الميزة الشعبوية وصناعة السياسات «2 من 3»
إذا كنا في احتياج إلى إيجاد فرص عمل، فلماذا لا نفرض تعريفات لحماية العمال؟ إذا كنا في احتياج إلى الإنفاق، فلماذا لا نطبع النقود وحسب "كما تملي النظرية النقدية الحديثة"؟ إذا كنا راغبين في إحياء التصنيع، فلماذا لا نؤكد على خطر الاعتماد على الصين؟ ولماذا لا نقدم إعانات الدعم وغير ذلك من الحوافز للشركات لحملها على إعادة عملياتها إلى الوطن أو نقلها إلى دول صديقة؟ إذا كان لزاما علينا أن نجعل النظام المالي آمنا، فلماذا لا نزيد متطلبات رأس المال على البنوك بدرجة أكبر؟
لأن الأرثوذكسية الليبرالية فقدت مصداقيتها في نظر جماهير الناس، فقد عادت إلى الظهور الآن وفرة من السياسات التي كانت معادية لها، لكن لا يقل عن هذا أهمية حقيقة مفادها أن جاذبية السياسات الشعبوية -رغم أنها لم تكن سليمة أو كانت فاشلة في الماضي- تكمن في أنها تبدو حقيقية بوضوح ويسهل نقلها. على حد تعبير كاتب المقالات الأمريكي هنري لويس منكن عندما قال ساخرا في مناسبة شهيرة: "لكل مشكلة معقدة، هناك حل واضح وبسيط وخاطئ".
فمن ذا الذي لا يرى أن تعريفات الاستيراد من شأنها أن تحمي بعض الوظائف المحلية على الأقل؟ ورغم أن الوظائف التي ستنقذها التعريفات الجديدة المفروضة على الصلب ستزيد من تكلفة تصنيع السيارات محليا، ما يؤدي إلى خسارة محتملة للوظائف في هذه الصناعة، فإن هذه النقطة تتطلب خطوة إضافية من إعمال الفكر والتأمل يصعب نقلها إلى الناس.
على نحو مماثل، قد تبدو فكرة الاستعاضة عن مورد من الصين بآخر من دولة صديقة كأنها تجعل سلسلة التوريد أكثر مرونة في مواجهة صراع محتمل بين الصين والولايات المتحدة، لكن هذا قد يخلق أيضا إحساسا زائفا بالأمان، خصوصا أن عددا كبيرا من الموردين الأصدقاء ما زالوا يعتمدون على الصين للحصول على مدخلات أساسية. بالمثل، ربما كانت زيادة متطلبات رأس المال لتجعل البنوك أكثر أمانا بعد الأزمة المالية العالمية، لكن الاستمرار في زيادتها لن يفضي إلا إلى زيادة تكاليف التمويل التي تتحملها البنوك، وبالتالي تقليص أنشطتها، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انتقال المخاطر إلى قطاع الظل المالي المبهم غير الخاضع للتنظيم.
خاص بـ«الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.