الثلاثاء, 6 مايو 2025 | 8 ذو القَعْدةِ 1446


ماذا يجري خلف الجدار الحديدي في كوريا الشمالية؟

تظل كوريا الشمالية على الدوام مادة دسمة للقيل والقال والتكهنات والافتراضات بسبب انغلاقها على نفسها الذي هو سمة من سمات نظامها الديكتاتوري الشيوعي، فضلا عن عزلتها من جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برامجها النووية والباليستية المهددة لجاراتها.
ولا حاجة لنا للتذكير كيف أن وسائل الإعلام الأجنبية تنافست، خلال فترة انتشار جائحة كورونا في العالم، لمعرفة مدى تعرضها للوباء والآثار التي تركها على أحوال سكانها المعيشية والصحية. ولعل ما أغرى الإعلام الغربي والآسيوي أكثر هو الشعارات التي أطلقتها بيونجيانج بفخر آنذاك من أن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة في العالم العصية على فيروس الوباء، بسبب "السياسات الحكيمة للقائد العظيم وزعيم الأمة كيم جونغ أون"، وكان المقصود، بطبيعة الحال، هي سياسته في غلق الأبواب بإحكام أمام كل من يطرقها.
والحقيقة لئن كانت أخبار الداخل الكوري الشمالي غير متاحة في الأحوال العادية، فإنها في زمن انتشار الوباء تحولت إلى مادة نادرة جدا بسبب قيام السلطات بإغلاق الحدود بإحكام حتى مع جارتها وحليفتها الوحيدة، الصين، التي ظلت دائما منفذها الوحيد للإطلالة على الخارج ولاستيراد بعض السلع والبضائع ومنفذ مواطنيها اليتيم للهرب والتهريب.
اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام على انقشاع أخطر وباء في العصر الحديث، ومع عودة الحياة إلى طبيعتها في مختلف دول العالم واستعادة الناس حرياتهم في التنقل والسفر والتبضع والترفيه، تظل هذه البلاد هي الاستثناء الوحيد.
الجدير بالذكر هنا أن زعيم البلاد الأوحد و"شمسها المشرقة" و"ملهم أجيالها"، قرر في كانون الثاني (يناير) 2020 عزل كوريا الشمالية بشكل مطلق عن العالم الخارجي وبصورة أكثر تشددا من أي وقت مضى في تاريخها البائس كرد على جائحة كورونا، وهو قرار لا يزال ساريا إلى اليوم باستثناء بعض التجارة مع الصين. وقتها، تراجع كيم جون أون عن تصريحه السابق، وحذر من احتمال أن تشهد البلاد "مسيرة شاقة" ثانية، بل طالب مواطنيه بضرورة الاستعداد لذلك، في إشارة إلى المجاعة التي قتلت ما لا يقل عن 600 ألف شخص أو أكثر في عقد التسعينيات، وهي حقبة سوداء تركت ظلالا قاتمة على حياة السكان باستثناء أولئك الذين كانوا يعيشون في مناطق الحدود الشمالية الملاصقة للصين، ممن لجأوا إلى تهريب المواد الغذائية والتموينية والأدوية والضروريات من الصين، وتداولوها بطرق غير مشروعة من خلال السوق السوداء.
ومما يذكر أيضا، في السياق نفسه، أنه بحلول حزيران (يونيو) 2021 تسربت أنباء من الداخل الكوري الشمالي تفيد بوجود نقص حاد في الغذاء والمواد التموينية نتيجة إغلاق الحدود مع الصين، لكن بدلا من أن تخفف السلطات إجراءاتها جزئيا لإنقاذ مواطنيها من الهلاك، راح الزعيم يحث شعبه على الصمود والبقاء أقوياء لمواجهة تبعات الجائحة، علما بأن التبادل التجاري بين بيونجيانج وبكين لم يستأنف حتى اليوم بالشكل الذي كان عليه سابقا. ولعل هذا ما دعا الأمم المتحدة إلى نشر تقرير في آذار (مارس) 2023، طالبت فيه سلطات كوريا الشمالية بإنهاء ما وصفته بـ"العزلة الذاتية التي لا مثيل لها"، رأفة بمواطنيها. حيث قالت البروفيسورة البيروفية إليزابيث سالمون، وهي مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان في "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية": "إنها تشعر بقلق بالغ إزاء تأثير ثلاثة أعوام من إغلاق الحدود على الشعب الكوري الشمالي، ولا سيما النساء العاملات في الأسواق غير الرسمية والأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع وكبار السن والمشردين والأطفال". كما سلطت الضوء في تقريرها، بشكل خاص، على محنة الزوجات اللواتي يتعرضن لعنف متزايد بسبب عدم قدرتهن على توفير الطعام لأسرهن.
وعلى الرغم من أن ما جاء في التقرير الأممي متوقع وغير مستبعد، إلا أن البعض من غلاة اليساريين وأيتام الشيوعية ممن يزعجهم سماع مثل هذه التقارير التي تدين نظام بيونجيانج "الصامد أمام الغرب وقوى الشر الإمبريالية" بحسب وصفهم، لا يصدقون ويكابرون ويطالبون بدليل مادي.
والحقيقة أن الأدلة على أوضاع كوريا الشمالية البائسة، لم تكن يوما متوافرة، وهي اليوم أكثر ندرة كما قلنا. فقد كان مصدر أخبار هذه البلاد من الداخل الدبلوماسيين وعمال الإغاثة الأجانب والمنشقين الهاربين إلى الشطر الجنوبي، لكن مع إحكام إغلاق الحدود منذ 2020 باتت حتى هذه المصادر معدومة، خصوصا مع انخفاض حالات الانشقاق والهرب خوفا من الإعدام الفوري بالرصاص من قبل حرس الحدود التابع لجيش الشعب الأحمر.
وهكذا صار الاعتماد فقط على ما تنقله مصادر المخابرات الكورية الجنوبية، علاوة على ما ينشره أقارب الكوريين الشماليين الموجودين في الشطر الجنوبي. ومثال ذلك ما أعلنه جهاز المخابرات الوطني في كوريا الجنوبية في أيار (مايو) 2023 من أن عشرة أشخاص من مواطني الشمال غامروا بالهرب عن طريق البحر ونجحوا في الوصول إلى الشطر الجنوبي، وأنهم أفادوا في التحقيقات بأن نظام بيونجيانج يفرض ضوابط أكثر صرامة من أي وقت مضى، وأن المواطنيين العاديين يعانون المجاعة، وبالكاد يحصلون على جزء بسيط من احتياجاتهم الأساسية، فيما يعيش أفراد العائلة الحاكمة والمقربون منهم في بحبوحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي