ما بين مزدهر ومتعثر .. اللغز الذي حير الاقتصاديين

ما بين مزدهر ومتعثر .. اللغز الذي حير الاقتصاديين

بالنسبة إلى المستثمرين وصناع السياسات في جميع أنحاء العالم، تعد البيانات الاقتصادية الفصلية للصين نقطة انطلاق لفك شيفرة حالة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن الأرقام الأخيرة احتوت على لغز خاص بها.
فقد نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.8 في المائة على أساس ربع سنوي و6.3 في المائة على أساس سنوي في الربع الثاني. لكن النمو المجمع على أساس ربع سنوي خلال الأرباع الأربعة السابقة يعني نموا بنسبة 6.8 في المائة.
نشأ عدم التطابق بسبب مراجعات "التعديل الموسمي" الرسمية من قبل المكتب الوطني للإحصاء في البلاد لبيانات النمو الفصلية في 2022. وفي حين أن هذه المراجعات تجري بشكل روتيني، إلا أن الاقتصاديين يقولون إن تأثيرها أصبح أكبر في الأعوام الأخيرة.
يوضح عدم وجود أي تفسير مفصل للعملية صعوبة تحليل إحصاءات الصين في وقت ينظر فيه إلى مسار اقتصادها بوصفه مسألة حاسمة للنمو العالمي.
قال لويس كويجز، كبير اقتصاديي آسيا في إس آند بي جلوبال: "هذا ما نحن عليه في الوقت الحالي. كم نما الاقتصاد في الربع الثاني، أم أنه لم ينم؟ هذا سؤال مهم جدا للأسواق وصانعي السياسات على حد سواء. الجميع يسأل: هل الاقتصاد الصيني متعثر؟ ليس من السهل إعطاء إجابة دقيقة عن هذا السؤال".
قال شهزاد قاضي، مدير العمليات في شركة تشاينا بيج بوك، التي تنشر مؤشرات اقتصادية بديلة بناء على دراسات للشركات الخاصة في البلاد، إن الصين "أصبحت بالتأكيد صندوقا أسود بشكل أكبر، وهي تتحرك باستمرار في هذا المسار". تشير الدراسات باستمرار إلى استهلاك أضعف مما تظهره الأرقام الرسمية.
كان هناك شعور جديد بالإلحاح في 2023 يدور حول الأسئلة التي طال أمدها بشأن كيفية تفسير المؤشرات الاقتصادية للصين، عندما أشارت البيانات الرسمية إلى فقدان الزخم بعد رفع قيود كوفيد - 19. فيما يتصارع صانعو السياسات مع الرياح المعاكسة للتجارة، وضعف الاستهلاك، وأزمة السيولة العقارية التي ما زالت مستمرة منذ عامين تقريبا.
وكما هي الحال في عديد من البلدان الأخرى، ينظر عادة إلى البيانات الرسمية للصين على أنها "مرجع" يمكن استكماله بمؤشرات أخرى، تراوح من إنتاج الصلب إلى استهلاك الطاقة. ولكن بينما تمت إضافة بعض سلاسل البيانات الجديدة، تم إيقاف مجموعة واسعة من المصادر الأخرى، دون سبب واضح في الغالب. كما أصبح الوصول إلى المعلومات التكميلية والمفصلة أكثر صعوبة.
قالت ديانا تشويليفا، كبيرة الاقتصاديين في شركة إينودو إيكونوميكس للتنبؤات في لندن: "كانت سلسلة الاختفاء جزءا من مشكلة تحليل الصين بشكل عام، لكن الوصول إلى بيانات موثوقة أصبح بالتأكيد أكثر صعوبة في الأعوام القليلة الماضية".
اندلعت التساؤلات حول موثوقية البيانات المحلية في ظل سياسة صفر كوفيد في البلاد. وفي غياب معلومات واضحة من السلطات المحلية، تم استخدام بيانات الحركة المرورية كمؤشر على شدة عمليات الإغلاق على مستوى المدن. توقفت الحكومة عن نشر بيانات الوفيات بعد بدء تفشي المرض على مستوى البلاد. وأصدرت مقاطعة تشجيانج هذا الشهر، أرقاما تظهر ارتفاعا حادا في عمليات حرق الجثث، ثم حذفتها.
قال كارلوس كازانوفا، كبير الاقتصاديين لشؤون آسيا في بنك يو بي بي، إنه لم يتمكن من الوصول إلى بيانات مفصلة عن مبيعات الأراضي الحكومية المحلية على منصة ويند المخصصة للبيانات، بعد أن تم تقييد استخدامها خارج البلاد هذا العام. قال: "إذا كان لي أن أخمن، فسأقول إن السبب في ذلك هو ظهور مجموعة من الضغوط (...) ولا يريدون أن تنجرف السوق معها كثيرا".
ومع تشديد الحكومة للرقابة على المعلومات، بما في ذلك قانون البيانات الجديد الذي يتطلب في كثير من الحالات من الأشخاص متعددي الجنسيات فصل بياناتهم المحلية والخارجية، فإن عددا أقل من الأشخاص يقدمون بيانات من أي نوع.
قال القاضي، الذي أدلى بشهادته أمام لجنة الكونجرس الأمريكي حول الصين هذا الشهر فيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية للبلاد: "عندما بدأت شركة تشاينا بيج بوك لأول مرة، كان لدينا عديد من المنافسين. لقد اختفى الكثير من ذلك الآن".
قال خبير اقتصادي آخر يعمل لدى شركة استثمار دولية، وطلب عدم الكشف عن هويته، إنه يوجد حاليا "حوار أقل صراحة" داخل الصين، وإن هناك "تشديد قيود على البيانات". ومع ذلك، فقد شكك في أن الحكومة قامت بإخفاء صدمة النمو. وقال: "إنهم حساسون تجاه الاتهامات بأن البيانات ليست موثوقة تماما. سيتعين على (الحكومة) فقط طباعة الأرقام".
وقد استند الشعور بتباطؤ الزخم الاقتصادي في الصين إلى حد كبير على البيانات الرسمية نفسها. وحددت الحكومة هدفا حذرا للنمو بنسبة 5 في المائة، وهو ما قال رئيس مجلس الدولة لي تشيانج في خطاب ألقاه الشهر الماضي إن البلاد في طريقها لتحقيقه.
ولكن مع تقدم الاقتصاد الصيني في احتلال مكانة أكثر أهمية في السياق العالمي، إلا أنه لم يكن هناك تطور مقابل في اتصالاتها، كما يقول المحللون.
وفي نشرة البيانات هذا الأسبوع، قال المكتب الوطني للإحصاء في حاشية سفلية إن المراجعات من "نموذج التعديل الموسمي" تتعلق بالمراجعات الشهرية للمؤسسات الصناعية والاستثمار في الأصول الثابتة ومبيعات التجزئة. كما رفض المكتب التعليق ردا على سؤال حول كيفية عمل النموذج الموسمي وبدلا من ذلك أشار إلى الرجوع إلى النشرة.

سمات

الأكثر قراءة