الصين تدخل في «نقيض التضخم» .. انكماش الأسعار يثير مخاوف «العقود الضائعة»
فيما تكافح القوى الاقتصادية الكبرى في العالم التضخم، دخلت الصين مرحلة انكماش في الأسعار هي الأولى منذ أكثر من عامين، تحت وطأة استهلاك داخلي متباطئ يشكل عقبة في وجه الانتعاش الاقتصادي في البلد.
ويسجل انكماش الأسعار أو الانكماش المالي عند تراجع أسعار السلع والخدمات، وهو نقيض التضخم.
وإن كان تراجع الأسعار يبدو من حيث المبدأ مفيدا للقدرة الشرائية، إلا أنه يشكل في الواقع خطرا على الاقتصاد ككل إذ يحمل المستهلكين على إرجاء مشترياتهم بدل الإنفاق، على أمل الاستفادة من تراجع إضافي في الأسعار.
ويتصاعد القلق من أن تكون الصين بصدد مرحلة من التباطؤ الشديد في النمو الاقتصادي تشبه ما تسمى بفترة “العقود الضائعة” في اليابان التي شهدت ركودا في أسعار المستهلكين والأجور على مدى جيل كامل، وهو ما سيتناقض بشكل واضح مع التضخم السريع في باقي دول العالم.
ومع تراجع الطلب، تضطر الشركات إلى خفض إنتاجها وتجميد عمليات التوظيف أو تسريح موظفين، وتقر تخفيضات جديدة لتصريف مخزونها، ما يؤثر في مردوديتها مع بقاء تكاليفها بمستواها.
وانخفض مؤشر أسعار الاستهلاك الذي يعد المقياس الرئيس للتضخم في الصين إلى النطاق السلبي في يوليو مسجلا تراجعا بنسبة 0.3 في المائة بمعدل سنوي، بحسب أرقام نشرها مكتب الإحصاءات الوطني أمس.
وبعدما كان التضخم بنسبة الصفر قبل شهر، توقع محللون استطلعت وكالة “بلومبيرج” آراءهم انكفاء الأسعار، إنما بنسبة أكبر قدرها 0.4 في المائة، وعلى سبيل المقارنة، بلغت نسبة التضخم في يونيو 4.5 في المائة في فرنسا و3 في المائة في الولايات المتحدة.
ورأى المحلل كين تشونج من مصرف ميزوهو الياباني أن “الانكماش المالي يعكس واقع تباطؤ الانتعاش في الصين وضرورة اعتماد خطة نهوض قوية لتحفيز طلب غير كاف”.
ويوصي الكثير من الخبراء الاقتصاديين بمثل هذه الخطة لدعم النشاط الاقتصادي. غير أن السلطات تكتفي حاليا بتدابير محدودة وإعلان نيات تجاه القطاع الخاص دون تحقيق نتائج مقنعة.
ورأى الخبير الاقتصادي تشيوي تشان من شركة “بينبوينت أسيت ماناجمنت” أن الأرقام الاقتصادية الجديدة قد تضع الحكومة “تحت الضغط” وتحضها على مراجعة موقفها. في المقابل، عد المحلل تيم واترير من دار الوساطة في البورصة “كاي سي إم ترايد” أن “هذه الأرقام سيئة، لكن هل هي سيئة إلى حد يدفع بكين على اتخاذ تدابير جديدة على الفور؟” وشهدت الصين فترة قصيرة من انكماش الأسعار نهاية 2020 ومطلع 2021، نجم عن انهيار أسعار بعض أنواع لحوم، الأكثر استهلاكا في البلد. وتعود فترة انكماش الأسعار السابقة إلى 2009.
ويخشى الكثير من المحللين هذه المرة أن تكون الفترة أطول في ظل تعثر محركات النمو الرئيسة في الصين وارتفاع بطالة الشباب إلى مستوى قياسي تخطى 20 في المائة.
ورأى الخبير الاقتصادي أندرو باتسون من مكتب غافيكال دراغونوميكس أن أزمة القطاع العقاري الذي لطالما مثل ربع إجمالي الناتج المحلي في الصين، هو السبب الرئيس لهذه “الصدمة الانكماشية”.
ويزيد هذا المخاوف إزاء تضرر الأعمال بين الشركاء التجاريين الرئيسيين. وقال جاري نج محلل أول الاقتصاد في ناتيكسيس لمنطقة آسيا والمحيط الهادي “بالنسبة للصين، يبدو الفارق بين قطاعي التصنيع والخدمات واضحا بشكل متزايد ما يعني أن الاقتصاد سينمو بوتيرتين مختلفتين في بقية 2023 خاصة مع تجدد مشكلة العقارات”.
وأضاف “كما يظهر ذلك أن تعافي الاقتصاد الصيني الأبطأ من المتوقع ليس قويا بما يكفي لتعويض ضعف الطلب العالمي ويرفع أسعار السلع الأولية”. وتأتي البيانات بعدما أظهرت بيانات التجارة الصينية أمس الأول تراجع الصادرات والواردات في يوليو.
من جهة أخرى، سجل مؤشر أسعار الإنتاج انكماشا جديدا في يوليو للشهر العاشر على التوالي متراجعا بنسبة 4.4 في المائة وفق أرقام مكتب الإحصاءات.
ويعكس هذا المؤشر الذي يعد مقياسا لتكلفة البضائع عند خروجها من المصانع، وضع الاقتصاد بصورة عامة، وسبق أن تراجع بنسبة 5.4 في المائة في يونيو.
ويؤدي انكماش أسعار الإنتاج إلى تقليص هامش الربح للشركات. وصدرت هذه الأرقام الجديدة غداة نشر نتائج مخيبة للأمل للصادرات الصينية التي تشكل تقليديا دعامة أساسية للنمو.
وسجلت الصين الشهر الماضي أكبر تراجع في صادراتها بوتيرة سنوية منذ العام 2020 بلغ 14.2 في المائة، تحت وطأة طلب عالمي ضعيف وتباطؤ داخلي. وينعكس هذا الوضع مباشرة على عشرات آلاف الشركات التي باتت تواجه تباطؤا في نشاطها.
وتجعل هذه الظروف من الصعب على الصين تحقيق هدف النمو الذي حددته الحكومة بنحو 5 في المائة لهذا العام. ولم يتعد النمو الاقتصادي الصيني 0.8 في المائة بين الفصلين الأول والثاني من 2023، بحسب الأرقام الرسمية.
وفي هذه الأثناء، أعطت الصين تعليمات لخبراء الاقتصاد بعدم نقل أنباء تثير الهلع وخصوصا بشأن انكماش الأسعار، بحسب ما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية ووكالة “بلومبيرج”.
على صعيد آخر، واصلت الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين زخم انتعاشها في يوليو الماضي وسط تعزيز دعم السياسات للاقتصاد الخاص والاستثمار، حسبما أظهرت بيانات من جمعية صناعية أمس.
وارتفع مؤشر تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة 0.2 نقطة إلى 89.3 الشهر الماضي، وفقا لما ذكرته الجمعية الصينية للشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويحتوي المؤشر على مؤشرات فرعية متعددة لقياس أداء وتوقعات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وصعدت المؤشرات الفرعية لقطاعي العقارات والخدمات الاجتماعية بمقدار 0.3 نقطة الشهر الماضي، مسجلة أكبر الزيادات بين جميع القطاعات التي تم تتبعها.