هجرة الشركات من روسيا تعطي دفعة لاقتصادات آسيا الوسطى .. كازاخستان أكبر المستفيدين
في أعقاب الحرب اضطرت الشركات المتعددة الجنسيات العاملة داخل الاتحاد الروسي إلى إعادة النظر في علاقاتها مع روسيا. وفي البداية قررت بعض الشركات تصفية استثماراتها وإغلاق متاجرها ووقف عملياتها.
واختار البعض الآخر الخروج من روسيا تماما. وبحلول 15 يونيو الماضي، كانت 546 شركة قد خرجت من روسيا، وفقا لإحصاء أجرته جامعة ييل الأمريكية.
وكتب الدكتور هارون كارسيتش، الصحافي والمحلل السياسي الذي يغطي شؤون دول البلقان وتركيا في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية ونقلته “الألمانية”، أنه اتضح أن نقل الأعمال التجارية من دولة مثل روسيا مهمة ضخمة تواجه عديدا من العراقيل البيروقراطية وخسائر مالية كبيرة. ولهذا السبب، قررت بعض الشركات البقاء في المنطقة- فمن الأفضل أن تكون في دولة تستطيع منها الوصول إلى السوق الشاسعة غير المستغلة في منطقة آسيا الوسطى.
وقد أدركت دولة كازاخستان، أكبر دولة في آسيا الوسطى، هذه الفرصة وقررت تحقيق أقصى استفادة في ظل الظروف المواتية.
وبالنظر إلى خريطة لأراضي أوراسيا، تبرز كازاخستان في الوسط، التي لا تشترك مع روسيا في حدود طولها 7644 كيلومترا فحسب، بل تحدها أيضا الصين من الشرق وقرغيزستان وأوزبكستان وبحر أرال من الجنوب وتركمانستان وبحر قزوين من الجنوب الغربي.
وقال كارسيتش إن دول آسيا الوسطى توفر أسواقا واسعة غير مستغلة، ومن بين دول الاتحاد السوفيتي السابق، ينظر إلى هذه الدول بشكل عام على أنها تشكل خطرا جيوسياسيا منخفضا نسبيا.
التحول نحو آسيا الوسطى
ويأتي تحول الشركات الغربية والمتعددة الجنسيات إلى آسيا الوسطى بالتزامن مع التدفق غير المسبوق الذي حدث العام الماضي من المهاجرين الروس إلى دول مثل كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان- وهي نتيجة لم تكن متوقعة للحرب.
وأدت الموجة الأولى من الهجرة- بعد الحرب في أوكرانيا مباشرة- إلى انتقال المهندسين الروس المهرة والمتخصصين في تكنولوجيا المعلومات إلى المنطقة.
وأشار كارسيتش إلى أن حكومات دول آسيا الوسطى أدركت سريعا وجود فرصة لتحقيق استفادة اقتصادية من تدفق العاملين المهرة. وعرضت كازاخستان على الأجانب الذين يعملون في المنطقة الصناعية الآخذة في الاتساع في أستانا تأشيرات لمدة خمسة أعوام وإعفاءات ضريبية واسعة النطاق.
وتبنت أوزبكستان سياسات جديدة تمنح المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات وعائلاتهم تأشيرة عمل خاصة لمدة ثلاثة أعوام. كما عرضت قرغيزستان مبادرات لجذب المواطنين الروس لديها في محاولة لبناء صناعة تكنولوجيا المعلومات لديها.
وإضافة إلى الأيدي العاملة، تستفيد آسيا الوسطى من الشركات الدولية التي تركت السوق الروسية وانتقلت إليها، وبحلول 2022، أصبحت 600 شركة أمريكية تعمل في المنطقة بمتوسط استثمارات يبلغ 45 مليار دولار.
دفعة اقتصادية
أظهرت دراسة حديثة متعمقة أجراها البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية أن هجرة الشركات من روسيا أعطت المنطقة دفعة اقتصادية. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد المنطقة بما لا يقل عن 5.2 في المائة خلال العام الجاري، وبنسبة 5.4 في المائة في 2024. ورأى كارسيتش أن الحرب الروسية كان لها تأثير إيجابي في قيمة صادرات كازاخستان. وخلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2022، بلغت صادرات كازاخستان 65.8 مليار دولار، بارتفاع بنسبة 47.5 في المائة عن الفترة نفسها من 2021. وكان هذا بدرجة كبيرة نتيجة لارتفاع أسعار السلع. فقد تسببت العقوبات التي فرضت على روسيا في نقل الشركات نشاطها إلى الدول المجاورة، ما سمح لها بحماية أعمال الاستيراد والتصدير وتلقي المدفوعات بالعملات الأجنبية. وفي كازاخستان، انعكس هذا في زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 18 في المائة في الشهور الأولى من 2022. وساعد المهاجرون الروس على تعزيز تجارة المنطقة في الخدمات، بما في ذلك السفر الجوي وخدمات الإسكان والخدمات المصرفية. وزادت صادرات كازاخستان من الخدمات إلى روسيا بنسبة 75 في المائة في تسعة أشهر من 2022، على أساس سنوي. وقد كانت هناك سلسلة من الزيارات من مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى كازاخستان، بما في ذلك زيارة في أكتوبر 2022، قام بها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وزيارة أخرى في نوفمبر، قام بها الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، حيث تركزت المناقشات على طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين.