انتعاش استثمارات النفط والغاز
أدى الارتفاع السريع في أسعار الطاقة في 2022، بعد التعافي من جائحة كورونا، والتقلبات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، إلى مخاوف من ندرة محتملة في الإمدادات، ومنافسة قوية بين المشترين على موارد محدودة.
يتساءل كثيرون إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟ وما إذا كانت الأسواق ستواجه أزمة أكثر حدة بسبب قلة الاستثمار في الطاقة خصوصا النفط والغاز؟
في هذا الجانب، حذر الرئيس التنفيذي لأكبر شركة نفط في العالم، أرامكو، من أن نقص الاستثمار المزمن في قطاع الهيدروكربونات سيحافظ على شح الإمدادات العالمية، ما يشير إلى ارتفاع أسعار الطاقة في المستقبل مع ازدياد وتيرة إعادة فتح الاقتصاد الصيني وعودة صناعة الطيران.
قال الرئيس التنفيذي: "هناك كثير من الإمكانات لنمو قطاع الطيران".
"ومع انفتاح الصين ونقص الاستثمار، هناك بالتأكيد قلق على المدى المتوسط إلى الطويل فيما يتعلق بالتأكد من وجود إمدادات كافية في السوق".
إن صدمة الطاقة الحالية هي مظهر من مظاهر المشكلة التي ستزداد سوءا ما لم يتحسن الاستثمار بشكل كبير.
في الواقع، الاستثمار في النفط والغاز الآن أقل من المستويات المرتفعة التي شوهدت في الأعوام الأولى من العقد الماضي، ومع ذلك، فقد مرت صناعة النفط والغاز دائما بدورات صعود وهبوط، في الأغلب استجابة للأسعار، حيث تحفز الأسعار المرتفعة الاستثمار، وتؤدي المنخفضة إلى تراجعه.
لأعوام، حذرت "أوبك" من عدم استثمار ما يكفي في إنتاج النفط والغاز على النطاق العالمي.
ومنذ أعوام، ظل نشطاء البيئة يطالبون بوضع حد حتى لتلك الاستثمارات المنخفضة. في غضون ذلك، يبدو أن ضغوط الطاقة في العام الماضي جعلت صناع القرار، خصوصا في أوروبا، يدركون حقيقة أنه سواء أحب نشطاء البيئة أم لا، فإن النفط والغاز يظلان أساسيين للاقتصاد العالمي. وبعد ما يقرب من عقد من نقص الاستثمار، بدأت صناعة الطاقة تنفق مرة أخرى على الإمدادات المستقبلية للنفط والغاز.
في هذا الجانب، ذكر جولدمان ساكس أخيرا، أنه يوجد حاليا 70 مشروعا كبيرا للنفط والغاز قيد التطوير على مستوى العالم، هذا العدد أكثر بنحو 25 في المائة عن 2020، على الرغم من أن 2020 بالكاد يمكن عده عاما عاديا لاتخاذ قرارات الاستثمار في أي صناعة باستثناء تكنولوجيا المعلومات. هذه أخبار جيدة لأولئك الذين يعدون أمن الطاقة أمرا مهما.
وفقا للبنك الاستثماري، أدت فترة نقص الاستثمار البالغة سبعة أعوام إلى انخفاض حاد في عمر الموارد للمشاريع المستقبلية، إضافة إلى عمر الحقول المنتجة بالفعل. مع انتعاش الاستثمار، قد يتغير هذا الآن.
يبدو أن السؤال هو ما إذا كان هذا الاستثمار ينتعش بسرعة كافية؟ وهل هناك فعلا فجوة في الاستثمار؟ أي الفرق بين ما يتم استثماره في صناعة ما، وما يجب استثماره من أجل تأمين عرض كاف لما تنتجه هذه الصناعة.
في هذا الجانب أيضا، حذر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو من وجود فجوة في الاستثمار.
بحسب المدير التنفيذي، قد يلعب تحول الطاقة والتزامات الحكومات بخفض الانبعاثات، ولا سيما من إنتاج النفط والغاز واستخدامهما، دورا في اتساع هذه الفجوة.
مع ذلك، ارتفع عدد المشاريع الكبيرة قيد التطوير في صناعة النفط والغاز العالمية من 57 في عام 2021 إلى 70 هذا العام، رغم التكثيف الملحوظ في التزامات تحول الطاقة التي تعهدت بها الحكومات، وتعهدات البنوك الاستثمارية بأنها ستكبح استثماراتها في النفط والغاز.
في الواقع، يبدو أنه على الرغم من كل هذه التعهدات، لا يزال التمويل متاحا لمشاريع النفط والغاز، فضلا عن استعداد الحكومات لدعم الوقود المشتق من البترول للحفاظ على انخفاض الأسعار. لقد رأينا ذلك العام الماضي في أوروبا، ما أثار استجابة قوية من دعاة التحول ونشطاء البيئة. ولا يقتصر الأمر على انتعاش الاستثمار الآن في إمدادات النفط والغاز الجديدة، ولكن الانتعاش سيستمر فترة من الوقت.
وفقا لمحللي بنك جولدمان ساكس، ستشهد الأعوام الخمسة المقبلة زيادة الإنفاق الرأسمالي السنوي بنحو 10 في المائة في المتوسط سنويا ـ وهو معدل صحي جدا. وهو أيضا معدل يظهر ارتفاع الطلب على النفط والغاز، الذي يتوقع كثيرون وصوله إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في الأعوام المقبلة، بما في ذلك "أوبك"، وكالة الطاقة الدولية، جولدمان ساكس وغيرهما. يحدث هذا مرة أخرى، رغم التزامات تحول الطاقة، وارتفاع أرقام تصنيع ومبيعات السيارات الكهربائية، والضغط المستمر والعاجل لتحويل توليد الطاقة من الغاز والفحم إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية بأسرع ما يمكن.
على مدار الأعوام القليلة الماضية، مع تسارع وتيرة تحول الطاقة، بدأ عديد من المديرين التنفيذيين في مجال النفط والغاز بالقلق من شأن قابلية هذه الصناعة للاستمرار على المدى الطويل.
إلى جانب الضغط من المستثمرين، لا بد أن هذا القلق أسهم في اتخاذ قرار بتقليل الإنفاق على الإنتاج المستقبلي. لكن، مع انتهاء جائحة كورونا، ومع استمرار الأزمة الأوكرانية، من الواضح أنه لا يوجد شيء مؤكد في هذا العالم، فضلا عن إمدادات الطاقة. ربما بدأ التفكير في التغير، خاصة مع وجود أدلة قوية على أن الطلب على النفط والغاز قوي ومتزايد.
ومع ذلك، هناك مشكلة. تكمن المشكلة في انخفاض عمر الموارد الذي أشار إليه جولدمان ساكس في تقريره، حيث انخفض عمر تلك الموارد إلى النصف في سبعة أعوام منذ عام 2014 لأن شركات التنقيب عن النفط والغاز استثمرت بشكل أقل في الاستكشاف. وكلما قل الاستثمار في الاستكشاف، قل العرض المستقبلي الذي نحصل عليه.
قد يعني هذا مزيدا من التشدد الدائم للإمدادات لفترة من الوقت، لكن الأهم من ذلك، أنه سيعزز حصة "أوبك" من الإمدادات العالمية، حيث يشير معظم المحللين إلى انتهاء ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة فعليا، إذ من المتوقع أن يستقر إنتاجها لبضعة أعوام، ومن ثم يبدأ بالتراجع بعد منتصف هذا العقد. وهذا سيعطي "أوبك" دورا أكبر في إدارة أسواق النفط، حيث إن دول المنظمة، ولا سيما في الشرق الأوسط، لها احتياطيات هائلة منخفضة التكلفة.
سيسهم هذا في استقرار أسواق النفط، وتأمين إمدادات مستقرة للمستهلكين، وأسعار عادلة لدول المنظمة والمنتجين الآخرين، وبما يتماشى مع أهداف "أوبك" المعلنة في النظام التشريعي للمنظمة.