قيم الوظيفة
تطور مفهوم الوظيفة ليصبح سلوكا أصيلا في المجتمعات، وصناعة الوظائف تخصص قائم بذاته، وفي الشبكات والنوادي المختصة بالتوظيف وتأهيل رأس المال البشري يلحظ الاهتمام بالجوانب التطويرية والمعرفية والعلمية والمهارية، وقليلا ما يتطرق للقيم السلوكية التي تعد حاكمة وفاصلة في القضايا المهنية.
الالتزام، والانضباط، والأمانة، والنزاهة، والصدق، قيم أصيلة لذا من المتوقع أن يتحلى بها الموظف من الأساس، ويقل أن تكون ضمن أسئلة المقابلات أو معايير الأداء أو مقاييس التقييم وبرامج التدريب.
تقارير "نزاهة" الدورية تكشف بكل شفافية ووضوح عن أهمية التركيز على تعزيز القيم السلوكية للمجتمعات الوظيفية، إن هذه التقارير واقعية ولا يعني هذا أننا وسط مجتمع أفلاطوني، فالأهواء تغوي والطمع يعيش بين المكاتب، وهذا وضع بشري لا يمكن نفيه، لكن الأهم هو التوعية بمآلات القيم الذميمة.
ثمة حالتان، يقاس عليهما ما تبقى، أولاها الغش الذي تدور مرادفاته على التزوير، والكذب، والخداع، ويقع في البيوع والتجارات والوظائف كما في تزوير الوثائق والخطابات والتقارير الطبية، والهندسية أو الإدارية، كأن يكتب المدير تقريرا مزورا عن موظف، ويطول ذلك الإجازات العادية ونظيرتها المرضية أو الحصول على وثائق غير رسمية، أو شهادات علمية مزورة وكل ذلك باطل وما بني عليه باطل، وما أحرى المؤسسات أن تراجع هذه الجوانب غير المشرقة. ثم إن من نماذج الأنماط المهنية الذميمة التسيب، ومعناه اللغوي هو الترك، واصطلاحا عدم الانتظار في الدوام المتفق بين وقت الدوام وصاحب العمل والموظف الحكومي والأهلي قد أقر كل منهما بالعقد، فالواجب الوفاء بمقتضى العقد من جهة الطرفين الموظف، والمؤسسة. كما أفاد معنى ذلك الدكتور عصام الحميد في كتابه أخلاق المهنة، وعليه فالتأخر عن الدوام بلا عذر وتمرير وقت العمل والانشغال بما لا علاقة له بالعمل لا يسوغ بحال من الأحوال، وليعوض الموظف، إن حصل له تأخر في الدوام بوقت إضافي يقدمه للعمل هذا مقتضى النزاهة، ومن يتأمل ساحة العمل، يجد كثيرا من المخالفات في هذا الصدد، وتجاوزات، وانشغالا خاصة بشبكات التواصل الاجتماعي، وتأخرا دون تواصل مع صاحب العمل، وتحايلا لدى البعض، وعدم اهتمام بالتعويض، مع الحرص على تسلم الراتب كاملا غير منقوص، وما أكثر التسيب في هذا الزمان الذي طال المؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص.