الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


موتوا بغيظكم

يتسلل شعور رقيق دقيق وخفي للمرء حينما يرى قرينه ينجح، يفوز، يحرز جوائز، أو يتقدم ويشار إليه بالبنان. هذا الشعور يتراكم لتصبح مشاعر تحمل صفتين إما حسد مكروه وإما غبطة محمودة، أما المكروهة فهي تجلب اليأس والإحباط ومشاعر الاكتئاب التي تتمنى الشر للغير، فهي مشاعر تعود على صاحبها بما هو أسوأ، "إن تمسسكم حسنة تسؤهم"، أما المحمودة فهي مشاعر نقية تدعو بالخير وتتمنى لصاحبها المزيد وشتان ما بين الاثنين.
وحين كان الحسد رزية كان إظهارها منقصة لذا يعمد أحدهم للتخفي خلف "الاستهزاء أو السخرية"، وحينما تجد مستهزأ فاعلم أن الحسد متخف في ثنايا هذه الصورة، فغدوا إلى النيل منه، وما نقموا منه إلا ما يحمل من تفوق وسطوع ولمعان، ووجهوا حربا ضروسا لا هوادة فيها من النقد الآثم
وليت ذلك أتى من سفهاء أو سخفاء الذين لا يرفعون للقيم الإنسانية المشتركة رأسا، ولا دين قويم لهم ولا خلق، فهذا أمر مفهوم، ولكن ما لا يقوى على إدراكه هو أن يتحول ذلك النيل من صنيع أفراد معتبرين في تحطيم مدروس وممنهج مقصود، ولن يسكتوا أو يكفوا أذياتهم حتى "يلج الجمل في سم الخياط"، بل أينما يكون المرء سيدركونه وينالون ما يسوء ولا يسر وعلى حد قول الشاعر العربي الذي لخص هذه الصورة في بضع كلمات فقال وما أخطر ما قال:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالناس أعداء له وخصوم
لسان حال أولئك الآثمين: لقد فقتنا علما وموهبة فأنت عندنا مذنب ولا توبة إلا بالتخلي عما لديك لتكون في عداد العاديين من أمثالنا ومن جميع معاني النبل تنسلخ، لنكون جميعا من أهل أرباب الصفرية، والتحطيم.
إن الغبطة المحمودة صورة إن سادت أشرقت فيكون المطلوب هو التشجيع والدعم والوقوف أمام الحسد وتكبيله وتقزيمه وخنقه، وللمبدع نقول أثبت وأعرض عن الجاهلين، "ولا تكن في ضيق مما يمكرون"، إذ إن نقدهم السخيف دلالة على علو كعب وبقدر السمو تعظم خطب السهام وتمثل بقوله عز وجل "قل موتوا بغيظكم".
وكلمة حاسد من غير جرم
سمعت فقلت مري فانقذيني
وعابوها علي ولم تعبني
ولم يند لها أبدا جبيني

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي