شباب الصين المتعلمون يتخلفون عن الركب .. لا وظيفة لائقة
تكتظ فرص العمل عبر ملصقات متراكمة في معرض للتوظيف في مدينة تشنجتشو وسط الصين. "انضموا إلينا من أجل المستقبل!"، كما تحث إحدى وظائف الإعلانات الخريجين على بيع السيارات الكهربائية. بينما تبحث إعلانات أخرى عن متقدمين "شجعان" أو "إناث جذابات" لبيع المعدات الطبية.
لكن عديدا من الوظائف تتطلب 70 ساعة عمل في الأسبوع وتمنح رواتب منخفضة تصل إلى ثلاثة آلاف رنمينبي (400 دولار) في الشهر. لكن وانج، خريج كلية التجارة، يكافح كي يشعر بالحماسة لها.
وقال وانج، الذي لم يرغب في نشر اسمه الكامل، إن مدينة تشنجتشو، التي تعد العاصمة الصناعية لمقاطعة يبلغ تعداد سكانها نحو 100 مليون نسمة وموطن أكبر مصنع لشركة أبل في العالم لهواتف الآيفون، يجب أن تكون قادرة على توفير فرص وظيفية أفضل لخريجيها.
كما تساءل وانغ، وهو أول من يحصل على شهادة جامعية بين أفراد عائلته الريفية، عما إذا كان سيتمكن من الحصول على وظيفة لائقة على الإطلاق، ناهيك عن شراء منزل. وقال: "في الوقت الحالي، تعتبر الخبرة أكثر أهمية من الشهادة الجامعية لأن هناك الكثير من الخريجين هنا".
ومع خروج ثاني أكبر اقتصاد في العالم من قيود كوفيد - 19 التي استمرت ثلاثة أعوام، يتحمل الخريجون الشباب من العاطلين عن العمل مثل وانج وطأة الانتعاش الفاتر. ففي أيار (مايو)، كان 20.8 في المائة من الأشخاص، الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما عاطلين عن العمل، وهي أكبر نسبة منذ بدء تسجيل سلسلة البيانات في 2018 وهي أعلى من البلدان الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا.
ولا يزال الاقتصاد الصيني يوجد ملايين الوظائف، بينما استقر معدل البطالة الإجمالي عند 5.2 في المائة في أيار (مايو). ومع ذلك، فإن عديدا من الوظائف الشاغرة ذات المستوى المنخفض غير جذابة لخريجي الجامعات. فقد أدت حملة القمع، التي شنتها بكين في الأعوام القليلة الماضية على قطاعات التكنولوجيا والتمويل والألعاب الإلكترونية إلى تقليص الفرص فيما كان يعد سابقا مصادر جذابة للتوظيف.
ويظهر مؤشر التوظيف للخريجين الذي أعده المعهد الصيني لأبحاث التوظيف، وهو مؤسسة فكرية مقرها بكين، زيادة في العمالة المعروضة لفترة امتدت ستة أرباع سنوية متتالية منذ أواخر 2021. وقد يزداد الوضع سوءا، مع دخول عدد قياسي قوامه 11.6 مليون من خريجي الجامعات إلى سوق العمل في شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو).
وفي حين أن عدد الخريجين قد يكون قليلا، مقارنة بإجمالي القوى العاملة، فإن محنتهم تشير إلى الانتعاش الاقتصادي المتعثر في الصين، والذي فقد وتيرته في الربع الثاني بسبب معاناة سوقي العقارات والتصنيع.
وقال لاري هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في شركة ماكواري: "إن الاقتصاد الصيني في هذه المرحلة ضعيف للغاية، كما أن الثقة متدنية، لذا يمكنني القول إن هذا هو أكبر العوامل في بطالة الشباب".
وقال آخرون إن هناك مؤشرات على أن ارتفاع البطالة بين الشباب هي قضية هيكلية قد تهدد في محصلتها الاستقرار السياسي.
