الفائدة .. حيرة ومراهنات خاطئة
لم يغلق المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" باب مواصلة رفع أسعار الفائدة، حتى بعد أن تمكن الاقتصاد المحلي من تحقيق قفزات نوعية على صعيد الموجة التضخمية العاتية، التي تضرب العالم. فالولايات المتحدة تتصدر الدول المتقدمة من حيث وتيرة سرعتها في خفض أسعار المستهلكين، بحيث وصلت معدلات التضخم الشهر الماضي إلى 3 في المائة، وهذه النسبة قريبة من الحد الأقصى المستهدف وهو 2 في المائة. لكن النشاط يحمل مفاجآته معه، فهذا الشهر ارتفع التضخم على الساحة الأمريكية إلى 3.7 في المائة، وهو ما ترك المشرعين الأمريكيين في أجواء الحيرة لبعض الوقت، وزاد من احتمال غير قوي لرفع الفائدة في المراجعات المقبلة. فالكل يعلم، أنه لا توجد أداة أخرى أمام المشرعين حول العالم للحد من ارتفاع تكاليف المعيشة، إلا زيادة الفائدة.
هناك تباين فيما إذا كان "الفيدرالي الأمريكي" سيرفع الفائدة أم لا. وبنك "جولدمان ساكس" الأمريكي يعتقد أن المشرعين أوقفوا على الأرجح مسار رفع تكاليف الاقتراض، وسيبقون على المستوى الأساسي الحالي لها عند 5.5 في المائة. أرقام التضخم ليست سيئة على أساس فصلي في الولايات المتحدة، والارتفاع الأخير أربك المشهد بعض الشيء. فالعمل يجري بقوة حاليا على صعيد إعادة التوازن إلى سوق العمل، وهذه نقطة محورية مرتبطة بالحراك الاقتصادي العام، فضلا عن النجاحات في خفض التضخم في الأشهر الماضية، وفي الربع الثاني من هذا العام، حقق الاقتصاد المحلي ارتفاعا بلغ 2.1 في المائة على أساس سنوي. وهذا ما يستند إليه أولئك الذي يعتقدون أن "الفيدرالي" لم يرفع الفائدة في مراجعته المقبلة.
غير أن اللجنة المكلفة بتحديد تكاليف الاقتراض، ليست متساهلة في هذا الأمر، فالهدف الرئيس لها أن يكون التضخم تحت السيطرة، وأن ارتفاعا عابرا جديدا له ربما "يؤسس" لارتفاعات أخرى في الأشهر القليلة المقبلة. ومن هنا تكمن حالة الترقب والانتظار، وحتى وضعية عدم اليقين في المشهد العام. وإذا ما رفع "الفيدرالي" توقعاته للنمو في الربع الثالث في مراجعته المقبلة، فإن إمكانية الإبقاء على المستوى الحالي للفائدة تبدو واردة جدا. والنمو بوضعيته الحالية يبدو أيضا جيدا، خصوصا أن التوقعات بداية العام الجاري كانت تدور حول 1 في المائة كحد أقصى بحلول نهاية العام.
وفي كل الأحوال سيبقى "سلاح" الفائدة جاهزا للاستخدام في أي مراجعة، والأمر ينطبق على اقتصاد منطقة اليورو، التي تمسك البنك المركزي فيها بقوة بعدم حتى الحديث عن إمكانية خفض الفائدة أو تجميدها عند 4 في المائة. فهذا البنك الذي كانت رئيسته كريستين لاجارد من أشد المعارضين لسياسة التشديد النقدي، عندما كان مستوى الفائدة صفريا قبل أكثر من عام، زادت الفائدة عشر مرات على التوالي. ولاجارد نفسها قالت قبل أيام، لم ولن نتحدث في اللجنة المالية المشرعة عن خفض للفائدة في مراجعاتنا المقبلة، ومن الخطأ المراهنة على الخفض في النصف الأول من العام المقبل على أقل تقدير. والمرجح أيضا أن يرفع بنك إنجلترا المركزي تكاليف الاقتراض هذا الأسبوع، وقد رفعها في الفترة الماضية 15 مرة متتالية.
أيا كانت التوقعات، سيبقى الباب مفتوحا لدى البنوك المركزية الرئيسة لرفع الفائدة في الفترة المقبلة، مع الأخذ في الحسبان أن "الفيدرالي الأمريكي" أقرب إلى التوقف مؤقتا عن رفعها. ولا شك في أن المخاوف على مستويات النمو ستتواصل من الفائدة المرتفعة. فاقتصاد منطقة اليورو مثلا، يقف الآن عند حافة الانكماش، وإن كان يتسم بالتباطؤ طوال الفترة الماضية.