إعادة النظر في النمو والعودة إلى ريادة الأعمال «2 من 2»
يتعلق فرض الطابع المالي في أغلب الأحيان باستخراج القيمة وتعظيم الأرباح في الأمد القريب، وليس إيجاد القيمة من أجل المجتمع ككل. لتحقيق النمو الشامل، يتعين علينا أن ندرك أن العمال هم من يوجدون القيمة الحقيقية، ويجب أن تكون مصالحهم حاضرة بوضوح في المناقشات حول توزيع الدخل والثروة.
من هذا المنطلق، كان الموقف الجديد الذي اتخذه حزب العمال في المملكة المتحدة بشأن حقوق العمال مثيرا للقلق. ففي محاولة عفوية لاجتذاب قادة الشركات وتفنيد المزاعم بأنه "مناهض للأعمال"، خفف حزب العمال التزامه المعلن في السابق بتوفير قدر أكبر من الحماية للعاملين في وظائف مؤقتة. ولكن ينبغي لنا ألا ننظر إلى النمو القائم على الاستثمار وحقوق العمال بوصفهما أولويتين متنافستين. الواقع أن إيجاد التوازن بين المشاركة من جانب الشركات والالتزام تجاه العمال لا يشكل ضرورة أساسية لتحقيق النمو الشامل فحسب، بل قد تبين بالفعل أن هذا التوازن يعمل على تعزيز الإنتاجية والنمو في الأمد البعيد.
لن ينمو الاقتصاد في اتجاه مرغوب اجتماعيا من تلقاء ذاته. كما أكدت قبل عشرة أعوام فإن الدولة يجب أن تضطلع بدورها المهم في ريادة الأعمال. بعد المحاولات التي بذلتها الحكومات أخيرا لدفع عجلة اقتصاداتها في أعقاب الجائحة، من الواضح أننا لا نزال في احتياج إلى التفكير بطريقة جديدة حول كيفية تحقيق النمو الذي لن يكون "ذكيا" فحسب، بل يجب أن يكون أيضا أخضر وشاملا.
تحتاج الحكومات إلى خرائط طريق للسياسة الاقتصادية ذات أهداف واضحة، استنادا إلى أكثر ما يهم الناس والكوكب. ويجب أن يكون الدعم العام للشركات مشروطا بالاستثمارات الجديدة التي ستعمل على "البناء بشكل أفضل" نحو اقتصاد حقيقي أكثر اخضرارا وشمولا. لنتأمل هنا قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم في الولايات المتحدة، الذي يستهدف تعزيز صناعة أشباه الموصلات المحلية. يحظر القانون استخدام الأموال لإعادة شراء الأسهم، وبوسع المرء أن يتخيل بسهولة فقرات إضافية تشترط إعادة استثمار أرباح المستقبل في تدريب قوة العمل.
لكن للمساعدة على توجيه النمو في الاتجاه الصحيح، يتعين على الحكومات أن تعمل أيضا على تنفيذ استثمارات موجهة نحو أهداف بعينها في حدود قدراتها وأدواتها ومؤسساتها. لقد تسبب نقل تصنيع قدرات أساسية إلى الخارج في تقويض قدرة الحكومات على الاستجابة للاحتياجات والمطالب المتغيرة، ما أدى في النهاية إلى الحد من قدرتها على إيجاد النمو الهادف والقيمة العامة بمرور الوقت. الأمر الأسوأ من هذا أن القطاع العام، مع تفريغ قدراته وخبراته، أصبح أكثر عرضة لاستيلاء المصالح الخاصة عليه.
لن يتسنى للحكومات تعبئة الموارد وتنسيق الجهود بنجاح مع الشركات الراغبة في العمل نحو تحقيق أهداف مشتركة إلا من خلال امتلاك القدرات والكفاءات المناسبة. تتطلب الاستراتيجية الصناعية الموجهة نحو المهام أن يعمل القطاعان العام والخاص معا بشكل تكافلي. الواقع أن هذا النهج، إذا أدير على النحو الصحيح، كفيل بتعظيم الفوائد العامة والقيمة لمصلحة أصحاب المصلحة في الأمد البعيد، حيث يصبح النمو القائم على الإبداع مرادفا للنمو الشامل.
السؤال الذي ينبغي لنا أن نطرحه الآن ليس ما هو حجم النمو الذي يمكننا تحقيقه، بل ما هو نوع ذلك النمو. لتحقيق ناتج اقتصادي أكبر وأكثر شمولا واستدامة، يجب أن تحتضن الحكومات إمكاناتها بحيث تصبح موجدة للقيمة وتتحول إلى قوى جبارة تعمل على تشكيل الاقتصاد. من خلال إعادة توجيه المنظمات العامة حول أهداف طموحة -بدلا من الهوس بأهداف النمو الضيقة- يصبح بوسعنا التصدي للتحديات الكبرى في القرن الـ21 وضمان نمو الاقتصاد في الاتجاه الصحيح.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.