وذكر تقرير صادر عن منتدى الاقتصاد الصيني الكلي، والذي شارك في تأليفه الاقتصادي البارز ليو يوانتشون: "إننا نقدر أن مشكلة بطالة الشباب قد تستمر لمدة عشرة أعوام في المستقبل، وأن تستمر في التفاقم على المدى القصير. وإذا تم التعامل معها بشكل غير صحيح، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من المشكلات الاجتماعية خارج المجال الاقتصادي، حتى إنها ستصبح الشرارة للقضايا السياسية".
لكن الرئيس شي جين بينج، الذي هو نفسه أجبر على العمل في قرية ريفية خلال الثورة الثقافية، لا يتعاطف كثيرا مع الخريجين الذين يترددون في القيام بوظائف منخفضة الأجر. فقد حث الشباب باستمرار على جيجاو كوتشي - أي "طلب المشقة".
وقد أطلقت الحكومة أخيرا حملة لإقناع الخريجين "بالعثور على وظيفة أولا ثم اختيار المهنة". لكن مثل هذه الرسائل تؤكد فقط شكوك عديد من الخريجين الشباب: أنه على الرغم من الإنفاق على الشهادات التي قد تكلف نحو 30 ألف رنمينبي سنويا في الجامعات حكومية - أي ما يعادل خمس متوسط دخل الأسرة المكونة من ثلاثة أفراد - إلا أن المؤهلات من جميع الجامعات باستثناء أفضلها تفتقر إلى القيمة في سوق العمل.
وفي مدينة تشنجدو المعروفة بطابعها الأكثر راحة وصناعاتها التكنولوجية، التي تجذب عادة العاملين الشباب من جميع أنحاء البلاد، يوجد تمثال لباندا مبتسم يحمل لافتة عليها شعار "السعادة تأتي من العمل الشاق".
وكانت يانج، خريجة المحاسبة من جامعة خاصة من الدرجة الثانية، قد حصلت على وظيفة تدفع ثلاثة آلاف رنمينبي شهريا فقط، أي نحو ثلث ما يكسبه والدها كعامل بناء.
وقالت: "لقد دفع والدي كثيرا من المال مقابل تعليمي، وهو يعتقد أن هذا الاستثمار لا يستحق العناء"، وأضافت أنها لا تستطيع أن تتخيل توفير ما يكفي من المال لشراء منزل أو الزواج أو تكوين أسرة.
إن أزمة الوظائف، التي يعانيها الخريجون الصينيون هي الأكثر إثارة للدهشة، نظرا لأن هذه المجموعة هي الأكثر تعليما في البلاد على الإطلاق.
ويقول الاقتصاديون إن قيود فيروس كوفيد هي المسؤولة جزئيا عما يحدث. فمع منع السفر وإغلاق المطاعم والأعمال الأخرى لمدة ثلاثة أعوام، من المحتمل أن تكون الوظائف الجديدة في قطاع الخدمات قد تقلصت العام الماضي، بعد إضافة 16 مليون وظيفة في عامي 2018-2019، وفقا لشركة ماكواري.
فيما قال المحللون إن القطاع الخاص بشكل عام، والذي يمثل 80 في المائة من العمالة الحضرية في الصين، لا يزال يفتقر إلى الثقة بعد جائحة كوفيد. وقد تحول الاستثمار الخاص في الأصول الثابتة، وهو مقياس للنشاط التجاري، إلى سلبي في أيار (مايو) للمرة الأولى منذ 2020.
كما لم تساعد الحملات الحكومية على القطاعات ذات النمو المرتفع، التي كانت من كبار أرباب العمل للشباب، بما في ذلك التجارة الإلكترونية ومنصات التعليم والألعاب والتمويل. وبسبب قلقها من المنافسة التكنولوجية مع الولايات المتحدة، تركز بكين الآن على الأجهزة الإلكترونية المتقدمة مثل أشباه الموصلات، حيث قال هو من شركة ماكواري في تقرير إن البطالة لدى الشباب زادت بأكثر من الضعف منذ أن بدأت الحكومة في "الحد من المخاطر" في 2018.
وقال هو: "إن تركيز السياسة بشكل أكبر على الأمن وبدرجة أقل منها على النمو يضع بدوره ضغوطا على بطالة الشباب".
