كيف نمنع اندلاع حرب بين أمريكا والصين؟ «2 من 2»

في حين أن الولايات المتحدة ربما بالغت في تقدير صعود الصين المحتمل، فإنها ربما تكون قد قللت من تقدير تفوقها في عديد من صناعات المستقبل وتكنولوجياته: الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وأشباه الموصلات، والحوسبة الكمومية، والروبوتات، والأتمتة، ومصادر الطاقة الجديدة، مثل الاندماج النووي. فقد استثمرت الصين بصورة مكثفة في بعض هذه المجالات في إطار برنامج "صنع في الصين 2025"، لكن هدفها المتمثل في تحقيق الهيمنة في الأمد القريب على عشر صناعات في المستقبل يبدو الآن بعيد المنال.
إن المخاوف الأمريكية بخصوص هيمنة الصين على آسيا مبالغ فيها أيضا، فالصين محاطة بما يقرب من 20 دولة، وعديد منها منافس استراتيجي لها أو "صديق معاد لها" ـ وأغلب حلفائها القلائل، مثل كوريا الشمالية، يستنزفون مواردها. وفي حين كان من المفترض أن تعمل مبادرة الحزام والطريق على تكوين صداقات جديدة وإيجاد تبعيات جديدة، فإنها تواجه عديدا من التحديات، بما في ذلك المشاريع الضخمة الفاشلة "الأفيال البيضاء" التي تؤدي إلى التخلف عن سداد الديون. ومع أن الصين ترغب في السيطرة على الجنوب العالمي و"دوله المتأرجحة" على المستوى الدولي، فإن عديدا من القوى المتوسطة يقاوم هذا الطموح ويتصدى له.
لقد فرضت الولايات المتحدة عن حق بعض العقوبات لإبقاء التكنولوجيات الرئيسة بعيدة عن أيدي المؤسسة العسكرية الصينية، وإحباط سعي الصين نحو الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي. لكن يتعين عليها أن تكون حريصة على جعل استراتيجيتها مقصورة على استراتيجية إزالة المخاطر، بدلا من الفصل، بصرف النظر عن بعض عمليات الفصل التكنولوجي الضرورية، والقيود المفروضة على الاستثمار المباشر في الصين والولايات المتحدة. وبينما تحدد الصين القطاعات التي يتعين عليها إدراجها في نهج "سياج عالي حول ساحة صغيرة"، يتعين عليها أن تتجنب الذهاب إلى أبعد من ذلك. إن العقوبات التجارية التي فرضها دونالد ترمب على الصين تنطبق على مجموعة واسعة من السلع الاستهلاكية، وينبغي إلغاء أغلبها تدريجيا.
وفيما يتعلق بتايوان، يتعين على الولايات المتحدة والصين أن تحاولا التوصل إلى تفاهم جديد لنزع فتيل التصعيد الخطير اليوم. ويتعين على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن يعيد التأكيد بوضوح على مبدأ صين واحدة وأن يعيد مواءمة التزاماته وتصريحاته العامة مع مبدأ "الغموض الاستراتيجي". ويتعين على الولايات المتحدة أن تبيع لتايوان ما تحتاج إليه من أسلحة للدفاع عن نفسها، لكن ليس بالسرعة أو النطاق اللذين قد يدفعان الصين إلى غزو الجزيرة قبل أن تتقدم قواتها الدفاعية التي تعتمد استراتيجية "النيص" بعيدا جدا. ويتعين على أمريكا أيضا أن تقول بوضوح إنها تعارض أي تحرك تايواني نحو الاستقلال الرسمي، ويتعين عليها أن تتجنب الزيارات رفيعة المستوى مع الزعماء التايوانيين.
من جانب الصين، يتعين على هذه الأخيرة أن توقف توغلاتها الجوية والبحرية بالقرب من تايوان. ويجب أن تذكر بوضوح أن إعادة التوحيد في نهاية المطاف ستكون سلمية تماما ومتفق عليها بصورة متبادلة، ويتعين عليها أن تتخذ خطوات جديدة لتحسين العلاقات عبر المضيق، وينبغي لها نزع فتيل التوترات مع جيرانها الآخرين بشأن النزاعات الإقليمية.
ويجب أن يتبع كل من الصين وأمريكا سياسات من شأنها أن تقلل من التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، وتعزز التعاون السليم فيما يتعلق بالقضايا العالمية، مثل تغير المناخ، وتنظيم الذكاء الاصطناعي. وإذا أخفقتا في التوصل إلى تفاهم جديد بشأن القضايا التي تشعل فتيلة مواجهتهما الحالية، فستصطدمان في النهاية. وهذا من شأنه أن يؤدي حتما إلى مواجهة عسكرية من شأنها أن تدمر الاقتصاد العالمي، بل ربما تتصاعد إلى صراع "نووي" غير تقليدي. وتتطلب المخاطر العالية امتناع كلا الجانبين عن استخدام القوة العسكرية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي