بعد أعمال النهب في السودان .. عرض بضائع مجهولة المصدر بأسعار زهيدة
وقفت بائعة في سوق جديدة نشأت على جانبي الطريق الذي يربط بين الخرطوم وود مدني جنوبا، تعرض أجهزة تلفزيون جديدة أقل من سعرها بأربع مرات على الأقل .. ولكن لا تسأل عن مصدر البضاعة إذا رغبت بالشراء.
على بعد 50 كيلومترا جنوب العاصمة السودانية حيث تتواصل المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد دقلو، نشأت هذه السوق الجديدة التي تحمل اسم "دقلو"، على اسم القائد العسكري.
وتقع سوق "دقلو" شمال ولاية الجزيرة التي استقبلت معظم النازحين من الخرطوم التي فر منها ثلاثة ملايين شخص منذ بدء الحرب في 15 أبريل، ويفرش الباعة بضائعهم على الأرض من أجهزة كهربائية ومواد بناء وقطع غيار سيارات إلى الأدوية والمواد الغذائية.
وقالت البائعة التي تعرض شاشات بأحجام مختلفة "الشاشة بـ 50 ألف جنيه (80 دولارا)"، بينما يبلغ سعرها في متاجر البيع 230 ألف جنيه (383 دولارا)، وكان من الواضح عدم دراية البائعة بأبعاد الشاشات أو مواصفاتها، إذ قالت باستنكار لأحد الزبائن حين سألها عن ذلك "ألا ترى بعينك؟".
من جانبه، قال مصدر أمني لـ "فرانس برس" إن "البضائع المعروضة في هذه الأسواق مسروقة .. لاحظ مدى انخفاض أسعارها"، وفي هذا الصدد يقول سكان من العاصمة إن أسواقا تحمل الاسم نفسه نشأت في الخرطوم، حيث يشكو الجميع نهب ممتلكاتهم من محال أو منازل أو سيارات في ظل المعارك المستمرة.
وقال محمد حسن خليفة أحد سكان مدينة بحري وهي ضاحية شمال الخرطوم "لقد سرقت جميع مقتنيات منزلي"، كما أكد أحمد عبد العال وهو صاحب محل الأجهزة الكهربائية بوسط الخرطوم "تم نهب معرضي ومخزني بالكامل".
وكان وكيل سيارات تويوتا بالسودان أعلن في بيان الأسبوع الماضي سرقة أكثر من ألف سيارة جديدة من مخازن الشركة ومعارضها، وكذلك قطع الغيار، من جهتها كانت قوات الدعم السريع أعلنت في يوليو بدء "حملة مكثفة لمحاربة عمليات النهب والتخريب خاصة عمليات سرقة السيارات المدنية".
تشتري أو تتحدث؟
في السوق، وقف بائع يعرض ثلاجات تحمل علامات تجارية مختلفة ولدى سؤاله عن سعرها، قال "الثلاجة سعرها 150 ألف جنيه (250 دولارا)". ويبلغ سعر هذه الثلاجة 450 ألف جنيه (880 دولارا) في المحال التجارية المرخصة، وبسؤال أحد الزبائن لبائعة عن مصدر بضاعتها، ردت غاضبة "تريد أن تشتري أو تتحدث".
وتتركز معارك السودان التي أسفرت حتى الآن عن خمسة آلاف قتيل بحسب منظمة أكليد، في العاصمة، إضافة إلى دارفور حيث حذرت الأمم المتحدة من أن ما يشهده قد يرقى إلى "جرائم ضد الإنسانية" والنزاع فيه يتخذ أكثر فأكثر أبعادا عرقية، وأدى النزاع الدائر إلى نزوح أربعة ملايين شخص من القتال، سواء داخل السودان أو إلى بلدان مجاورة.
وكانت منظمات حقوقية وإنسانية وثقت بحسب شهادات لسكان سواء في العاصمة أو في دارفور، جرائم قالت إن عناصر الدعم السريع ارتكبوها مثل السرقة والنهب والعنف الجنسي.
وكذلك دانت المنظمات الأممية ما تعرضت له مقارها ومخازنها من "أعمال نهب"، وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن في يونيو تعرض مخازنه وأصوله للنهب في مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان.
وتقع سوق "دقلو" في بلدة المسيد في منطقة يسيطر عليها الجيش وتبعد 10 كم عن آخر نقطة تفتيش لقوات الدعم السريع، وعلى الرغم من ذلك يغض الجميع النظر عن البيع والشراء ومصادر البضائع.
وكان الطريق الذي يفترش السوق جانبيه يعد في السابق يعج بحركة المسافرين والحافلات لكنه اليوم خاويا وتنتشر عليه نقاط تفتيش بعضها للجيش وأخرى يديرها رجال أمن بلباس مدني مسلحون ببنادق آلية، الأمر الذي جعل سكان البلدات والقرى علي جانبي الطريق يخشون من أن تمتد إليهم أعمال العنف والقتال.
وفي المسيد، وهي إحدى هذه البلدات، يقول عصام الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط لفرانس برس "لدينا مخاوف أن تصلنا الحرب وخصوصا أننا نسمع أصوات الاشتباكات عندما تقع شمال بلدتنا".