بنك اليابان .. السياسة النقدية التيسيرية لم تعد منطقية
متى سيغير بنك اليابان موقفه النقدي ليعكس واقع التضخم الذي يزداد صعوبة؟ يظل التنبؤ بالسياسة مسألة صعبة، لكن تفسير البنك المركزي للتغيير الاقتصادي لا يزال بأهمية البيانات نفسها.
فالبيانات الأخيرة للأجور والتضخم تبرر بالفعل بعض التراجع عن الموقف النقدي الحالي التكيفي بشكل فائق. ومن المحتمل أن يقوم بنك اليابان بتعديل توقعاته للتضخم إلى الأعلى في تقريره حول توقعاته المقرر أن يصدر اليوم، وهو ما يشير إلى أنه يتوقع أن يظل التضخم أعلى مما كان يعتقد في البداية.
نتيجة لذلك، نتوقع من صانعي السياسة توسيع سقف العائد على سندات الحكومة اليابانية لمدة عشرة أعوام إلى زائد أو ناقص 1 في المائة في اجتماع السياسة في اليوم نفسه. هذا مع العلم أنه ثابت عند زائد أو ناقص 0.5 في المائة منذ كانون الأول (ديسمبر) 2022.
تشير الاتصالات الأخيرة لبنك اليابان إلى أن الاجتماع المقرر في تموز (يوليو) سيتضمن قرارات سياسية حاسمة. وقال نائب محافظ البنك شينيتشي أوشيدا لـ"رويترز" في وقت سابق من هذا الشهر، إن بنك اليابان سيتخذ قرارا متوازنا بشأن تعديل سياسته للتحكم في منحنى العائد، والتي بموجبها يتدخل البنك للحفاظ على عوائد سندات الحكومة اليابانية ضمن نطاق معين.
أشار المحافظ كازو أويدا إلى أن بنك اليابان سيدقق عند كل اجتماع للسياسة في وتيرة التقدم التي تحرزها اليابان في تحقيق هدف التضخم المستدام بنسبة 2 في المائة.
من الواضح أن ديناميكيات التضخم في اليابان تتغير. حيث أدى الضغط التصاعدي على الأسعار ومجموعة من العوامل الهيكلية والدورية إلى زيادة الضغط على الأجور، ما أدى إلى ارتفاع توقعات التضخم.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار الأساسية بعد عام من صدمات الأسعار العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، فإن ذريعة بنك اليابان بأن ارتفاع التضخم مؤقت أصبح يتعذر الإبقاء عليها، حتى الحكومة تتوقع الآن أن يبلغ متوسط التضخم 2.6 في المائة خلال العام المالي 2023 خلافا لتوقعات بنك اليابان بنسبة 1.8 في المائة.
حتى الآن، برر بنك اليابان استمرار موقف سياسته النقدية المتساهلة استنادا لتوقعات التضخم الضعيفة. ومن المرجح أن يستمر واضعو أسعار الفائدة في القول إنهم ليسوا واثقين بعد بتحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة بطريقة مستدامة.
لكن التوقعات تتزايد بأن بنك اليابان سيراجع توقعاته للتضخم لـ2023 بالكامل ويعترف بأنها تقترب من النقطة التي يمكن فيها تبرير الثقة ببقاء التضخم فوق 2 في المائة لمدة عامين متتاليين.
في هذه الظروف، لن يكون هناك ما يدعو إلى الحفاظ على السياسة النقدية التيسرية الفائقة، التي بدأ العمل بها في وقت ظل فيه التضخم أقل بكثير من 1 في المائة لفترة طويلة. إضافة إلى ذلك، تراجعت أخيرا فرص حدوث ركود عالمي، كان يصنف على أنه خطر جسيم على الاقتصاد الياباني.
في حين أن مراجعات توقعات التضخم صعودا بالنسبة إلى بنك اليابان تبدو حتمية تقريبا، فإنه لا يمكن استبعاد احتمال عدم حدوث تغييرات في السياسة. لكن هذا من شأنه أن يترك البنك يواجه ليس فقط مشكلات في الاتصالات، بل خطرا متزايدا أيضا من حدوث تغييرات مفاجئة في السياسة في المستقبل.
من شأن أي تغيير في السياسة النقدية بالتوافق مع توقع تحقيق هدف التضخم المستقر عند 2 في المائة أن يشمل، في رأينا، رفع أسعار الفائدة الأساسية إلى المستوى المحايد، وليس مجرد إزالة نظام التحكم في منحنى العائد - وبحلول منتصف العام المقبل سياسة سعر الفائدة السلبية.
كما أن تقلبات السوق الأخيرة تبرر بعض التعديلات في السياسة. حيث ارتفعت قيمة الين وزادت تقلبات سوق العملات. وكلما طالت فترة تأجيل بنك اليابان للتعديلات في السياسة، زاد احتمال حدوث هذا التقلب.
في العام الماضي، أسهم موقف سياسة بنك اليابان الداعم للنمو والإبقاء على السياسة النقدية التيسيرية في إضعاف الين الياباني على نحو سريع، تطلب التدخل في أسواق الصرف الأجنبي. إذا أراد البنك أن يتجنب تجربة مشابهة هذا العام، فسيكون من المعقول البدء في تقليص هذه السياسة تدريجيا مع تغير توقعات التضخم. كذلك لن يكون من المرغوب فيه أن يستمر البنك المركزي في الإبقاء على هذا الكم الكبير من السندات المستحقة لمدة عشرة أعوام إذا لم تعد الأساسيات الاقتصادية التي أثرت في مثل هذه السياسة قائمة.
أصبحت السياسة النقدية معقدة للغاية على مدى الأعوام العشرة الماضية. قد يحتاج بنك اليابان إلى إلغاء التحكم في منحنى العائد والبدء في تقليص ميزانيته العمومية المتضخمة قبل أن يبدأ رفع أسعار الفائدة الأساسية. علاوة على ذلك، تركت أعوام من التيسير النقدي المطول الهيكل الاقتصادي الياباني والتمويل الحكومي عرضة لارتفاع أسعار الفائدة، وقد يطلب من بنك اليابان الانتباه جيدا للتأثير السلبي المحتمل في كليهما، ما يتطلب منه اتباع نهج تدريجي.
لذلك حتى إذا تم تصحيح التحكم في منحنى العائد، فتوقع أن يستمر بنك اليابان في إرسال إشارات تشاؤمية إلى السوق والحفاظ على السياسة النقدية تيسيريه للغاية لبعض الوقت. وستكون النتيجة أن سعر الفائدة الأساسية الحقيقي لليابان سيظل عند أدنى مستوى له على الإطلاق في الأعوام المقبلة.
الكاتب هو رئيس الخبراء الاقتصاديين في الشأن الياباني في بنك جيه بي مورجان في طوكيو