استثمارات للشبكة الكهربائية وتحول الطاقة
لكي يحدث تحول كامل للطاقة، يحتاج العالم إلى إجراء إصلاحات ضخمة وتحديث للشبكة الكهربائية. تم التغاضي عن هذا الموضوع لأعوام، حيث سلطت الأضواء على مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لكنه عاد الآن إلى الواجهة، وذلك لعدم إمكانية نقل الكهرباء من محطات توليد الطاقة المتجددة المتقطعة وإيصالها إلى المستهلك دون إجراء إصلاح وتحديث شامل للشبكة. في 2020، قدرت "بلومبيرج" تكلفة هذا الإصلاح بمبلغ 14 تريليون دولار على مدى 30 عاما بين 2020 و2050. وهذا المبلغ مطلوب لبناء ملايين الأميال من خطوط النقل الجديدة والبنية التحتية المرتبطة بها لاستيعاب الزيادة المخطط لها في طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
كان ذلك في 2020. الآن، ارتفعت تكاليف إصلاح وتحديث الشبكة إلى نحو 21 تريليون دولار، وفقا لـ"بلومبيرج" أيضا. أو بعبارة أخرى، ستحتاج الشبكة نحو 30 في المائة من كل الاستثمار المطلوب لتحول الطاقة، وفقا للجنة انتقال الطاقة في المملكة المتحدة. لأن شبكة الغد يجب أن تكون مختلفة تماما عن تلك التي لدينا اليوم، من حيث حجمها وشكلها. سيحتاج العالم إلى مضاعفة طول خطوط النقل العاملة إلى 152 مليون كيلومتر ـ يمثل هذا الرقم تقريبا المسافة بين الأرض والشمس. وهذا يعني، أنه لدينا فرصة ضئيلة لتحقيق تحول كامل للطاقة بحلول 2050.
بادئ ذي بدء، يجب أن تأتي أموال هذه الاستثمارات الضخمة لتحديث الشبكة من مكان ما. لا يمكن أن تأتي كلها من الإعانات الحكومية: خطوط النقل الجديدة تكلف المليارات للبناء. على سبيل المثال، هناك الآن ثلاثة مشاريع جديدة لنقل الكهرباء قيد التنفيذ في الولايات المتحدة بتكلفة كلية تبلغ 13 مليار دولار. ثم هناك معارضة محلية لمثل هذه المشاريع، ما يجعل بدء التنفيذ أكثر صعوبة. لا يحب الناس مرور خطوط النقل بالقرب من منازلهم، وهذا كل ما في الأمر. كما أنهم لا يحبون إزالة الغابات من أجل مد خطوط كهرباء جديدة. لكن لنفترض أنه يمكن الحصول على الأموال من المستثمرين والحكومات المهتمة بيئيا، وافتراض أنه يمكن التعامل مع المعارضة المحلية، ربما من الناحية المالية. لكن، هناك مشكلة أكبر من أي منهما وكلاهما معا: نقص العمالة الماهرة.
بالفعل، لا يوجد عدد كاف من العمال المهرة لبناء خطوط النقل وصيانتها. قد يؤدي نقص العمالة الماهرة إلى عرقلة الجهود المبذولة لكهربة كل شيء. على سبيل المثال، في أماكن مثل أستراليا، لا يوجد عدد كاف من الأشخاص لبناء منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي يتطلبها تحول كامل للطاقة. والمعدل الذي يكتسب به العاملون هذه المهارات الأساسية متأخر كثيرا عن خطط التحول. في هذا الصدد، حذرت أكثر من 100 شركة أوروبية من أن أوروبا ليست لديها القدرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتحويل الطاقة. وقالت شركة Wind Europe إن أحد أكبر المعوقات هو نقص العمال المهرة. وأشارت إلى أن "الاستثمارات وحدها لا تصنع الشفرات ولا تبحر بالمراكب ولا تشغل مزارع الرياح".
