السعودية والهند .. 7 عقود من الشراكة الاستراتيجية والمصالح المشتركة
تربط السعودية والهند علاقات تاريخية وطيدة تمتد لأكثر من 75 عاما، عمل خلالها البلدان على تطوير علاقاتهما للوصول لمستوى الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات السياسة والاقتصادية والتجارية والطاقة النظيفة.
وارتسمت ملامح العلاقات بين الدولتين الصديقتين على المستوى القنصلي عام 1947، حينما عين قنصل عام للمملكة في مومبي، وفي 1955، ارتفع مستوى التمثيل إلى مستوى سفارة، وتبعها زيارة مهمة في العام ذاته للملك سعود ما عزز العلاقات بين البلدين الصديقين.
وأسهمت العلاقة الوثيقة بين قيادتي البلدين في تعزيز وتطوير التعاون بين البلدين، حيث شهد العقد الماضي زيارات ثنائية متعددة، إذ زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في فبراير 2014، الهند حينما كان وليا للعهد، تلبية لدعوة من نائب رئيس الهند محمد أنصاري، التقى خلالها برئيس الهند براناب موكرجي، وعقد محادثات مع رئيس الوزراء الدكتور مانموهان سينغ.
وأكد الجانبان خلال المحادثات أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ومواصلة تطوير العلاقات في جميع المجالات بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما، ونوها بالنتائج الإيجابية لاجتماعات الدورة العاشرة للجنة السعودية الهندية التي انعقدت في الرياض خلال يناير 2014، وما صدر عنها من توصيات لتعزيز التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتقنية.
وفي أبريل 2016 استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصر اليمامة، دولة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي في زيارة قام بها للمملكة، وهي الزيارة الرابعة لرئيس وزراء من الهند منذ زيارة رئيس الوزراء جواهر لال نهرو عام 1956.
وشهدت الزيارة توقيع اتفاقية تعاون وبرنامجي تعاون وبرنامج تنفيذي ومشروع مذكرة تفاهم بين المملكة والهند، وتوقيع برنامج تعاون لترويج الاستثمارات بين الهيئة العامة للاستثمار في المملكة وهيئة الاستثمار الهندية وعدة اتفاقيات أخرى في مجالات مختلفة.
وصدر بيان مشترك أكد فيه القائدان أهمية مواصلة توطيد العلاقات الاستراتيجية الثنائية في إطار مسؤوليتهما تجاه تعزيز السلام والاستقرار والأمن في المنطقة وفي العالم، وذلك في مجالات الأمن والدفاع والتعاون لخدمة المصالح المشتركة لكلا البلدين وشعبيهما.
وعلى هامش قمة قادة مجموعة العشرين التي أقيمت بمدينة هانغجو الصينية في سبتمبر 2016، التقى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لبحث فرص التعاون الثنائي، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات.
وفي نوفمبر 2018 التقى ولي العهد في مقر إقامته بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس على هامش قمة العشرين بالأرجنتين، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وتم خلال اللقاء استعراض آفاق التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية والزراعية والطاقة والثقافة والتقنية.
وبناء على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز واستجابة لدعوة من رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، قام الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء بأول "زيارة دولة" له إلى الهند في فبراير 2019، حيث كان في مقدمة مستقبليه في المطار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وعقد ولي العهد ورئيس وزراء الهند اجتماعا موسعا جرى خلاله استعراض العلاقات المتميزة بين المملكة والهند، وبحث آفاق التعاون الثنائي بين البلدين وفرص تطويره، إضافة إلى بحث تطورات الأحداث الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة تجاهها.
وأسست زيارة ولي العهد عهدا جديدا من علاقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، إذ تم خلالها إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي الهندي، بقيادة ولي العهد، ورئيس الوزراء الهندي، وبتمثيل وزاري واسع يغطي جميع مجالات التعاون بين البلدين.
وأسهم تأسيس مجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهندي في تطوير التعاون بين البلدين في شتى المجالات من خلال مواءمة رؤية 2030 وبرامج تحقيق الرؤية مع مبادرات الهند الرائدة "اصنع في الهند" و"ابدأ من الهند" و"المدن الذكية" و"الهند النظيفة" و"الهند الرقمية".
وفي يونيو 2019، التقى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على هامش قمة قادة دول مجموعة العشرين المنعقدة في مدينة أوساكا اليابانية، رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وجرى خلال اللقاء، استعراض علاقات الصداقة المتميزة بين البلدين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، إضافة إلى بحث عدد من الموضوعات المدرجة على جدول أعمال قمة العشرين.
واستمرارا للزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أكتوبر 2019، رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وعقد الجانبان جلسة محادثات استعرضا خلالها العلاقات الثنائية التاريخية الوثيقة التي تربط البلدين الصديقين وشعبيهما، وتبادلا الآراء حول المسائل الإقليمية والعالمية ذات الاهتمام المشترك، ونوها بعلاقات الصداقة والشراكة التي تجسد الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية بين شعبي البلدين، والفرص المشتركة الكبيرة التي تتيح زخما قويا لتنمية العلاقات بين البلدين الصديقين.
وتعد المملكة والهند دولتين مهمتين في استقرار الاقتصاد العالمي وكذلك في أمن واستقرار المنطقة، تتميزان بعلاقة فريدة أسهمت في تشكيلها روابط اقتصادية واجتماعية وثقافية تاريخية، تتطور بما يناسب مكانتيهما بوصفهما عضوين فاعلين في مجموعة العشرين.
ورسمت العلاقات التجارية بين الهند والمملكة مسار نمو غير مسبوق، إذ تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، بينما تعد المملكة رابع أكبر شريك تجاري للهند، وثاني أكبر مورد للنفط إلى الهند، كما برزت الجالية الهندية في المملكة مصدرا رئيسا للتحويلات الأجنبية في الهند.
وتتميز العلاقة التجارية بين الهند والمملكة بأنها إحدى العلاقات الثنائية الأكثر استراتيجية لكلا الدولتين، وتتمتع المملكة بكونها المزود الأول للنفط بالنسبة للهند بموقع يتيح لها الاستفادة من طفرة الطلب على الطاقة لأنها ثالث أكبر اقتصاد آسيوي، حيث تعتمد الهند في جزء كبير من وارداتها البترولية على إنتاج المملكة.
وتشهد العلاقات الهندية السعودية الاقتصادية الثنائية ارتفاعا ملحوظا، حيث تقدم المملكة فرصا عديدة للشركات والمستثمرين الهنود، نظرا للخبرة التي يمتلكونها، لا سيما في المجالات الرئيسة مثل البناء، وتكنولوجيا المعلومات، والصلب والألمنيوم، والصناعات، ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في المملكة 400 شركة، في حين يبلغ عدد الشركات السعودية في الهند 40 شركة.
وبلغت قيمة صادرات المملكة غير النفطية للهند 30.5 مليار ريال خلال 2022، في حين بلغت قيمة الواردات غير النفطية 34.4 مليار ريال، وبلغ حجم الميزان التجاري للمملكة 3.9 مليار ريال خلال 2022.
وتمثلت أعلى القطاعات تصديرا من السعودية في 2022: البتروكيماويات، الخردة، المعادن الثمينة والمجوهرات، مواد البناء، الآلات الثقيلة والإلكترونيات، فيما تمثلت أعلى القطاعات استيرادا من الهند في 2022: المنتجات الغذائية، مواد البناء، البتروكيماويات، السيارات، الآلات الثقيلة والإلكترونيات، ويسهم الصندوق الصناعي السعودي في تمويل ثمانية مشاريع مشتركة بين السعودية والهند بلغت قيمتها 208.4 مليون ريال.
