أيديولوجية "بريكست" تنبذ مع تدهور الأوضاع الاقتصادية
تشير قصتان كبيرتان عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي إلى تحول كبير في نهج حكومة سوناك للتعامل مع تداعيات مغادرة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بهذه الشروط السيئة.
أولا، أعلنت وزارة الأعمال والتجارة أنها ستتخلى عن شرط استخدام الشركات لعلامة ضمان الجودة المقلدة UKCA للمنتجات الصناعية - رغم أن وراءها شيء ما كما سنرى.
وبعد ذلك، هناك قرار وشيك بشأن مزيد من تأخير فرض ضوابط حدودية على الواردات من الاتحاد الأوروبي لتجنب تضخم إضافي في أسعار المواد الغذائية. عد ذلك التأخير الخامس منذ أن اقتربت مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لـ2020 من نهايتها.
يأتي هذان القراران نتيجة مواجهة الحكومة ظروفا اقتصادية صعبة قبل عام الانتخابات الذي تعهد فيه رئيس الوزراء بخفض التضخم إلى النصف بحلول عيد الميلاد. كما تقتضي الضرورة، فإن أيديولوجية "بريكست" يتم دفعها جانبا.
ولكن في حين أن مجموعات الصناعة مثل غرف التجارة البريطانية وMake UK تقول إن الشركات ستتنفس "الصعداء" - ويسعدها حقا أن عامين ونصف العام من الضغط قد آتيا ثمارهما أخيرا - فإن الفوضى لا تنتهي بمقال في الصفحة الأولى من صحيفة في "فاينانشال تايمز".
ملخص سريع، بعد "بريكست" قررت حكومة المملكة المتحدة بدء علامة تقييم المطابقة الخاصة بها في UKCA لمنافسة علامة CE المكافئة للاتحاد الأوروبي، والتي توضح أن المنتجات قد التزمت بالمعايير الصناعية ذات الصلة.
ونظرا إلى أن المعايير الأساسية كانت متطابقة دائما تقريبا، فقد تم رفض مخطط UKCA من قبل الشركات باعتباره مشروعا لا طائل منه لإشغال الناس، ما أدى إلى إنشاء نظام شهادات مزدوج حمل التكاليف على الشركات.
كما أنه جعل المملكة المتحدة أقل جاذبية لأن موردي الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان لم يكلفوا أنفسهم عناء الحصول على شهادة علامة المطابقة البريطانية.
وتم تأجيل تنفيذ شهادة علامة المطابقة البريطانية مرارا وتكرارا. قالت وزارة الأعمال والتجارة أخيرا، إنه سيتم قبول كل من علامتي المطابقة البريطانية والمطابقة الأوروبية "إلى أجل غير مسمى" على المنتجات الإلكترونية والصناعية والاستهلاكية.
أولا، الاستثناء الذي ذكرته. فعلى الرغم من أن دائرة الأعمال والتجارة أوضحت أن المنتجات في المجالات الـ18 التي تسيطر عليها أصبحت الآن حرة في استخدام كل من علامات ضمان الجودة من شهادة علامة المطابقة البريطانية والمطابقة الأوروبية، إلا أنه لم تتم تغطية فئتين أخريين من المنتجات، والمتمثلة في الأجهزة الطبية وبضائع البناء.
وذلك لأنها تدار من قبل وزارتي الصحة والإسكان بالترتيب نفسه، وأن هاتين الوزارتين لم تتبعا توجيهات وزارة الأعمال والتجارة - ما أثار استياء يمكن فهمه من المجموعات التجارية التي تمثل تلك المنتجات. مزيد من التأخير، ومزيد من عدم اليقين.
ثانيا، أن القرار ما زال لا يخلو من التكاليف.
وقد أنفق عديد من الشركات مئات الآلاف من الجنيهات استعدادا لتنفيذ شهادة علامة المطابقة البريطانية الإلزامية في يناير 2025، وإعادة وضع العلامات على المنتجات والتقدم بطلب للحصول على الموافقات الفنية. لكن قرار دائرة الأعمال والتجارة لن يهدئ هذا الوضع بين عشية وضحاها.
الافتقار للاتساق والحسم
دعوني أعطيكم مثالا ملموسا على ذلك. تحدثت مع أندرو فارجا، الرئيس التنفيذي لشركة سيترو لتصنيع صمامات الضغط الصناعية، ومقرها بريستول، والتي يعمل فيها 130 موظفا، والتي تم استعراض رحلتها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في صحيفة فاينانشال تايمز منذ 2018.