وقال إسوار براساد، الزميل الأول في مؤسسة بروكينجز: "هناك عدم تطابق في المهارات". وأضاف أن الحكومة كانت تحاول توجيه الاقتصاد نحو صناعة التكنولوجيا الفائقة، لكن قطاع الخدمات كان متخلفا وغير قادر على توفير فرص عمل كافية للخريجين، في حين أن قطاع التكنولوجيا الفائقة لم يكن مستعدا لاستيعاب جميع طلاب الهندسة القادمين من الجامعات.
فيما يجادل البعض بأن الأسباب الكامنة وراء ذلك أعمق بكثير، إذ قال مايكل بيتيس، وهو باحث بارز في مركز كارنيجي الصيني، إن نموذج الاستثمار في بكين لا يزال موجها نحو التصنيع والاستثمار بدلا من الاستهلاك المحلي اللازم لإيجاد الوظائف في نهاية الأمر.
وقال بيتيس: "إن النمو الصيني لا يستخدم أعدادا كبيرة من العمالة". إن غريزة صناع السياسة الصينيين هي الاستثمار في البنية التحتية والتصنيع والعقارات لزيادة النمو. لكنه قال إن نسب الاستثمار في البلاد إلى الناتج المحلي الإجمالي هي بالفعل من بين الأعلى في التاريخ بالنسبة لاقتصاد كبير.
وقال بيتيس: "عندما تبني قدرتك التنافسية التصنيعية على أساس الأجور المنخفضة، بمجرد أن تصبح الأجور المنخفضة مشكلة بسبب ضعف الطلب المحلي، ستصبح عالقا نوعا ما".
فيما يلجأ الشباب إلى كل ما في وسعهم لتحسين فرص حصولهم. وحتى العام الماضي، كان معبد لاما في بكين يرتاده بشكل رئيس كبار السن الذين يدعون من أجل صحة جيدة. ولكن في أحد أيام الأحد الحارة أخيرا، استقبل الملاذ البوذي التبتي مئات الشباب العاطلين عن العمل الذين يمارسون أحد الطقوس المسماة شاوشيانج بايفو - وفيه يحرقون البخور للدعاء من أجل ثروة أكبر.
وكانت لو، وهي خريجة محاسبة، ترغب في إنشاء شركة للتدريب على الرقص في مسقط رأسها في جوييانج في جنوب غرب الصين، بعد أن فشلت في العثور على وظيفة بعد تخرجها من إحدى جامعات الدرجة الثانية في بكين.
"لا توجد فرصة بالنسبة لي للحصول على وظيفة في بكين"، كما قالت لو، خارج قاعة فالون المنقوشة بالذهب - وهي القاعة المفضلة بين أجنحة المعبد الأخرى العديدة للشباب العاطلين عن العمل".
وإلى جانب عديد من الشباب الآخرين، شاركت لو في امتحان الخدمة المدنية الوطنية الصعب في الصين، والذي اجتذب 2.6 مليون متقدم هذا العام، أي ما يقارب من ضعفي العدد في 2019. لكنها رسبت فيه - حيث كانت نسبة النجاح 1.4 في المائة فقط.
لكنها قالت إن أمنيتها الثانية هي إجراء الامتحان مرة أخرى في العام المقبل والحصول على وظيفة في مكتب ضرائب مدينة جوييانج.
وقالت: "هذا ما يريده والداي. فهم يعتقدون أنني يجب أن أعطي الأولوية للاستقرار".
أما البعض الآخر فكان محظوظا، حيث كانت تشو (26 عاما) قد نجحت في الحصول على وظيفة في شركة لصناعة المعدات الطبية في مدينة تشنجتشو. على الرغم من أن الوظيفة الجديدة تدفع أقل من نصف ما كانت تكسبه سابقا في إحدى شركات الميتافيرس في بكين، إلا أنها قالت إنها "لا تمانع في ذلك".
وقالت: "ليس هناك كثير من الفرص في بكين، لذلك كان علي فقط الحصول على وظيفة أولا".