«الإنترنت» .. في دليلها الشامل

يحرص كثير من المنظمات الدولية، ومراكز البحوث، وما يعرف بوحدات التفكير، المهتمة بقضية أو أكثر من قضايا الحياة في دول العالم المختلفة، على وضع أدلة لتقييم خصائص حالة قضية أو أكثر، والقيام بتقييم الدول على أساسها، وتصنيفها بناء على ذلك. وتتكون مثل هذه الأدلة عادة من مجموعات من المؤشرات في موضوعات تفصيلية ترتبط بقضية الدليل. ويتم تقييم القضية المطروحة عبر تحديد قيم لمؤشراتها في الدول المعنية، ليقدم الدليل بعد ذلك قيمة جامعة تلخص قيم المؤشرات في قيمة وسطى بينها لكل من هذه الدول. ولا تحمل المؤشرات ومجموعاتها عادة أثرا متماثلا على الدليل، بل يعتمد الأثر على مدى أهميتها في القضية المطروحة، ويعبر عن هذه الأهمية بالوزن النسبي للمؤشر أو الوزن النسبي لمجموعة المؤشرات التي ينتمي إليها في الدليل المطروح.
لعل التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن، في إطار ما سبق، هو أين الفائدة من وجود أدلة عامة ومؤشرات تفصيلية لقضايا الحياة المختلفة، بحيث تقيم الدول على أساسها، بل تصنف أيضا. وللإجابة عن هذا التساؤل، هناك جانبان، يرتبط أولهما بفهم الوضع الراهن الذي يتم تقييمه، وتحديد مكامن القوة ومواطن الضعف في القضية المطروحة، لكل من الدول التي يتم تقييمها. وفي ذلك قاعدة انطلاق مهمة للتخطيط للمستقبل والعمل على تعزيز مكامن القوة، والحد من مواطن الضعف. أما الجانب الثاني، فيتعلق بشؤون المنافسة والتعاون بين الدول، فالمنافسة تأتي من سباق الدول وحرصها على مراكز أكثر تقدما في التصنيف، أما التعاون، فيبرز من استفادة الدول الأدنى تقييما في مؤشر معين من الدول المتفوقة في هذا المؤشر، حيث يمكن الاستفادة من خبرات الآخرين في تحديد متطلبات العمل اللازم للتطوير المنشود.
ولا شك أن "الإنترنت" تمثل قضية مهمة من قضايا الحياة في هذا العصر، نظرا لآثارها الكبيرة في حياة الإنسان، أينما كان، إنسانيا واجتماعيا وثقافيا، بل مهنيا أيضا. وعلى ذلك، كان لا بد من وجود دليل، ومجموعات من المؤشرات تتبعه، لتقييم حالتها في الدول المختلفة. ولعل من أبرز ما تم في هذا المجال، القيام بوضع "دليل الإنترنت الشامل 2017"، والجهة التي قامت بذلك هي "وحدة الخبرات" في مجموعة الاقتصاد التي تم إنشاؤها 1946 لتكون وحدة معرفية نشطة ضمن "مجموعة الاقتصاد البريطانية" العريقة التي تم تأسيسها 1843. وجاء تطوير هذا الدليل بدعم من شركة ميتا، التي كانت تحمل اسم "فيسبوك " التي تم إنشاؤها 2004، كإحدى أهم الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. ونظرا إلى أهمية الدليل ومضامينه لدول العالم المختلفة، قامت "منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم: اليونسكو" بوضعه على موقعها على الإنترنت.
