بايدن أمام بزوغ بطل فولاذي .. أو الأخذ بيد من حديد
أمريكا مولعة بالأشياء الكبيرة، كما علقت "فاينانشيال تايمز" في عام 1901 متعجبة من إنشاء شركة الفولاذ الأمريكية الجديدة، يو إس ستيل. مثل شلالات نياجرا، إن أول شركة في العالم يتم رسملتها بأكثر من مليار دولار كانت بحجم يصعب على الشخص العادي فهمه، كما ذكرت "فاينانشيال تايمز".
هذه "الاتحاد الاحتكاري الفولاذي العملاق"، الذي شكله أصحاب النفوذ بمن فيهم جون بيربونت مورجان، وأندرو كارنيجي، وتشارلز شفاب، سيصنع ثلثي الفولاذ في الدولة، ما يمنحه قوة تسعير هائلة.
كتبت "فاينانشيال تايمز": "ربما يؤدي هذا إلى تشريع احتكار ذي طابع متشدد"، متنبئة بالمعركة الطويلة لتفكيك "يو إس ستيل" التي فشلت في النهاية في 1920.
استقبلت أخبار الأسبوع الماضي عن معركة استحواذ تحاك لـ"يو إس ستيل" بذهول أقل. رفضت الشركة التي تتخذ من بيتسبرج مقرا لها عرضا بقيمة 7.3 مليار دولار من منافستها "كليفلاند كليفس"، وبدا أنها لا تأبه عندما تبع ذلك عرض من شركة إسمارك المملوكة الخاصة بقيمة عشرة مليارات دولار.
كلا المبلغين عبارة عن قطرات من شلالات نياجرا مقارنة بتقييمات من تريليون دولار تملكها شركات التكنولوجيا الرائدة في الدولة.
ربما لم يعد الفولاذ مستحوذا على الخيال الأمريكي أو يرمز إليه، لكن صيته المشهور يمكن أن يخبرنا شيئا عن كيفية سعي الرأسماليين اليوم إلى التوسع، وعما تريده الولايات المتحدة من صناعاتها الحيوية بما أنها لا تستطيع المنافسة عالميا الآن على نطاق كبير وحدها.
لا تزال "يو إس ستيل" تراجع "البدائل الاستراتيجية"، بما فيها عدة عروض غير مرغوب فيها لكامل الشركة أو أجزاء منها. ربما تظل مستقلة، مع أن قفزة أسعار الأسهم الأسبوع الماضي تشير إلى أن المستثمرين يراهنون على عملية بيع يمكن أن توجد شركة رائدة جديدة في الصناعة محليا وتعيد شركة صناعة فولاذ أمريكية إلى البطولات العالمية الكبرى.
لطالما كان الفولاذ رمزا لانجراف التصنيع إلى الدول ذات التكاليف الأقل. لم تصنف أي شركة أمريكية لصناعة الفولاذ ضمن أفضل 15 شركة في رابطة الفولاذ العالمية العام الماضي. كان لدى الصين تسع شركات في تلك القائمة.
مع ذلك، أعطت الأهمية السياسية الدائمة للصناعة صانعي الفولاذ في أمريكا سببا للتفاؤل في الآونة الأخيرة.
رحب رئيس "يو إس ستيل" التنفيذي، ديفيد بوريت، بفرض دونالد ترمب تعريفات تبلغ 25 في المائة على الفولاذ المستورد في 2018 باعتبارها تنفيسا عن 30 عاما من "قذف دول أخرى الرمال على وجوهنا".
في الآونة الأخيرة، اقترح بوريت بحماس أنه يجب إعادة تسمية قانون جو بايدن لخفض التضخم، مع حوافزه للاستثمار في الأشياء التي تشتد حاجتها إلى الفولاذ مثل السيارات الكهربائية، إلى قانون نهضة التصنيع. أظهرت الـ369 مليار دولار من الحوافز أن "المكان الذي أسميناه وطنا منذ أكثر من 120 عاما" بدأ يدرك أخيرا أن قاعدة تصنيع قوية أمر حيوي لأمنه في عصر تفكك العولمة، كما قال بوريت للمحللين الشهر الماضي.
كان في السطر الأول من إعلان عرض "كليفلاند كليفس" اعتزازا بالوطنية، الذي وعد بإنشاء شركة فولاذ أمريكية ستحتل المرتبة الأولى بين أفضل 10 شركات في العالم.
قالت إن الصفقة المرجوة ستضمن الاستثمار في المواد المتخصصة الحيوية لسلسلة التوريد، ما يعزز الأمن الاقتصادي لأمريكا.
لويورينكو جونكالفيس، رئيس "كليفلاند كليفس" الذي توقع ذات مرة أن المستثمرين الذين يراهنون ضد شركته سيتحسرون حتى الموت، ليس معروفا بلسانه الفصيح. لكن عرضه لشراء "يو إس ستيل" هو درس من خبير في أسلوب إقناع الرأسماليين من أصحاب المصلحة، حيث يرسم المجموعة الموسعة كرائدة في خفض الانبعاثات وفق معايير البيئة والمجتمع والحوكمة تركز على توفير وظائف نقابية، والابتكار للعملاء، وإفادة مجتمعاتها.
ببراعة، اختار جونكالفيس مجموعة من أصحاب المصلحة المهمين بضمانه دعم نقابة عمال الفولاذ في الولايات المتحدة، التي أشادت بـ"كليفلاند كليفس" لكونها "شركة متميزة". التناقض مع الأعوام الأولى لـ"يو إس ستيل"، بإضرابات احتجاجا على عملهم 84 ساعة في الأسبوع، لا يمكن أن يتضح أكثر، لكن على الصناعيين في القرن الـ21 كسب أوساط أكثر بكثير مما كسبه أسلافهم لبناء اتحادات منشآتهم.
قد تثبت واشنطن أنها أصعب طرف من أصحاب المصلحة هؤلاء في إقناعه. يجب أن يكون لحماس نقابة عمال الفولاذ في الولايات المتحدة لعرض "كليفلاند كليفس" ثقلا مع بايدن، وهو داعم نقابي مزعوم سيحتاج إلى دعم العمال لإعادة انتخابه. كما أن احتمال إنشاء شركة أمريكية ذات أهمية عالمية لصناعة الفولاذ يتناسب مع تبني إدارته للسياسة الصناعية.
بيد أن التوصل إلى اتفاق مع "كليفلاند كليفس" أو أي طالب آخر سيختبر إدارة كانت أجندتها لمكافحة الاحتكار أكثر صرامة من أي إدارة شهدتها واشنطن منذ عقود.
إذا كسب جونكالفيس تأييد هدفه، فسيحتاج إلى إقناع لجنة التجارة الفيدرالية التابعة لبايدن بأن الجمع بين شركتين من أكبر أربع شركات لصناعة الفولاذ في الدولة لن يضر بالمنافسة.
معا، ستسيطر على إمدادات الخام بالكامل في الدولة ونحو نصف إنتاجها من ألواح الفولاذ، التي تعتمد عليها صناعات رئيسة أخرى مثل شركات صناعة السيارات.
استلهمت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان أفكارها من القاضي لويس برانديز، الذي لم يشارك في قضية الفولاذ الأمريكية للمحكمة العليا عام 1920 بما أنه أدلى بالفعل بشهادة في الكونجرس ضد الشركة، لكنه أمضى تلك الحقبة في انتقاد "لعنة التوسع" في الصناعة. لقد تغيرت أساليب الرأسماليين جذريا منذ أيام مورجان وكارنيجي وشفاب، لكن التوترات بشأن الشركات الكبرى لم تتغير.
سنكتشف قريبا أي دافع أقوى في البيت الأبيض: الرغبة في وجود أبطال وطنيين في الصناعات الحيوية، أو الشك في الشركات التي تصبح قوية للغاية جدا.
يشير رد فعل السوق إلى أن المستثمرين يعتقدون أن أمريكا لا تزال مولعة بالأشياء الكبيرة. وكذلك هو حال وريث آخر للبارونات اللصوص ذوي الشوارب الذين أسسوا "يو إس ستيل"، على ما يبدو، فـ "جيه بي مورجان" يقدم المشورة لـ"كليفلاند كليفس".