كيف تنهار العملات العالمية؟ «2 من 2»

فيما يتساءل الاقتصاديون والمهتمون بأمر العملات وشأنها ومسارها على الرغم من ظهور الدولار كمنافس بحلول أوائل عشرينيات القرن الـ20، فقد تم الحفاظ على المكانة الدولية للجنيه الاسترليني بنجاح. واتخذ وزير الخزانة ونستون تشرشل، قرارا بالتركيز على هذا الهدف، مع دعم واسع النطاق من الطبقة السياسية. وتراجعت الأسعار مرة أخرى نحو مستويات ما قبل الحرب، الأمر الذي سمح باستعادة أسعار الصرف السابقة مقابل الذهب والدولار. وتم النظر في اتخاذ خطوات صارمة، وتم اتخاذها في بعض الحالات، للحد من الإنفاق العام.
جاءت هذه السياسات على حساب القدرة التنافسية البريطانية، وبالتالي على حساب الإنتاج والعمالة. لكن هذه التضحية كانت مقبولة لمصلحة إعادة ترسيخ دور الجنيه الاسترليني في الاقتصاد العالمي ـ وهو هدف عده القادة الماليون يصب في مصلحتهم الخاصة، وعده الإمبرياليون ضروريا للحفاظ على نفوذ بريطانيا الجيوسياسي. ونتيجة لذلك، بقي الدور الدولي الذي تلعبه العملة قائما حتى خلال فترة الثلاثينيات المضطربة، حيث ظل محور منطقة الجنيه الاسترليني، وهي منطقة العملة التي تقودها بريطانيا.
لقد خرجت المملكة المتحدة من الحرب العالمية الثانية أكثر مديونية. إضافة إلى ذلك، أصبح لديها الآن التزام رئيس بتحقيق العمالة الكاملة، وهو ما يعني ضمنا سياسات مختلفة تماما في التعامل مع الجنيه الاسترليني. وتم خفض قيمة العملة في 1949 في محاولة للتوفيق بين تحفيز الطلب والعمالة الكاملة مع التوازن الخارجي. وتم منع التصفية غير المنظمة لأرصدة الجنيه الاسترليني من قبل البنوك المركزية والحكومات الأخرى بالاستعانة بضوابط الصرف والتهديدات التجارية.
تتعارض هذه التدابير مع مكانة العملة الدولية. وخلافا لوجهة النظر التقليدية حول المنافسة المستمرة بين الجنيه الاسترليني والدولار، يؤكد باحثون مثل مايليس أفارو، أن التحول بعيدا عن الجنيه الاسترليني كان جاريا بالفعل في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
في هذه المرحلة، تدخلت الجغرافيا السياسية. عندما شاركت المملكة المتحدة في غزو مصر 1956 للسيطرة على قناة السويس وانهار الجنيه الاسترليني، رفضت إدارة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، تقديم المساعدة حتى تقوم بريطانيا بسحب قواتها. وأدى ذلك إلى تراجع مكانة الجنيه الاسترليني العالمية إلى الأبد. ومع ذلك، أكدت هذه الأحداث الجيوسياسية صحة التراجع والانهيار الذي كان بالفعل أمرا واقعا.
يتمثل الدرس الأساسي إذن في أن الجهة المصدرة للعملة الدولية الحالية لديها القدرة على الدفاع عن هذا المركز أو إهماله. وبالتالي، فإن احتفاظ الدولار بدوره العالمي لن يعتمد ببساطة على علاقات الولايات المتحدة مع روسيا، أو الصين، أو مجموعة بريكس. بل إن الأمر سيتوقف بدلا من ذلك على ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على السيطرة على ديونها المتصاعدة، وتجنب مواجهة أخرى غير منتجة بشأن سقف الديون، والنجاح في توحيد جهودها الاقتصادية والسياسية بشكل عام.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي