تبسيط الاقتصاد العالمي المعقد «2 من 2»

للوهلة الأولى، تبدو احتمالات تمكن "الاحتياطي الفيدرالي" من تحقيق الهبوط الناعم واعدة. فقد تراجع التضخم عن ذروته التي تجاوزت 9 في المائة في العام الماضي إلى ما يزيد قليلا على 3 في المائة، ما يجعله أقرب كثيرا إلى الهدف 2 في المائة. من ناحية أخرى، يستمر إنفاق الأسر في دفع النمو الاقتصادي، كما أصبحت الميزانيات العمومية للشركات قوية. تشير هذه الظروف إلى أن الاقتصاد الأمريكي قادر على امتصاص التأثير التراكمي المترتب على رفع أسعار الفائدة من قبل "الاحتياطي الفيدرالي" بمقدار خمس نقاط مئوية، بينما يتجنب أيضا التأثيرات التي يخلفها النمو الصيني ومغازلة أوروبا للركود من حين إلى آخر.
لكن كما أشار نيال فيرجسون، المؤرخ الاقتصادي، أخيرا، فإن "إدارة السياسة النقدية لا تشبه على الإطلاق قيادة طائرة". يبدو هذا التشبيه قابلا للتطبيق بشكل خاص على "الاحتياطي الفيدرالي"، لأسباب عدة:
أولا، أصبح دليل تشغيل "الاحتياطي الفيدرالي" عتيقا باليا. الواقع أن "إطاره النقدي الجديد" كان مناسبا للعقد السابق عندما كان الطلب الكلي ناقصا، وليس هذا العقد الذي يتسم بعدم كفاية العرض الكلي.
ثانيا، أصبحت منطقة هبوط "الاحتياطي الفيدرالي" موضع شك، لأن هدف التضخم الذي يلاحقه قد يكون أكثر انخفاضا مما ينبغي، نظرا إلى الحقائق البنيوية والمزمنة الحالية.
ثالثا، مع تركيز "الاحتياطي الفيدرالي" المفرط على الظروف الفورية، قد تنتهي به الحال إلى إهمال أنماط الرياح التي تنتظره في المستقبل مع تغير ارتفاعه.
رابعا، بدأ "الاحتياطي الفيدرالي" تسلسل الهبوط متأخرا، بعد فترة أخطأ خلالها في توصيف التضخم، على أنه "مؤقت" قبل أن ينفذ أخيرا دورة مكثفة من زيادات أسعار الفائدة.
وأخيرا، ليس من الواضح ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي تعلم من أخطائه في التنبؤ والتواصل ما يكفي لتمكينه من إجراء تصحيحات المسار الضرورية.
صحيح أن الاقتصاد الأمريكي تحدى المتشككين بالحفاظ على نمو قوي أعلى من مستويات النمو في غيره من الاقتصادات الكبرى، على الرغم من أسعار الفائدة المرتفعة بشكل ملحوظ والرياح المعاكسة العاتية المقبلة من الخارج. لكن استمرار هذا الأداء الاستثنائي يتوقف على قدرة الاحتياطي الفيدرالي على ترسيخ معدل تضخم منخفض ومستقر دون أن يتسبب في إحداث حالة من الركود. إنها غاية تحتاج إلى إيجاد توازن دقيق، وكل ما قد يحدث سيؤثر بشكل كبير حتما في بقية الاقتصاد العالمي، والكيفية التي يتعامل بها صناع السياسات مع حالة انعدام اليقين غير العادية اليوم.
أتمنى أن نحتفل بعد ستة أشهر من الآن بنجاح بنك الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق الهبوط الناعم السلس، وتمكين الاقتصاد الأمريكي، والاقتصاد العالمي، من إدارة التحولات المزمنة والاستراتيجية المثيرة، على الرغم من كونها عصيبة، التي تنتظرنا في المستقبل. لكن أخشى ما أخشاه هو أن تكون هذه العملية أشد تعقيدا من توقعات عدد كبير من أهل الاقتصاد ومحللي السوق، ما يلقي بظلال كثيفة كان من الممكن تجنبها ذات يوم على واحدة من النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد العالمي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي