الهيدروجين الأخضر بين الواقع والطموح
يهيمن موضوع الهيدروجين الأخضر حاليا على الخطاب العالمي حول تحول الطاقة. إن الضجة الإعلامية التي تحيط بمشاريع وخطط الدعم والاستراتيجيات الدولية يغذيها قانون خفض التضخم الأمريكي، واستراتيجية الطاقة في الاتحاد الأوروبي. يبدو كما لو أن تحول الطاقة قد تم بالفعل، مع ظهور الهيدروجين الأخضر أو مشتقاته كخيارات مفضلة. لا تزال الدول الغربية متفائلة للغاية، حيث ترتبط مبادرات الطاقة المتجددة واسعة النطاق ارتباطا وثيقا بهذه البدائل.
لاستعراض أبعاد هذه البدائل، من الأهمية بمكان إدخال الواقعية في المناقشات الجارية. تجب معالجة هذا الجانب عاجلا وليس آجلا. بالفعل، خلال منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة، سلط الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، الضوء على الشكوك، قائلا: "يتحدث الناس عن الهيدروجين كوقود للمستقبل... لكن في نهاية المطاف، من سيشتريه؟ كم سيكون سعره؟". وأضاف "لا يتحدثون عن النفط ولا عن الغاز، يتحدثون عن الطاقة المتجددة، وأن الهيدروجين هو طاقة المستقبل، لكن عند الحديث عمن سيشتري، ومن سيستثمر لينتج هذه الطاقة النظيفة، فلا توجد سياسة واضحة".
في هذا الجانب أيضا، صرح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو في وقت سابق، "بأنه من الصعب للغاية تحديد أي اتفاقية شراء في أوروبا للهيدروجين الأزرق، والذي يمكن أن يكلف إنتاجه نحو 250 دولارا للبرميل، وذلك إذا تم إنتاجه باستخدام التكنولوجيا الحالية". وأضاف "إن هذه التكلفة تحتم على الشركة إيجاد عملاء، وبالتالي لن تقوم الشركة بضح استثمارات في هذا المشروع دون الحصول على اتفاقية شراء".
إضافة إلى ذلك، ذكرت "بلومبيرج" أنه على الرغم من النمو المتسارع لقائمة مشاريع الهيدروجين الأخضر، لا يزال المستثمرون غير مقتنعين بتمويلها. حاليا، هناك عدد متزايد لمشاريع الهيدروجين التي يتم اقتراحها، لكن 7 في المائة فقط منها حصلت على تمويل مضمون لبدء البناء. بالفعل، عديد من الدول حول العالم يضع أهدافا وغايات طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر. مع ذلك، حاليا هناك مليونا طن فقط من مشاريع الهيدروجين الخالي من الكربون قيد الإنشاء أو مراحل قرار الاستثمار النهائي، وبشكل خاص في الاتحاد الأوروبي، المملكة، وكندا.
أبرزت "بلومبيرج" أن هذا الواقع التمويلي يتعارض بشكل حاد مع التوقعات التي حددها قانون خفض التضخم الأمريكي، والخطط الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. لا تزال المؤسسات المالية متشككة للغاية بشأن جدوى إنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين الأخضر اقتصاديا وبتكلفة معقولة.
هناك جانب مهم آخر تم ذكره سابقا، لكن لا يزال يتم التقليل من شأنه وهو النقص في البنية التحتية. من الضروري ليس فقط إنشاء البنية التحتية لاستخدام الهيدروجين في محطات الطاقة، لكن أيضا لتسهيل نقله إلى المستخدمين النهائيين. هذه العوامل التي تم التغاضي عنها تسبب مخاوف بين المؤسسات المالية والبنوك. يمثل عدم وجود بنية تحتية كافية مخاطر كبيرة للمستثمرين بسبب الطبيعة واسعة النطاق لمشاريع الهيدروجين.
في الوقت نفسه، حتى لو تم تنفيذ جميع المشاريع المقترحة، إلا أن هذه المشاريع مجتمعة تمثل 3.5 في المائة فقط من احتياجات الطاقة المتوقعة للاتحاد الأوروبي بحلول 2030. كما يشعر مطورو المشاريع والمؤسسات المالية بقلق عميق بشأن التركيز الضيق للحكومات الغربية، التي تدور في المقام الأول حول تحول الطاقة واستبدال الهيدروكربون. هناك حاجة ملحة إلى مزيد من الوضوح التنظيمي. على سبيل المثال، بنك الاتحاد الأوروبي للهيدروجين يمتلك 3.2 مليار دولار لدعم أسواق الوقود المستقبلية، لكن التنفيذ الكامل للوائح الاتحاد الأوروبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر ليس من المتوقع إنجازها حتى 2028.
يفشل الضجيج الحالي المحيط بالهيدروجين الأخضر في معالجة التحديات التقنية الحالية بشكل مناسب، التي لا يمكن حلها في غضون بضعة أعوام. تكشف الدراسات عن عقبات فنية كبيرة تعيق إجراء تقييم اقتصادي شامل لاستخدام الهيدروجين الأخضر. هناك تحديان بارزان واضحان: الحجم الصغير لجزيئات الهيدروجين يشكل مخاطر تتعلق بالسلامة والغازات الدفيئة المصاحبة لإنتاجه التي يجب تخفيفها. إذا ظلت هذه التحديات دون حل، فلن يتحقق تطوير قطاع النقل والبنية التحتية.
على سبيل المثال، سلطت شركة ألمانية للطاقة، تهدف إلى استخدام 75 في المائة من الهيدروجين الأخضر في مصانع الغاز التابعة لها، الضوء على أن الشبكة الحالية لألمانيا يمكنها فقط نقل 20 في المائة من الهيدروجين التي تحتاج إليها. توجد قيود مماثلة في هولندا ودول أوروبية أخرى. في هذا السياق، هدف الاتحاد الأوروبي الطموح لاستيراد عشرة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030 معرض لخطر كبير. كما أن تحويل منشآت إعادة "تغويز الغاز المسال" القائمة والبنية التحتية لاستيعاب نقل الهيدروجين الأخضر، كما يقترح البعض، سيكون مكلفا للغاية ولم يتم أخذها في الحسبان بعد.
أكدت بعض المصادر، أنه على الرغم من الدفع لإنتاج الهيدروجين الأخضر، إلا أن جانب الطلب لم يتم تأسيسه بعد. دون فهم واضح من سيكون العملاء، لا يمكن اعتبار أي مشروع قابلا للتمويل أو مجديا اقتصاديا. في هذا الجانب، قال رئيس السياسة في شركة الهيدروجين في المملكة المتحدة، بصراحة، "ليست هناك فائدة من إنتاج كميات ضخمة من الهيدروجين إذا لم يكن لديك مشترون مستعدون بالفعل لاستخدام هذا الهيدروجين." يتردد صدى هذا الشعور لدى كبار منتجي الهيدروجين الأخضر مثل المملكة والإمارات.
في الواقع، دون سعر السوق، الذي لا يوجد حاليا، أو أسعار مرجعية قوية في سوق السلع الأساسية التي لا تزال ناشئة، سيكون من المستحيل تقريبا تحقيق التوقعات المقترحة للهيدروجين الأخضر. تجد سوق الهيدروجين الأخضر نفسها في مأزق. على الرغم من أن عديدا من مشاريع الطاقة المتجددة تتماشى مع الهيدروجين الأخضر كمحرك اقتصادي محتمل، لكن يجب الاعتراف بالواقع. تحتاج السوق إلى إدراك أنه دون مشتري الهيدروجين الأخضر أو الأمونيا الخضراء، ستكون التوقعات المالية العامة أكثر قتامة بكثير مما كان متوقعا. إن السوق القائمة على كل من العرض والطلب أمر ضروري.
في الوقت الحاضر، الخيارات القابلة للتطبيق نادرة، حتى في الأسواق المزدهرة مثل شمال غرب أوروبا. الهيدروجين الأخضر باهظ الثمن، وإذا لم يكن بالإمكان نقله بكفاءة، فإنه يتوقف عن كونه أخضر حقا ويصبح إهدارا محتملا للموارد المالية. يجب على مطوري المشاريع أن يستجيبوا لتحذيرات وزير الطاقة السعودي، ليس للتخلي نهائيا عن الموضوع، لكن كرسالة تحذيرية. بالفعل، المرحلة المبكرة من تطوير اقتصاد الهيدروجين مملوءة بالمخاطر. الاعتماد على الضجيج وحده لا يؤسس للاستقرار، بل يفضح المخاطر الكامنة فيه.