مفاهيم العمل تسخن .. عمال التوصيل في مواجهة ضربات الشمس
كان لاري ماكبرايد، سائق توصيل يعمل لمصلحة شركة يو بي إس، يبلغ من العمر 46 عاما في أريزونا، على بعد سبع دقائق من المستودع الإقليمي عندما أوقف مركبته وتقيأ. واصل العمل خوفا من أن يفقد وظيفته بتهمة "تضييع الوقت". وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، نقل إلى المستشفى بسبب ضربة شمس وإصابة خطيرة في الكلى. وصلت درجات الحرارة في ذلك اليوم من (مايو) العام الماضي إلى 40 درجة مئوية على نحو غير عادي.
بعد بضعة أسابيع، توفي إستيبان تشافيز، سائق في شركة يو بي إس، يبلغ من العمر 24 عاما، وهو يقود على الطريق في كاليفورنيا بسبب خلل مفاجئ في وظائف القلب. تعزو عائلته سبب وفاته إلى الحرارة في ذلك اليوم، حيث بلغت درجات الحرارة ذروتها عند 35 درجة مئوية، على الرغم أن الشركة أشارت إلى أن تقرير الطبيب الشرعي لم يذكر هذا كسبب.
تبين الحادثتان كيف أن ارتفاع درجات الحرارة يظل مصدر قلق خطير لجميع عمال التوصيل الذين يقومون بمهام تتطلب جهدا جسديا يتمثل في حمل البضائع وقيادة المركبات التي في الأغلب ما تفتقر إلى تكييف الهواء.
وتم التأكيد على هذه الأخطار عبر الحرارة القياسية التي شهدها العالم في الأسابيع الأخيرة. حيث قال العلماء الأسبوع الماضي إن (يوليو) من المرجح أن يكون أكثر الشهور سخونة على الإطلاق، حيث تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية عبر مساحات من أمريكا، وأوروبا وآسيا. وظهرت الأخطار الصحية بوضوح في دراسة نشرت في مجلة "نيتشر" أخيرا، التي قدرت أنه كان هناك 61،700 حالة وفاة ناجمة عن الحرارة في أوروبا الصيف الماضي، وهو في حد ذاته موسم ارتفعت فيه الحرارة بمعدلات قياسية.
تقول كاثي بوغمان ماكليود، مديرة مركز المرونة في مؤسسة أدريان أرشت-روكفلر: "تفتح خسائر إنتاجية العمال الناجمة عن الحرارة الشديدة أعيننا، لكنها غير مرئية وفي الخفاء".
في عام 2021، حسب المركز أن الحرارة الشديدة تكلف 100 مليار دولار أمريكي سنويا على شكل خسائر في إنتاجية العمالة – وهو رقم يمكن أن يتضاعف بحلول 2030، إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء ذي مغزى. ويقارن ذلك بالتكلفة المقدرة عند 60-65 مليار دولار لموسم أعاصير المحيط الأطلسي القياسي لعام 2020.
لقد تمت دراسة أسباب ذلك عن كثب. عند 33-34 درجة مئوية، يفقد العامل الذي يعمل بشكل معتدل 50 في المائة من قدرته على العمل، وذلك وفقا لبحث نشرته منظمة العمل الدولية. وعند درجات الحرارة المرتفعة، التي يمكن أن تتفاقم بفعل الرطوبة العالية، تكافح أجسام الناس للحفاظ على درجة حرارة داخلية تبلغ 37 درجة مئوية، التي تعد ضرورية لوظيفة الجسم الطبيعية. أفاد تحليل أجرته مؤسسة أرشت - روكفلر أن الخسائر الناجمة عن الحرارة الشديدة كانت "أكبر إجمالا" في صناعات الخدمات – خاصة بين عمال التخزين والخدمات اللوجستية، بسبب محدودية تكييف الهواء.
في أكبر ثلاث شركات لتوصيل الطرود في الولايات المتحدة – يو بي إس، والخدمة البريدية للولايات المتحدة وفيديكس – تم إدخال 317 عاملا إلى المستشفى بسبب التعرض للحرارة بين عامي 2015 و2022، ما يمثل 16 في المائة من الإجمالي لمثل هذه الإصابات بين جميع أصحاب العمل في الولايات المتحدة، وفقا لتحليل أجرته "الفاينانشيال تايمز" لبيانات إدارة السلامة والصحة المهنية.
ومع ذلك، من المحتمل أن يكون هذا أقل من الواقع نظرا لأن إصابات الحرارة في الأغلب ما يكون هناك نقص في الإبلاغ عنها أو يتم تصنيفها بشكل خاطئ – حيث يمكن أن تتسبب الحرارة في سقوط شخص ما من سلم، ولكن قد لا يتم تسجيل الحادث على أنه متعلق بالحرارة.
لا تحتوي شاحنات توصيل شركة يو بي إس على مكيفات هواء، رغم أن الشركة توصلت الأسبوع الماضي إلى اتفاق مع نقابة تيمسترز لتوفير ذلك في المركبات الجديدة التي تم شراؤها اعتبارا من (يناير). الصفقة – التي وصفتها شركة يو بي إس على أنها "اتفاقية مربحة للجانبين" – تغطي مشكلات أخرى بما في ذلك الأجور وتخضع لتصويت أعضاء النقابة.
تقول كارا دينيز، المتحدثة باسم نقابة تيمسترز، التي تمثل 340 ألف عامل في شركة يو بي إس: "تدور معركة العقد حول وضع معيار لهذه الصناعة – إنها لحظة حرجة".
وأعلنت خدمة البريد الأمريكية في (ديسمبر) عن استبدال مركباتها بطرازات ذات مكيفات هوائية. إن هذا معيار في المركبات المملوكة لشركة فيديكس، مع أن نسبة كبيرة من أسطولها مملوكة ويتم تشغيلها من قبل أطراف ثالثة.
يقترح زاك فلاش، موظف توصيل طرود في أوكلاهوما انضم إلى شركة يو بي إس قبل خمسة أعوام، أن المخاوف لا تزال قائمة، مع ذلك: "الرسالة التي تحصل عليها من كل من الإدارة والداخل: تحمل الظروف، وستكون على ما يرام. لكن لدينا مشكلات صحية أساسية. لدي مرض مناعي ذاتي. هذه الأشياء لا تختفي عندما ندخل بوابات الشركة".
يوضح المتحدث الرسمي باسم "يو بي إس" أن "صحة وسلامة موظفينا من أهم أولوياتنا. لقد اتخذنا خطوات جديدة لضمان السلامة والراحة للموظفين أثناء موجات الحر، بما في ذلك توفير المعدات المتعلقة بالحرارة. نطلب من السائقين وإدارتهم الاتصال بخدمات الطوارئ على الفور إذا ظهرت أعراض ضربة الشمس".
وفي إشارة إلى حادثة ماكبرايد، أكدت "يو بي إس" أنها "لا تعكس الطريقة التي ندرب بها فرقنا اليوم للاستجابة لعلامات المرض الذي يحتمل أن تكون له علاقة بالحرارة". وبشأن وفاة تشافيز قالت: "نشعر بالحزن لوفاة إستيبان تشافيز ونرسل أعمق تعازينا لأسرة تشافيز... وبينما لا يشير تقرير الطبيب الشرعي إلى أن الحرارة السبب، أجرت إدارة السلامة والصحة المهنية في كاليفورنيا تحقيقا لم يذكر الشركة، فإننا نبني بثبات على جهودنا لحماية موظفينا في مواجهة درجات الحرارة المرتفعة بشكل متزايد".
تعتقد بوغمان ماكليود أن التدابير منخفضة التكلفة – مثل استخدام المراوح، واستراحات شرب المياه، وتعديل ساعات العمل وتغيير قواعد اللباس – يمكن أن تحدث فرقا. وتجادل قائلة: "لا يجب أن يموت أحدهم من الحرارة الشديدة. نعرف بالضبط ما علينا القيام به".
وبدأت الحكومات الوطنية والإقليمية في اتخاذ الإجراءات اللازمة. ففي الجمعة، في أعقاب موجات الحرارة الشديدة الأخيرة، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليماته لوزارة العمل بتكثيف إنفاذ القانون بشأن مخاطر الحرارة في مكان العمل – على سبيل المثال، عبر زيادة عمليات التفتيش.
ولدى بعض الولايات القضائية بالفعل لوائح معمول بها تحكم موضوع الحرارة في العمل. وتشمل هذه الجهات ولاية كاليفورنيا، وقطر وإسبانيا.
تقول إليسافيت بارجياني، كبيرة مسؤولي الحرارة في أثينا – كانت العاصمة اليونانية أول مدينة أوروبية تنشئ هذه الوظيفة – "تحتاج الهيئات العامة والخاصة إلى التوافق وتحديد الإجراءات الخاصة وفقا لطبيعة العمل المنجز وبيئة العمل".
على سبيل المثال، حظرت اليونان هذا الشهر ولأول مرة أعمال البناء والتوصيل خلال أشد ساعات النهار حرارة.
رغم ذلك، حتى عندما تكون القوانين سارية، هناك تحد يتمثل في تثقيف أصحاب العمل في تحديد علامات الإجهاد الحراري، وفرض تدابير السلامة لخدمة العمال. وشدد دنيز على ضرورة إدراج الحماية في عقود العمل.
وأجرت اليزابيث همفريز، الخبيرة الاقتصادية في جامعة التكنولوجيا في سيدني، التي تبحث في الإجهاد الحراري المهني، مقابلات مع عمال المستودعات والخدمات اللوجستية حول أستراليا، وترى أن أكثر المعوقات إثارة للقلق أمام السلامة من الحرارة في مكان العمل هو شعور العمال بأنهم "غير قادرين أو ليس لديهم ما يكفي من القوة" لأخذ قسط من الراحة.
وتضيف: "لا يمكن للكثير من الناس اتخاذ الإجراءات الأساسية اللازمة للتخفيف من آثار الإجهاد الحراري، مثل إعادة الترطيب". ويوضح بعض العمال أنهم يتجنبون شرب الماء بشكل متكرر، لأن أخذ فترات مستقطعة في استخدام المرحاض سيتطلب منهم العمل بجدية أكبر لتعويض الوقت الذي يقضونه في الذهاب إلى الحمام. تقول همفريز: "هذا عمل موازنة مؤلم حقا". وتستطرد: "تشعر الشركات في الغالب بالقلق بشأن بيت القصيد. لكن من يضيع في خضم ذلك هم العمال".