وتعكف الهند على المشاركة في الدور الاستثماري لتحقيق برامج رؤية 2030 في ظل وجود فرص كبيرة للشركات الهندية للعمل في المملكة خاصة في مشاريع الطاقة الكهربائية من توليد ونقل وتوزيع وبناء شبكات ذكية، مع تنامي الطلب على الطاقة الكهربائية في المملكة بشكل مستمر، وأمام الشركات الهندية فرص واعدة للاستثمار في قطاع الكهرباء السعودية سواء في مرافقه أو بنيته التحتية.
ويقدم قطاع البترول والبتروكيماويات بالمملكة العديد من الفرص لشركات النفط الهندية، خاصة في قطاع التكرير والتسويق، حيث يمكن للشركات الهندية استكشاف الإمكانات للاستثمارات والمشاريع المشتركة مع الشركات السعودية.
وتولي أرامكو السعودية السوق الهندية اهتماما بالغا ليس فقط عميلا وموردا للخدمات والمواد، بل لكونها أولوية استثمارية لأعمال أرامكو المستقبلية، ففي أكتوبر 2017، افتتح رئيسها بالعاصمة الهندية نيودلهي، مكتب "شركة أرامكو آسيا الهند" إذ أحدث فصلا جديدا في العلاقة بين السعودية والهند، ويمثل المكتب حلقة وصل استراتيجية بين مقر إدارة الشركة في الظهران ونيودلهي.
وتعد أرامكو طرفا رئيسا في السوق الهندي عبر واردات الطاقة لمصافي التكرير الهندية، وهناك إمكانية كبيرة أعلى من توريد النفط الخام والمنتجات المكررة والغاز المسال، إلى مجالات جديدة للبحث والتطوير، والهندسة، والتقنية، في حين، يمكن للهند أن تقدم مزايا تنافسية من حيث التكلفة والقدرات.
ووقعت أرامكو السعودية في أبريل 2018، مذكرة تفاهم مع مجموعة شركات "راتانجيري التكرير والبتروكيميائيات المحدودة"، المكونة من تحالف شركات البترول الهندية الكبرى وهي "مؤسسة النفط الهندية المحدودة"، وشركة "بهارات بتروليوم كوربوريشن" المحدودة، وشركة "هندوستان بتروليوم كوربوريشن" المحدودة، وتنص مذكرة التفاهم على تطوير مصفاة ضخمة ومجمع بتروكيميائيات متكامل في مدينة "راتانجيري" في الساحل الغربي من الهند.
وتجمع هذه الشراكة الاستراتيجية بين إمدادات النفط الخام، والموارد والتقنيات والخبرات والمعرفة التي تتمتع بها الشركات الموقعة التي تحظى بوجود تجاري في جميع أنحاء العالم.
ومن الشركات الكبرى المستثمرة في الهند "سابك"، ولديها مركز أبحاث، كما فازت الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري بجائزة "أفضل خط شحن للعام" عن فئة مشغل ناقلات البضائع العامة، ضمن "جوائز ماريتايم الهندية " 2017، لتؤكد المكانة الريادية للشركة في القطاع البحري في آسيا والشرق الأوسط، ومحفزا على توسيع وجود الشركة في الهند التي تمثل سوقا استراتيجيا مهما لها، وتأتي هذه الجائزة دليلا على التزام البحري تجاه السوق الهندية، وعلى ثقة قاعدة عملائها المتنامية بها، وتشكل الجالية الهندية في المملكة أكبر الجاليات الأجنبية بـ 3.6 مليون مقيم، تتوزع أعمالها في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والبناء.
وتأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، للهند بعد مشاركته في اجتماع دول مجموعة العشرين الذي استضافته الهند، حيث قدمت المملكة دعما ملموسا لأولويات أجندة الرئاسة الهندية، وحققت مستوى التزام عاليا بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من تعهدات في مختلف مجموعات العمل.