«باربي» تحاول اكتشاف سعادتها الحقيقية في عالم البشر

يصح القول فيه إنه ملأ الدنيا وشغل الناس، ونجح في استقطاب إقبال جماهيري تاريخي منذ بدء عرضه في صالات السينما رغم موجات الانتقاد التي طالته.. "باربي" فيلم يتناول قصة الدمية الأشهر في العالم، لكن ليس من باب الجمال والنحافة والشعر الأصفر كما عرفت منذ بدايتها، إنما يطرح موضوع باربي الدمية التي تسعى جاهدة كي تصبح كائنا بشريا وتعود إلى العالم الحقيقي، كرمز من رموز الأنوثة.
تبدأ القصة عندما يتم طردها من مدينة باربي لاند لأن صفاتها أقل من المعايير المطلوبة، وتحاول العثور على سعادتها في مجتمع يحكمه الرجل ويتحكم في أدق تفاصيله، وتخوض أحداثا كثيرة من أجل إثبات جدارتها والعودة إلى الوطن. كما تجمعها قصة حب مع "كين" الرجل الدمية الذي يختار الذهاب معها واختبار عالم البشر ويتماهى مع شخصية الرجل في المجتمع البشري بشكل كبير حيث تظهر عليه مشاعر الغيرة والخوف من خسارتها نتيجة اختلاطها برجال العالم الحقيقي.
باربي لاند والنسوية
باربي لاند مجتمع أمومي تتمتع فيه جميع النساء بالثقة بالنفس والاكتفاء الذاتي والنجاح، وتشغل جميع المناصب المهمة مثل الأطباء والمحامين والسياسيين، بينما تعيش دمى الرجال حالة من عدم المسؤولية تمضي أوقاتها على الشاطىء تمارس مختلف الأنشطة الترفيهية. هذا المجتمع الوهمي الذي وجد بعد دخول لعبة باربي حياتنا منذ 1969، ينقل صورة معاكسة عن المجتمع البشري الحقيقي، هناك تمسك النسوية بزمام الأمور بينما هنا تحكمنا ذكورية مطلقة.
تستوحي مخرجة الفيلم شخصياتها من عالم باربي، وتدور الشخصيات في فلك هذه اللعبة التي لم تأت لعبة تنافسها من حيث الشهرة والجمال، ونتابع باربي بصورتها النمطية، الفتاة الشقراء الجميلة، وباربي ذات البشرة السوداء، وباربي السمينة، وباربي غريبة الأطوار الحكيمة المنبوذة والمشوهة، التي بدورها تنصح باربي بالسفر إلى العالم الحقيقي وإيجاد طفل تلعب معه، كي تكسر الروتين الذي أتعبها في مدينتها باربي لاند، وجعلها تخاف من الموت وتفكر فيه خاصة بعد أن تسطحت قدماها وظهرت السلوليت على جسدها. تحاول باربي السفر بمفردها لكن صديقها كين يختبئ في سيارتها ويفرض نفسه عليها ويجبرها على القبول به شريكا لها في حياة البشر حتى لو على مضض.
باربي وساشا وجلوريا
عند الوصول إلى ڤنيس بيتش، تتسبب باربي وكين في عديد من السلوكيات الغريبة ويتم القبض عليهما، ما يثير قلق الرئيس التنفيذي لشركة ماتيل، الذي يأمر بالقبض عليهما. تتعقب باربي مالكها، وهي فتاة مراهقة تدعى ساشا، التي تنتقدها لتشجيعها معايير جمال غير واقعية. تكتشف باربي المذهولة أن جلوريا، موظفة في شركة ماتيل ووالدة ساشا، هي العامل المحفز لأزمتها الوجودية، بدأت جلوريا اللهو بألعاب باربي من ساشا بينما كانت تعاني أزمة الهوية، ونقلت مخاوفها عن غير قصد إلى باربي. تنقذ جلوريا وساشا باربي من الرئيس التنفيذي لشركة ماتيل ومرؤوسيه، ويسافر الثلاثة معا إلى باربي لاند.
