"كوبا" الغريبة .. صحافي سعودي في عالم يدعو للفضول
كوبا التي اختصرها البعض بالحصار الأمريكي، وحياة السبعينيات في الألفية الثالثة، فيدل كاسترو، تشي جيفارا، جوانتانامو.. كانت أكثر من ذلك بكثير، بحسب قصص الصحافي السعودي ثامر القمقوم "رحلتي إلى كوبا"، المنتمي إلى أدب الرحلات، ويكشف جوانب عن كوبا الممتعة والجميلة، والمحاصرة، والغريبة في كل شيء.
قبل هذه الرحلة، كان عدد من ذهب إلى كوبا من السعوديين يعدون على الأصابع، حتى وصل إلى أكثر من 60 ألف زائر وسائح، متناولا كوبا بحس الصحافي المستكشف، متجولا في دولة كانت إلى وقت قريب يعد السفر إليها نوعا من أنواع المستحيل.
صدمة أولى
القمقوم هو أول صحافي سعودي يتلقى دعوة لزيارة كوبا، وأول صحافي يغطي ميدانيا من هافانا، يتناول تدشين العلاقات بين المملكة وجمهورية كوبا في 2011، حينما قرر البلدان افتتاح سفارتين لكل منهما، ويروي أن الرحلات الجوية إلى كوبا من المملكة يجب أن تمر برحلة توقف، فتوقف رفقة صديق ورفيق أسفاره في فرنسا، ثم تعلقا في السماء مجددا لأكثر من عشر ساعات.
صدمة المطار كانت أولى صدمات الصحافي السعودي في كوبا، إذ نزلوا من سلم الطائرة إلى الأرض، ليسيروا إلى مبنى متهالك وقديم ومتواضع مشيا على الأقدام، وربما يكون السبب في الحصار الذي أبقى هذه البلاد لأعوام في مكانها بينما العالم يتقدم.
لكن ذلك كله، على حد تعبير القمقوم، لم يكن سوى خدعة، فالطريق من المطار إلى العاصمة جميل وإن ضاقت الشوارع، كان يرى التاريخ يمشي على الأرض، والأبنية العالية، والأحياء المتراصة، والشوارع الواسعة، والفلل التي تأخذ الألباب، وكان البياض والتصميم الهندسي المعماري سمة بارزة فيها، والنخيل والأشجار تحيط بهذه الفلل.
هافانا القديمة
يهدي ثامر سودي قمقوم إصداره الصادر عن دار الرائدية للنشر والتوزيع، ويقع في 87 صفحة، إلى كل عاشق لأدب الرحلات، وكل من زار أو سمع عن كوبا، كل من عشق هافانا، وذلك الحصار الذي عصف بأحلام أهل براذيرو وجمال كوبا، وكل من يهوى السفر.
هذه الأوراق واليوميات أرفقها صاحبها بالصور، ويكشف في جولة في هافانا القديمة مباني يعود بناؤها إلى أكثر من 200 عام، وتعج بالسيارات الكلاسيكية والشوكولاته الشهيرة، والهندسة المعمارية الأوروبية، بتصاميم مبان ملونة إسبانية، حيث يمكنك الاستمتاع بالتنوع الثقافي والأثري والتاريخي.
أكثر ما يلفت النظر في العاصمة الكوبية هو السيارات التي تحمل موديلات الستينيات والسبعينيات الميلادية، كما تضم هافانا عددا كبيرا من المتاحف المميزة، مثل مبنى "الثورة" الذي كان سابقا قصرا جمهوريا، وقلعة "الملوك الثلاثة" التي كانت تستخدم كمبنى لحماية المدينة من هجوم القراصنة، وأصبحت مزارا سياحيا مهما للغاية، فضلا عن شواطئ "ماليكون"، وشارع "باسيل ديل برادو" أهم شوارع العاصمة وأكثرها حيوية وشعبية، ويحتضن صالات سينما ومحالا تجارية عالمية وقصورا ومتاحف، ومنازل المشاهير.
طبيعة بكر
كانت هافانا في الأصل ميناء تجاريا، وتعرضت لهجمات منتظمة من جانب القراصنة والبحرية الفرنسية، وكان أول هجوم عليها في 1555، ونهبت، وحرق كثير منها، وعملت هذه الهجمات على إقناع التاج الإسباني لتمويل بناء الحصون الأولى في المدن الرئيسة لمواجهة القراصنة والسيطرة على التجارة مع جزر الهند الغربية.
في جولته، يروي ثامر بن سودي قمقوم العنزي عن رحلته إلى منتجع براذيرو الشهير الذي يفد إليه السياح من كل مكان في العالم، وفي الطريق إليه يمكنك أن تشاهد معتقل غوانتانامو الأشهر، ولا تستطيع الاقتراب منه.
بأسلوبه الممتع والسردي، يتحدث الصحافي عن براذيرو، وهي في الأساس مدينة منتجعات، وتظهر كما الإعلانات التجارية في غالب شواطئ العالم، من حيث الرمال البيضاء والمحيط الذي يمتد على طول سلسلة الفنادق، والغابة المحيطة، في جو يسوده الأمان.
داعية في قلب كوبا
ويعترف الكاتب أنه أخطأ بإضاعة أعوام طويلة بين كتابه وزمن ووقت الرحلة، والتي كانت قبل أعوام عدة، بكل ما تحويه من مراحل وتفاصيل ومفارقات.
وعن السيجار الكوبي الشهير يرى الصحافي أنه يمكن أن يقتنيه الملوك والفقراء أيضا، فأسعاره قد تصل إلى آلاف الدولارات، وقد تصل إلى بضعة دولارات، كما يشير إلى صور جيفارا التي تشاهدها في كل مكان، فهو رمز لكوبا ورجل لا يمكن أن ينسى.
ويسير الكاتب بقارئه إلى المطعم العربي الوحيد، ثم إلى المركز الثقافي العربي الكوبي في البلدة القديمة، ولم شمل الجالية العربية والكوبيين من أصول عربية، ويقيم أنشطة ثقافية ورياضية وفنية، وينظم دورات للطبخ العربي.
ولعل من أهم ما ورد كتاب "رحلتي إلى كوبا"، لقائه بالداعية الإسلامي السعودي محمد بن مطخان الرويلي، الذي يستقر في الأرجنتين ويقدم للأمريكيين الجنوبيين نبذة عن الإسلام وسماحته، بحضور مبهر وحديث مقبول، ممثلا للإسلام الحقيقي المعتدل، الذي يجعل من الدين يسر لا عسر، وهو عضو في مركز الملك فهد الثقافي في الأرجنتين، وأستاذ في كلية الحقوق في جامعة بيونس آيرس، وكان في جناح المملكة في معرض الكتاب في كوبا، والذي حظي بإقبال منقطع النظير، حيث تهافت الزوار على الجناح يقودهم شغف التعرف على ثقافة المملكة، فيما كان إقبال الناس كبيرا في التعرف على الإسلام في الجناح، وخلال المعرض اعتنق الإسلام أربعة أشخاص، كان يسألون الداعية باللغة الإسبانية، ويجيبهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
ويرأس القمقوم جمعية إعلاميي الحدود الشمالية، وله عضويات في عدد من الجمعيات الخيرية والوطنية، وكذلك الأندية الأدبية والرياضية، صدر له ثلاثة كتب هي "من أوراق صحافي شمالي"، "يوميات سعودي في العراق"، و"أيام في بلاد العم سام".