هذه التعليقات تسلط الضوء على أحد أكبر التهديدات التي تواجه تحول الطاقة. من ناحية، المخاوف من فقدان الوظائف تجعل الحكومات مترددة في نقل العمال من الصناعات القديمة ـ كما رأينا في معارضة ألمانيا للحظر التام على بيع السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي اعتبارا من 2035. من ناحية أخرى، المهارات الجديدة ونقص العمالة يمكن أن يعيقا تطوير صناعات جديدة وإبطاء الجهود الملحة لجعل المنازل والمباني التجارية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
يمكن لكل من هذه التحديات بمفردها أن تعرقل عملية تحول الطاقة لأنها ستعرقل تحديث الشبكة الكهربائية. إذا أخذناها معا، فإنها تجعل تحول الطاقة -على الأقل كما هو مخطط حاليا في الغرب- شبه مستحيل تحقيقه. لكنها ليست التحديات الأكثر إلحاحا، ليس لتحول الطاقة، بل لأسلوب حياتنا المعتاد. التحدي الأكثر إلحاحا هو انقطاع التيار الكهربائي. هذا لأنه، على الرغم من الحاجة إلى تحديث الشبكة والتكيف مع الكميات المتزايدة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي تغذيها، فإن التوازن بين الحمل الأساسي والتوليد المتقطع يتحول بطريقة تجعل الشبكة غير مستقرة. ببساطة، يتم التخلي عن قدرة توليد الطاقة الموثوقة القديمة بشكل أسرع من تعديل الشبكة لتتوافق مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية المتقطعة ـ وأسرع من طاقة توليد الطاقة الشمسية والرياح الجديدة التي يتم بناؤها. ولوضع الأمور بشكل منصف يمكن القول إن هذا ليس هو الحل الأمثل تماما لإمداد طاقة موثوقة ومستدامة.
مقارنة بـهذه التحديات، الحصول على التصاريح تعد مشكلة صغيرة. يمكن تغيير اللوائح إذا كان هناك زخم كاف يقود هذا التغيير. ومع ذلك، إذا كانت إجراءات الحصول على تصاريح صغيرة أم لا، إلا أنها مدرجة في قائمة التحديات التي تمنع تحول الطاقة من الحدوث في الجزء الأكثر أهمية: الشبكة الكهربائية.
وفقا لتقرير صادر عن مختبر لورانس بيركلي الوطني، هناك 1300 جيجا واط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية وسعة التخزين الجديدة في انتظار الربط بالشبكة. ولكن، معظم هذه الشبكات لن يتم بناؤها على الإطلاق. الانضمام إلى قائمة انتظار الربط بالشبكة هو مجرد بداية لعملية تستغرق أعواما وليست لها دائما نهاية سعيدة. وفقا للتقرير، "يجب أن تكون للمشاريع أيضا اتفاقيات مع ملاك الأراضي والمجتمعات، مشتري الطاقة، موردي المعدات، والممولين، وقد تعيق هذه المتطلبات عملية تحديث الشبكة."
نظريا، يبدو تحول الطاقة بسيطا جدا. نقوم ببساطة ببناء كثير من توربينات الرياح، ومجموعة من الألواح الشمسية، ونبني بطاريات هنا وهناك، ونتحول من سخانات الغاز إلى مضخات الحرارة. أي نكهرب كل ما يمكننا كهربته ونبقي الباقي. لكن في الواقع، تبدو الأمور مختلفة جدا. لا توجد مواد خام كافية لبناء كل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات. لا يوجد عدد كاف من العمالة الماهرة لإكمال بنائها. لا يوجد عدد كاف من الأشخاص لبناء عديد من خطوط النقل الجديدة. لم يتم بعد تأمين الأموال الخاصة بكل هذه الأشياء. إلى أن يتم حل جميع هذه المشكلات بطريقة دائمة، سيظل موضوع تحول كامل للطاقة مجرد تمنيات. أي ضغوط من نشطاء البيئة والمستثمرين على الشركات لن يغير هذا الواقع.