يتكون دليل الإنترنت الشامل من أربع مجموعات من المؤشرات، تنظر كل منها إلى الإنترنت نظرة من زاوية خاصة من زوايا مضامينها وآثارها ومؤثراتها. ترى المجموعة الأولى الإنترنت من زاوية مدى "توافرها" للاستخدام، وتحتل هذه المجموعة مركز الأهمية الأول في الدليل الذي يمثل "40 في المائة" من مجمله. وتنظر المجموعة الثانية للمؤشرات إلى الإنترنت من زاوية مدى قدرة الناس على "تحمل تكاليفها" من أجل الاستفادة منها، وهي في مركز الأهمية الثاني الذي يبلغ "30 في المائة" من الدليل. أما المجموعة الثالثة فترى الإنترنت من زاوية "ملاءمة خدماتها " للمستخدمين، وتحتل في الدليل أهمية قدرها "20 في المائة" منه. وتأتي المجموعة الرابعة من المؤشرات لتنظر إلى الإنترنت من زاوية "جاهزية استخدامها والاستفادة منها "، ولها أهمية قدرها "10 في المائة" من الدليل.
ولإعطاء صورة حول كل من مجموعات الدليل الأربع، نبدأ بالمجموعة الأولى، مجموعة توافر الاستخدام، التي تتكون من أربعة أقسام تشمل: الاستخدام، والجودة، والبنية الأساس، وبنية الطاقة الكهربائية التي تحتاج إليها الإنترنت. ويبلغ مجمل عدد مؤشرات هذه المجموعة "22 مؤشرا". ومن أمثلة هذه المؤشرات: عدد مستخدمي الإنترنت، في إطار قسم الاستخدام، والسرعة المتوافرة، في إطار الجودة، ومدى التغطية الجغرافية في الدولة المعنية، في مجال البنية الأساس، وتوافر خدمات الطاقة الكهربائية، في إطار بنية هذه الخدمات.
تشمل مجموعة الدليل الثانية، الخاصة بتحمل التكاليف، "سبعة مؤشرات" ترتبط بقسمين رئيسين هما: تكاليف الخدمات، وبيئة المنافسة. ومن أمثلة مؤشرات قسم التكاليف تعرفة خدمات الهاتف الجوال نسبة إلى دخل الفرد. ومن أمثلة مؤشرات قسم البيئة المناسبة، عوائد مشغلي الخدمات اللاسلكية للمشترك الواحد.
ونأتي إلى المجموعة الثالثة، وهي مجموعة الملاءمة، ولها قسمان و"13 مؤشرا". يهتم القسم الأول فيها بالمحتوى المحلي للإنترنت في الدول المعنية، ومن أمثلة مؤشراته توافر الخدمات الحكومية الإلكترونية باللغة المحلية للدولة المعنية. أما القسم الثاني لهذه المجموعة فيركز على ما يدعوه بالمحتوى الملائم، ومن أمثلة مؤشراته المحتوى المتوافر للخدمات التجارية.
ونصل إلى المجموعة الرابعة والأخيرة للدليل، وهي الخاصة بالجاهزية، ولها ثلاثة أقسام و"21 مؤشرا. يرصد قسم المجموعة الأول مدى أهلية الناس في الدولة المعنية لاستخدام الإنترنت، ومن أمثلة مؤشرات هذا القسم متوسط عدد أعوام الدراسة للفرد. ويهتم القسم الثاني بالثقة والأمان في استخدام الإنترنت، ومن مؤشراته مدى ثقة المستخدم بخصوصيته في استخدام الإنترنت. أما القسم الثالث فهو قسم سياسات الإنترنت، ومن أمثلة مؤشراته مدى الجهود الحكومية في سعيها لتفعيل استخدام "نظام الجيل الخامس G5".
احتلت المملكة المرتبة الـ"39" في الدليل لـ2022، وكان توزع التصنيف على مجموعات الدليل مثيرا للاهتمام، فقد حصلت المملكة على المرتبة "الثامنة" في الملاءمة، وهي مرتبة متميزة، والمرتبة الـ"31" في "التوافر"، وهي مرتبة متقدمة أيضا، والمرتبة الـ"40" في "الجاهزية"، لكنها وصلت إلى المرتبة الـ"77" في "تحمل التكاليف". وتبرز مع هذه النتائج مسألتان رئيستان، تهتم أولاهما بمدى الثقة بمصدر التقييم، وترى الأخيرة أنه بفرض صحة النتائج، فهذا يعني أن تميز المملكة في أكثر من مجموعة، يجعلها قابلة للتميز في الباقي. والقول الفصل لدى هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي