الأحد, 4 مايو 2025 | 6 ذو القَعْدةِ 1446


الاحتيال في اليابان يثير شبح الفشل المجتمعي .. الحل كارثي

كان التراجع الحاد الذي سببه كوفيد في عمليات الاحتيال على كبار السن في اليابان ضمن القائمة الغريبة والمتلاشية من الأمور التي أصبحت أفضل أثناء الجائحة، التي في الأغلب ما تسبب الشعور بالذنب بعض الشيء.
لكن الآن النهوض السريع المثير للقلق لما يعرف باسم عمليات احتيال أوري أوري (باليابانية تعني أنا أنا) يدفع البلد نحو حل معقد فلسفيا متحيز عمريا وليس عمليا للغاية. إذا لم يكن حذرا، فقد يصرح البلد الأكبر سنا في العالم بأن كبار السن فيه غير أكفاء.
لطالما كانت عمليات احتيال أوري أوري موضوعا حساسا. وذلك لأن المحتالين ينهبون كبار السن في اليابان عبر التظاهر على الهاتف بأنهم أقرباء شباب في مشكلة وهم بحاجة ملحة (حادث سيارة، فاتورة طبية، وما إلى ذلك) لتحويل نقدي فوري من ماكينة صراف آلي.
إن نجاح عملية الاحتيال، والسبب في إثارتها لشبح الفشل المجتمعي العميق، ليس عبارة عن مجرد الإيذاء الوحشي للفئات الضعيفة. يأتي التحسر تجاه ذلك من الاعتراف بأنه، بعد أعوام من التفكك الأسري والهجرة الحضرية والبعد الجسدي، لا يتعرف كثير من اليابانيين المسنين على أصوات أحفادهم جيدا بما يكفي للتشكيك في مكالمة تبدأ "مرحبا جدتي، إنه أنا!"
في ذروتها قبل كوفيد، كانت عمليات احتيال أوري أوري تدر للمحتالين ما يقارب 140 مليون دولار سنويا. انخفض ذلك بمقدار الثلثين في 2020 عندما أبقت عمليات الإغلاق غير الرسمية كبار السن بعيدا عن كل شيء، بما في ذلك أجهزة الصراف الآلي. العام الماضي، عادت عملية الاحتيال إلى 60 في المائة من ضراوتها السابقة، وفي الأشهر الستة الأولى من 2023 استمرت في الارتفاع بشكل سريع.
تدخلت وكالة الشرطة الوطنية اليابانية في هذا الوضع، حيث أعلنت الشهر الماضي أنها ستطلق وحدة جديدة لمكافحة عمليات الاحتيال التي تستهدف كبار السن. وبعد أسبوعين، ذكرت وسائل الإعلام اليابانية أن وكالة الشرطة الوطنية اليابانية كانت تقترح (وناقشت مع مجموعات الصناعة المصرفية) خطة من شأنها، على مستوى وطني، أن تمنع وصول أي شخص يزيد عمره عن 65 عاما ولم يتم التحويل النقدي لمدة عام أو أكثر عن جميع أجهزة الصراف الآلي. سيكون هناك تخفيف وبدائل، لكن الفكرة العامة بدت وكأنها حماية كبيرة للمسنين من سذاجتهم.
يمثل الاقتراح محاولة لتوسيع نسخة من إجراءات الحماية المعمول بها بالفعل في بعض البنوك الإقليمية، بما في ذلك يوكوهاما وياماجاتا، لتشمل البلد بأكمله. تفرض بعض هذه البنوك قيودا مالية على التحويلات والسحب النقدي، بينما يطلب بعضها الآخر من المستخدمين إبراز بطاقات الهوية. لكن المنطق الثابت هو أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما يحتاجون إلى قيود أكثر على نشاطهم مقارنة ببقية السكان.
بغض النظر عن حسن النية، ومهما كانت الشرطة حريصة على الحد من نوع خبيث من الجريمة بشكل خاص، هذا الأمر يتجه نحو منطقة خطرة. حظر الخدمات على مجموعة محددة من الأشخاص (ماذا لو كان الوصول لأجهزة الصراف الآلي محظورا حسب الجغرافيا، أو الجنس، أو العرق؟)، مع الإشارة ضمنيا إلى أن عضوية تلك المجموعة وحدها تضع أهليتهم موضع تساؤل، سيكون إشكاليا دائما.
لكن هذا ينطبق بشكل خاص على هذه المجموعة في اليابان، حيث، للإشارة، يوجد ما يقارب 13 مليون شخص فوق 70 عاما يحملون رخصة قيادة. هذا بلد يتجاوز الآن 29 في المائة من سكانه عمر الـ65 عاما، ويؤدي مزيج السن ونقص العمالة إلى إعادة تشكيل المجتمع بشكل أساسي. بعبارة أخرى، هذا ليس وقتا مناسبا للشرطة أو البنوك – ولو ضمنيا فقط – لاعتبار لوصف العمر بأي نوع من عدم الأهلية.
كما أنه أمر معيق لأن هذا البلد يؤكد بقوة على كفاءة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما في كثير من مجالات الحياة العامة والخاصة ويعتمد عليها. وجدت دراسة استقصائية حكومية أجريت في 2022 أن 27 في المائة من رؤساء الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم – وهو قطاع يوظف أكثر من ثلثي القوة العاملة اليابانية – تجاوز أعمارهم الـ70 عاما. في جميع الشركات، وفقا لمسح منفصل أجرته شركة الأبحاث تيكوك داتا بنك، يترأس ربعها أشخاص تتجاوز أعمارهم الـ70 عاما.
تشير بيانات وزارة الصحة، في الوقت نفسه، إلى أن أقل من 34 ألف طبيب في البلد تزيد أعمارهم على 70 عاما. وفي السياسة، تمثل هذه الفئة العمرية، على التوالي، 8.6 في المائة و7.3 في المائة من مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان. كما تمثل نسبة 36 في المائة من السياسيين على مستوى المدن، و12 في المائة من المجالس على مستوى المحافظات. وسن التقاعد الأساسي هو 65 عاما.
المشكلة المركزية في اقتراح وكالة الشرطة الوطنية اليابانية ليست شرعيته المعيبة أو المعارضة الكبيرة المحتملة التي قد يثيرها إذا تم تطبيقه بالفعل. تكمن المشكلة في الانفصام الشاسع الذي يكشفه بين التفكير السياسي والواقع المتطور لليابان التي تعاني شيخوخة وانكماشا، والمتعطشة لليد العاملة.
القول أسهل من الفعل، بالطبع، لكن ليس أمام اليابان من خيار سوى تبني حقائق تركيبتها السكانية. ستكون الكثير من التعديلات مؤلمة للغاية، ويمكن أن تضعف بشكل كبير من إحساس اليابان بما يمكنها وما لا يمكنها فعله كأمة. أقفال أجهزة الصراف الآلي هي محاولة لدفع هذه الحقائق بعيدا، بدلا من مواجهتها.

سمات

الأكثر قراءة