تعميق سوق الدين السعودي

ربما يتساءل البعض عن حرص المسؤولين في السعودية على تعميق سوق الدين وتنميتها، والاقتراض بشكل دائم وسداد أصل الديون بديون مختلفة التكلفة، حتى مع وجود احتياطي مالي مرتفع لدى الحكومة، حيث أعلن المركز الوطني لإدارة الدين في أغسطس 2023 اكتمال عملية شراء مبكر لجزء من أدوات دين للمملكة قائمة ومستحقة في الأعوام 2024، 2025، 2026، بقيمة إجمالية تجاوزت 35.7 مليار ريال. وتعد هذه أكبر عملية شراء مبكر قام المركز بترتيبها حتى تاريخه، لهذا نسلط اليوم الضوء على منافع نشوء سوق الدين للحكومات والشركات والأفراد.
الإدارة الاقتصادية الناجحة لتعميق سوق الدين الوطني تتكون من ثلاثة أركان: أولا، إدارة مالية عامة صارمة، وفي هذ الجانب نجحت الإصلاحات في تحقيق هذا الركن. ثانيا، سياسات نقدية قوية ونحن ملتزمون بسياسات الصرف مقابل الدولار. ثالثا، استراتيجية واضحة للديون، وأعلن المركز الوطني لإدارة الدين، خطة الاقتراض السنوية لـ2023 في وقت مبكر من العام الحالي، أي إننا أمام التزام بكل الأسس التي تجعل مخاطر الدين محدودة من المنظور الاقتصادي.
تكمن أهمية تعميق سوق الدين في أنه يزيد من معدلات الكفاءة في استخدام الأموال، أي إنه يعزز من استدامة الاستثمارية والنمو في الاقتصاد، لهذا تحرص الدول المتطورة اقتصاديا على تعميق أسواق الدين الأولية والثانوية عبر تنويع قاعدة المستثمرين، ولهذا تستفيد الحكومات من سوق الدين في تمويل ميزانياتها الخاصة بالإنفاق على المشاريع الرأسمالية الجديدة أو تمويل أعمال الحكومة، وكذلك الشركات في تمويل أعمالها. وكلما تنوعت قاعدة المستثمرين في سوق الدين المحلي خففنا الضغط عن المصارف في تمويل الشركات والحكومة، كما أنه يقلل من مزاحمة القطاع العام للقطاع الخاص، ولا سيما في الاقتصادات الخليجية، فبدلا من توجيه أموال المصارف الوطنية إلى الحكومة يمكن للحكومة إصدار سندات للمقرضين من خارج المصارف الرئيسة سواء كانت مؤسسات مالية دولية أو مستثمرين.
في حال وجود سوق دين عميقة ستقلل الحكومة من اعتمادها على عوائد النفط، كما في دول الخليج، وبشكل أساس في جدولة وترتيب أولوياتها التنموية مع كل صدمة في أسعار النفط، بمعنى أن وجود سوق دين داخلية فعالة وضخمة يخفف العبء عن أموال النفط المباشرة، ويضمن استدامة الإنفاق وتنامي معدلات الاستثمارات التي بدورها تجعل النمو الاقتصادي مستداما بعيدا عن تيار أموال النفط الساخنة، إن صح التعبير. والمملكة نجحت في تأسيس سوق دين داخلية، وأشادت به بعض الوكالات، مثل "إس آند بي" حول تطور سوق أدوات الدين في السعودية، وبوتيرة تفوق تطور أسواق الدين في الاقتصادات المتقدمة، وهو اتجاه تعززه المملكة، ولا سيما سوق الدخل الثابت للشركات المحلية المملوكة للحكومة أو القطاع الخاص.
في ختام مقالة اليوم، يمكننا ملاحظة أن استدامة الدين كان لها أثر بارز في التعميق وتنويع التمويل، وجعله أكثر سهولة، كما رفع من تصنيف المملكة في الجدارة الائتمانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي