تضخم أسعار الغذاء .. جيوب الهنود تحت وطأة ضغوط مالية
تتكدس في مطحنة رياض أحمد في ضواحي ميسورو، وهي جزء من نطاق زراعي خصب في جنوب الهند، بأكياس الخيش المليئة بسلعة ثمينة بشكل غير متوقع: وهي الأرز.
فقد ارتفعت أسعار الأرز والطماطم وغيرها من السلع الأساسية في الأسابيع الأخيرة، حيث أدى عدم انتظام وصول الرياح الموسمية السنوية في الهند إلى تعطيل الإنتاج الزراعي. وبينما أدت الأمطار الغزيرة في بعض المناطق إلى جرف المحاصيل، فإن تأخر وصولها هنا وفي أماكن أخرى يثير المخاوف من ضعف المحاصيل وحتى ارتفاع الأسعار.
قال أحمد (69 عاما) الذي كان يطحن الأرز منذ نحو 30 عاما، "الرياح الموسمية متأخرة (...) والآن المياه شحيحة. كل شخص من الأقل إلى الأعلى دخلا يعاني، بمن فيهم أنا".
أصبح هذا الارتفاع في تضخم أسعار الغذاء مصدر قلق متزايد لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، التي حظرت الأسبوع الماضي تصدير عديد من أصناف الأرز بعد أسابيع من الغضب الشعبي بسبب ارتفاع الأسعار.
تسببت هذه الخطوة بصدمات حول العالم، حيث دعا صندوق النقد الدولي حكومة مودي إلى التراجع عن قرارها "الضار". إذ تعد الهند أكبر مصدر للأرز في العالم، وتعتمد عليها عديد من الدول في شحنات هذه السلعة الغذائية الأساسية.
قال محللون إن ضبط أسعار المواد الغذائية أصبح من أولويات حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي في الوقت الذي يستعد فيه الحزب لسلسلة من الانتخابات الحاسمة، بما فيها عدة انتخابات في الولايات هذا العام والانتخابات الوطنية بعد أقل من 12 شهرا.
قال أفيناش كيشور، كبير الباحثين في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، "عندما يتعلق الأمر بتجارة المواد الغذائية، لا توجد حكومة - يرأسها مودي أو غيره - تتبنى وجهة نظر طويلة المدى. فجيوب الهنود الأكثر فقرا تتعرض للضغوط المالية ومع ارتفاع أسعار الحبوب، لن ترغب أي حكومة في هذه المخاطرة، حتى في عام عادي - وهذا العام هو عام الانتخابات".
غالبا ما تؤدي الأمطار الموسمية، التي تهطل على الهند من حزيران (يونيو) حتى أيلول (سبتمبر)، إلى تقلبات في أسعار المواد الغذائية. ومع ذلك، حذر العلماء من أن هذه الأمطار الضرورية أصبحت أقل موثوقية، حيث أدت إلى حدوث فيضانات متكررة في بعض المناطق وحالات جفاف في مناطق أخرى، ويتسبب تغير المناخ في تغيير أنماط الطقس التي كان يمكن التنبؤ بها في السابق.
وكان هذا الموسم مضطربا بالنسبة إلى أسواق المواد الغذائية. حيث ارتفعت أسعار الطماطم بنحو 400 في المائة منذ الشهر الماضي بعد أن أضرت الأمطار الغزيرة بالمحصول، في حين ارتفعت تكلفة الأرز 11.5 في المائة منذ العام الماضي.
قال جيتو سينج (32 عاما)، وهو عامل مهاجر في سوق خضراوات بالجملة بالقرب من ميسورو في ولاية كارناتاكا جنوب غرب الهند، "كيف أشتري؟ هذا هو السؤال الذي أطرحه على نفسي. الطماطم والأرز والعدس - كل شيء ارتفع". وقالت متسوقة أخرى تدعى جايالاكشمي، إنها كانت تقلل استهلاك العدس والزيت والضروريات الأخرى من أجل تحمل تكلفة فواتيرها.
على الرغم من أن معدل التضخم الاستهلاكي البالغ 4.8 في المائة في يونيو لا يزال ضمن النطاق المستهدف لبنك الاحتياطي الهندي، إلا أن البنك المركزي حذر هذا الشهر من أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية أظهر أن "مكافحة التضخم لم تنته بعد".
جادلت الحكومة بأن حظر تصدير الأرز، الذي ينطبق فقط على الأرز الأبيض باستثناء أرز بسمتي، ويمثل نحو 40 في المائة من الأصناف التي تصدرها البلاد، سيحمي المستهلكين المحليين مع السماح للحبوب بالتدفق إلى السوق العالمية، وهو ما يساعد المزارعين الهنود.
استجابت السلطات لارتفاع أسعار الطماطم بكل وسيلة من الإعانات إلى فعاليات "الهاكاثون" (وهو حدث يجتمع فيه المشاركون كالخبراء أو المحترفين أو المتحمسين من مختلف المجالات لإيجاد حل لمشكلة ما) المصممة لتحسين سلسلة التوريد.
وقد أثبتت أسعار المواد الغذائية المرتفعة في الماضي أنها خطرة سياسيا بالنسبة إلى الحكومات الهندية الحالية، حيث عزا المحللون الاضطرابات الانتخابية الشهيرة إلى الغضب بسبب ارتفاع أسعار البصل.
استغلت المعارضة الهندية آخر زيادة في الأسعار لمهاجمة حكومة مودي. حيث ألقى ماليكارجون كارجي، رئيس المؤتمر الوطني الهندي، وهو حزب المعارضة الرئيس، باللوم على تضخم أسعار الخضراوات على "نهب" حزب بهاراتيا جاناتا و"جشعه".
حيث قال هذا الشهر، "لقد أصبح الشعب واعيا وسيرد على شعاراتك الجوفاء بالتصويت ضد حزب بهاراتيا جاناتا".
لا يزال حزب بهاراتيا جاناتا هو المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في النصف الأول من العام المقبل، لكنه يواجه سلسلة من الانتخابات يحتمل أن تكون صعبة في ولايتي راجاستان وماديا براديش في وقت لاحق من هذا العام. وكان قد عانى انتكاسة كبيرة في أيار (مايو)، بعد خسارته الحكم في ولاية كارناتاكا لمصلحة حزب المؤتمر.
كان أحد وعود حملة حزب المؤتمر في ولاية كارناتاكا هو مضاعفة كمية الأرز المجانية الممنوحة للأسر ذات الدخل المنخفض. وبدأت حكومة الولاية الجديدة هذا الشهر برنامج تحويل نقدي يهدف إلى تمويل استهلاك الأرز.
وكانت القيود التي فرضها حزب بهاراتيا جاناتا على صادرات الأرز، والتي تهدف إلى إرضاء المستهلكين، قد أزعجت دائرة انتخابية قوية أخرى: وهي المزارعون، الذين استفاد كثير منهم من ارتفاع الأسعار.
راجبال سينج، مزارع أرز في ولاية البنجاب الشمالية الغربية، رفض قيود التصدير باعتبارها وسيلة للتحايل على الرأي العام قبل الانتخابات. وقال، "الحكومة تحاول إبقاء أسعار المواد الغذائية تحت السيطرة لأن (...) أسعار المواد الغذائية هي الأكثر أهمية بالنسبة إلى أغلبية الناخبين. إنهم يعتقدون أن ذاكرة الشعب قصيرة".
وقال سوامي ك (68 عاما)، وهو مزارع أرز في قرية بالقرب من ميسورو، إنه ظل مخلصا لمودي على الرغم من أنه يكره حكومة حزب بهاراتيا جاناتا السابقة في ولاية كارناتاكا. لكنه قال إن صبره على الحزب بدأ ينفد.
قال، "يستمر السياسيون في القول إن المزارعين هم العمود الفقري للبلاد، لكن هذا العمود الفقري قد تم كسره منذ فترة طويلة. لقد وضعونا على الملصقات الإعلانية، لكنهم لم يعطونا شيئا".