشاهد شخصية باتمان للممثل مايكل كيتون من أفلام باتمان الأصلية، وشخصية باتمان للممثل بن أفليك المنتمية للعالم السينمائي نفسه. الممثل جورج كلوني في ظهور لافت في النهاية بعدما ينجح فلاش في تصحيح العالم، جيمي لانستر لرجل يأكل البيتزا في الشارع، نيكولاس كيج الذي حضر لشخصية سوبرمان لكنه لم يصورها، جورج فيفز وهو أول سوبرمان تم تجسديه بالأبيض والأسود، كريستوفر رفز أول ممثل جعل العالم يعشق شخصية سوبرمان وحدد ملامحها الأساسية. ونرى أيضا تيدي ثيرث نسخة فلاش من الماضي خلال الحرب العالمية الثانية وآدم وست وهو أول ممثل يقوم بدور باتمان في التلفزيون خلال فترة الخمسينيات والستينيات.
القدر محتوم
كثيرا ما نسأل ونحن نتابع الفيلم لماذا لم يقتل فلاش النسخة الشابة ودارك فلاش ويتخلص من هذه المعضلة، في البداية يتردد لأنه السبب الرئيس لكل شيء، هو الذي صنع نسخته الشابة والنسخة العجوزة ولو قتلته هذه النسخة كان ممكن أن يدمر الخط الزمني بكامله، لهذا كان يحاول إيقافه من العودة إلى الوراء في كل مرة، لكنه في النهاية يقرر التخلص من نسخته الشابة والدارك فلاش، لأنهما عبثا بالزمن كثيرا لدرجة أن العوالم بدأت تتداخل والعالم يتدمر. فلاش النسخة الشابة تموت، دارك فلاش يختفي وفلاش يعود إلى والدته ويودعها دون أن يحاول إنقاذها. لكنه يقوم بتغيير بسيط يساعده على تخليص والده من جريمة القتل، ويقوم بتغيير مكان علبة معجون البندورة، الذي طلبت والدته إحضاره يوم وقوع الحادثة، ويضعها على الرف الأعلى كي يجبر والده على النظر إلى الأعلى وبالتالي تلتقطه عدسة الكاميرا ويظهر دليل براءته من تهمة قتلها بعد أن يؤكد سبب وجوده خارج المنزل أثناء حدوث الجريمة.
وهنا يظهر المغزى الحقيقي من الفيلم أن الأقدار لا تتغير والقوى الخارقة مهما عظمت تقف عاجزة عن تغيير أي واقع مكتوب أو تبديل أي مصير محتم.