ما معنى أن تكون امرأة؟
إذا أمعنت القراءة بين السطور تكتشف أن فيلم "باربي" يطرح قضية المساواة بين المرأة والرجل، وينقل صورا نمطية لمجتمع بشري يحكمه البشر، وصورة وهمية لمجتمع نسوي تحكمه دمية، وحين تنقلب الأدوار ويقرر كين إخضاع باربي لأدوار خاضعة كالخادمات وربات البيوت والصديقات، تقوم ألان وهي باربي غريبة الأدوار بمساعدة ساشا وجلوريا بتحرير باربي نفسها من دمى كين، ومنعه من تعديل الدستور لتكريس التفوق الذكوري، كما تدرك دمى باربي خطأ نظامها المجتمعي السابق، وتقرر إجراء بعض التعديلات والتغييرت في باربي لاند بما في ذلك تقديم علاج أفضل لدمى كين وجميع الدمى المنبوذة.
باربي والأمومة
باربي التي تعاني أزمة هوية، وتبحث في أسئلة وجودية لا تستغني عن فكرة العائلة ولم تطالب بالعيش في مجتمع أنثوي محض، بل هي تبحث عن دور أكبر لها في العالم البشري، خاصة بعد اكتشافها أن من يدير شركة باربي في الحقيقة هو رجل، فكيف يؤمن بحق المرأة في الحصول على كل ما تريده في عالم الدمى الوهمي، بينما يرفض حصولها على أدنى حقوقها في عالمه البشري. يوجه الفيلم رسالة مؤثرة ولافتة عن الأمومة، ويدور إلى حد كبير حول مسألة العائلة، والإيمان حيث يتحتم على باربي الإيمان لتدرك جمال البشرية، وإسدال الستارة على مشهد حصول باربي على أول موعد لها لدى طبيب النساء كأول خطوة لها بعد أن قررت التحول من دمية إلى بشر، فيه رسالة واضحة لأهمية العائلة واستمرارية الحياة الزوجية بجناحيها المرأة والرجل كي يؤمن هذا التوازن سير الحياة بوتيرة متناغمة صحيحة وصحية.

الموسيقى
تعد الموسيقى المصاحبة لأي عمل فني خاصة السينمائي مكملا أساسيا للعمل خصوصا إن كان العمل ترفيهيا، الغرض منه جذب المشاهد بالصوت والصورة والإحساس، من هنا جاءت موسيقى الفيلم تخاطب فئة المراهقين، تنتمي إلى عالمهم وتشبه أفكارهم أو تعبر عنها. وقد تم اختيار مختارات كلاسيكية ألفها مارك رونسون واندرو وات، كما استدعيت المقدمة المؤثرة والشهيرة من القصيدة السيمفونية المعنونة "هكذا تكلم زرادشت" من تأليف الألماني ريتشارد شتراوس، التي شاع استخدامها في السينما. لا تسعى أي من الأغاني التي تضمنها فيلم باربي إلى تجاوز العبوة التجارية المعهودة لفيلم الاستعراض الجماهيري. ليس ثمة من أغنية تكبدت عناء الخروج من العلبة، كما فعلت الدمية البطلة، وذلك في سبيل خوض رحلة كشف معنى أشد غورا للوجود، وطرح الأسئلة عن الغاية منه، بغية التحرر من حدود الجسد المادي، سواء أكان لحما ودما، أم من البلاستيك.
فيلم مثير للجدل
أثار فيلم "باربي" جدلا كبيرا حوله، دول قبلت عرضه وأخرى منعت، وحتى داخل أمريكا نفسها البعض عده يفتقر إلى الإيمان وروح العائلة بينما وجده البعض الآخر صرخة محقة بإطار كوميدي وردي بسيط، يناقش مجموعة من الأفكار عن النسوية، والصورة التي ينبغي أن يكون الرجال عليها. وهذا الانقسام الحاد في الرأي بين من وصفه بالمذهل والكوميدي والذكي، وبين من عده يحمل أجندة مناهضة للإنسان كما صرح أيلون ماسك، زاد الإقبال على مشاهدة الفيلم، وأسهم في ارتفاع نسبة إيراداته بشكل خيالي، حتى يكون من أقوى الأفلام التي استقطبت جمهورا في 2023.
سواء أحببت الفيلم أو انتقدته تبقى حقيقة واحدة ثابتة أن الفيلم لم يأت بأي جديد ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتم فيها معالجة مواضيع عن النسوية، فقد أثارت كثير من الكتب العربية والأجنبية الموضوع، وناقشت أهمية النجاح المهني للأنثى وتأثيره في الحياة والمجتمع، وكيفية السعي للتخلص من القيود التي فرضتها مفاهيم النسوية والذكورية بقوالب ثابتة ضيقة، في حين أن النسوية تحتاج إلى الرجال لإيجاد عالم أفضل، بينما يحتاج الرجال إلى النسوية في إيجاد حياة أفضل لأنفسهم.