يقول أندرو إن شركته أنفقت 100 ألف جنيه استرليني على الاستعداد للامتثال لتنفيذ شهادة علامة المطابقة البريطانية، وبينما يشعر بالسعادة لأن الحكومة "رأت المنطق" أخيرا، فإن رحلة شركة سيترو مع شهادة علامة المطابقة البريطانية لم تنته بعد.
لقد أنفقت الشركة الأموال لإعادة معايرة العلامات المحفورة بالليزر على أكثر من ألفي منتج "حتى تتمكن من حمل شهادة علامة المطابقة البريطانية"، وتقديم المواصفات الفنية لهيئات تقييم المطابقة في المملكة المتحدة ومراجعة الوثائق الفنية حتى تتناسب مع معيار المملكة المتحدة.
الشيء المحبط تماما أن المعايير الأساسية لشهادتي علامة المطابقة البريطانية والمطابقة الأوروبية كانت متطابقة، لكن هذا النقص في القدرة على تقييم المطابقة في المملكة المتحدة، لدرجة أن الطلبات التي تقدم بها فارجا قبل عام لم تتم الموافقة عليها بعد.
وفي أحد الأمثلة الدالة بشكل خاص على التكاليف التي لا طائل منها التي تسببها بيروقراطية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تم دمج النسخة البريطانية من "مرسوم معدات الضغط في الاتحاد الأوروبي" في المملكة المتحدة باعتبارها لوائح "السلامة" لمعدات الضغط لـ2016.
لكن اللوائح البريطانية فعلت الشيء نفسه ولكن بترتيب وشكل مختلفين - الأمر الذي أجبر شركة سيترو على إعادة كتابة مواصفاتها. كل هذا الألم دون أي مكسب.
والأسوأ من ذلك، أن جميع عملاء شركة سيترو، على سبيل المثال في قطاع النفط والغاز، أعادوا كتابة المواصفات الخاصة بهم للتنفيذ المفترض لعلامات شهادة المطابقة البريطانية - لذلك ما لم تتم إعادة كتابة هذه العلامات لتتماشى مع علامة المطابقة الأوروبية، أو كليهما، سيظل على فارجا العمل مع علامة شهادة المطابقة البريطانية حتى تعود هذه المواصفات إلى علامات المطابقة الأوروبية.
إضافة إلى ذلك، بعد أن أمضى فارجا كثيرا من الوقت في الضغط على مورديه في الاتحاد الأوروبي للتحضير لعلامة شهادة المطابقة البريطانية، يتعين عليه الآن شرح تغيير المسار الذي ترك رؤساء الاتحاد الأوروبي يهزون رؤوسهم استنكارا لما تسبب فيه الافتقار للاتساق في نهج المملكة المتحدة. ويقول فارجا، "إنهم يضحكون علينا بالمعنى الحرفي للكلمة".
باختصار، يعد قرار وزارة الأعمال والتجارة خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنه ليس حلا سحريا فوريا لواحد من أكثر الأمثلة جنونا على غرور خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ما يقترحه فارجا هو أن تسمح حكومة المملكة المتحدة لجميع المنتجات التي تحمل علامة المطابقة الأوروبية بحمل علامات شهادة المطابقة البريطانية تلقائيا، ولكن كما هو الحال مع الأجهزة الطبية ومنتجات البناء، سيتعين علينا الانتظار حتى نرى ما سيحدث.
كما يريد أن تفكر المملكة المتحدة في العودة إلى للانضمام إلى الاتحاد الجمركي، لأن متطلبات الأعمال الورقية الحالية تسببت في خسارته للأعمال أمام المنافسين في الاتحاد الأوروبي الذين يمكنهم توفير المنتجات داخل السوق الموحدة دون عقبات أو مصاعب.
على الجانب الإيجابي، يقر فارجا بأن هناك تغييرا في مواقف الحكومة في الشهرين الماضيين. حيث يقول، "أخيرا، هناك أشخاص جادون يستمعون لنا حقا. هذه بالتأكيد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح".
شهادات الاعتماد من المملكة المتحدة
التأثير الآخر لقرار الحكومة والذي لم يحظ بالتقدير الكافي، هو التأثير في صناعة الاعتمادات في المملكة المتحدة.
فقد تضررت هذه الصناعة بشدة من قرار الاتحاد الأوروبي بعدم منح المملكة المتحدة "اعترافا متبادلا بتقييم المطابقة" - حتى تتمكن الهيئات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها من التصديق على البضائع وفقا لمعايير المطابقة الأوروبية. وكما قال ميشيل بارنييه خلال مفاوضات الاتفاقية التجارية في 2020، لا يمكن أن تكون المملكة المتحدة "مركزا لإصدار الاعتمادات" قبالة سواحل أوروبا.
منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان التأثير هو تقليص قدرة الاختبار في المملكة المتحدة لأنه عندما تحتاج المنتجات إلى اختبار "المطلوب للمنتجات ذات الأهمية الأمنية مثل صمامات الضغط التي لا يمكن اعتمادها ذاتيا"، يجب إجراء هذا الاختبار داخل الاتحاد الأوروبي.
لذلك، كما يلاحظ ويليام باين من غرفة التجارة البريطانية، فإن قرار وزارة الأعمال والتجارة لا يعيد المملكة المتحدة فجأة إلى فترة "ما قبل اتفاقية التجارة والتعاون". حيث لا يزال يتعين على الشركات البريطانية الذهاب إلى أوروبا لاختبار الأشياء واعتمادها، ما يضيف تكلفة إلى عملياتها.
وهذا أيضا إعلان وفاة محتمل لصناعة شهادات الاعتماد من المملكة المتحدة أو صناعة "الهيئة المبلغة"، وفقا إلى أليسدير راي من إتش بي أي فيريفيكيشن سيرفيسيز، التي تقوم باختبار معدات الضغط للصناعة البحرية.
ويتعين على الشركات مثل شركته أن تدفع مقابل اعتمادات تكلفة لدى حكومة المملكة المتحدة من أجل الحفاظ على وضعها كهيئة مبلغة في بريطانيا، لكنه يقول إن قرار وزارة الأعمال والتجارة سيجعل من غير المجدي لعديد من الشركات الاستمرار في دفع ثمن هذه التراخيص.
إذا قامت الهيئات البريطانية المبلغة بوقف تقديم خدمات الاعتماد لأنه لا يوجد منطق تجاري في الحفاظ على اعتمادات المملكة المتحدة، فسيكون التأثير الصافي حينئذ هو أن الشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها سيتعين عليها الذهاب إلى الاتحاد الأوروبي من أجل اعتماد السلع، حتى لو كانت مخصصة لسوق المملكة المتحدة فقط.
وكتب باين، "يبدو أن الحلم الذي يحمله مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد مات حقا، بينما ننطلق إلى مستقبل يتم فيه تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي دون صوت لبريطانيا في إعدادها وحيث تأتي الشركات الأوروبية إلى المملكة المتحدة لتخبرنا عن المنتجات التي يمكننا بيعها في أسواقنا نحن".
خروج بريطانيا بالأرقام
يأتي الرسم البياني للأسبوع الماضي من خلال استطلاع الشركات للربع الثاني من قبل جمعية الصناعات الكيماوية، ما يجعل قراءته صعبا للغاية.
تعكس الأرقام ظروف السوق الأساسية التي أظن أنها أضافت ضرورة ملحة إلى عملية صنع القرار الحكومي بشأن القضايا التي تمت مناقشتها أعلاه.
وتعد صناعة المواد الكيميائية مهمة لأن منتجاتها تدخل إلى حد كبير في كل شيء يتم تصنيعه، لذلك إذا كان الطلب يتراجع عليها، فهذا مؤشر جيد جدا على الضعف في مكان آخر.
لقد بدأ الانكماش العام الماضي، لكن التوقعات على المدى القصير لا تزال ضعيفة. وقد وجد الاستطلاع أن نحو 60 في المائة من الشركات شهدت انخفاضا في المبيعات في الربع الثاني من هذا العام - ارتفاعا من 33 في المائة في الربع الأول.
وتقول جمعية الصناعات الكيماوية، "عند النظر في خط الأساس واتجاه العام الماضي، فإن النسبة البالغة 58 في المائة من الشركات التي أبلغت عن مزيد من الانكماشات في المبيعات أمر مقلق للغاية".
وكما يلاحظ ستيف إليوت، رئيس جمعية الصناعات الكيماوية، الحاجة إلى "التزام سياسي باستقرار السياسات على المدى الطويل ومشهد تمويل تنافسي للابتكار والاستثمار".
وكما تظهر المتاعب مع تراجع علامة شهادة المطابقة البريطانية، فإن استعادة استقرار السياسة لن يحدث بين عشية وضحاها، لكن الحاجة تشتد إليها كثيرا وبسرعة.