التكتيكات الأمريكية مقابل الاستراتيجية الصينية «1 من 2»

تتميز المناقشة الدائرة حول الفارق بين التكتيكات والاستراتيجية بالثراء بقدر ما تتسم بالاستمرار والدوام. في مقاله الملهم الذي نشرته مجلة "هارفارد بزنس ريفيو"، تناول مايكل بورتر من جامعة هارفارد هذه القضية مباشرة. ورغم أن تركيزه كان منصبا على إدارة الأعمال، فإن الحجج التي ساقها يمكن توظيفها على نطاق أوسع كثيرا ـ بما في ذلك المنافسة الصينية - الأمريكية اليوم.
ميز بورتر بين "الكفاءة التشغيلية" والاستراتيجية، زاعما أن الشركات الفطنة أصبحت متمرسة في الأولى، لكنها قصرت في الثانية. كما أوضح التباين الحاد بين الأدوات التكتيكية ـ مثل قياس الأداء، وإعادة الهندسة، وإدارة الجودة الشاملة ـ والاستراتيجيات التنافسية التي تسعى إلى "اختيار مجموعة مختلفة من الأنشطة لتقديم مزيج فريد من القيمة".
قبل ما يقرب من 2500، قدم الاستراتيجي العسكري الصيني سون تزو منظورا عميقا بالقدر ذاته. في كتابه "فن الحرب"، كتب سون تزو، "الاستراتيجية دون تكتيكات هي الطريق الأبطأ إلى النصر"، مؤكدا التكامل بين هذين الجانبين من عملية صنع القرار العسكري. لكن سون تزو أشار أيضا إلى أن "التكتيكات دون استراتيجية هي الضجيج الذي يسبق الهزيمة" ـ وهذا تحذير من التركيز على أهداف قريبة الأمد.
رغم الدور الذي لعبه بورتر في صياغة المناقشة الحديثة حول الاستراتيجية، فإن النظام السياسي الأمريكي اليوم لا يطيق صبرا على التفكير طويل الأجل. لم تكن هذه هي الحال دوما. فقد ابتكر جورج كينان، بصفته دبلوماسيا أولا ثم في وقت لاحق أكاديميا، استراتيجية الاحتواء التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة. وقدم أندرو مارشال، بصفته رئيسا لمكتب تقييم التوازن العسكري في وزارة الدفاع الأمريكية، أفكارا مبتكرة حول الاستراتيجية العسكرية الأمريكية. وبالطبع، كان هنري كيسنجر الخبير والممارس الأعظم لما أطلق عليه مسمى "الاستراتيجية الكبرى".
لكن هذه كانت استثناءات وليست القاعدة. فمنذ سخر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب من "مسألة الرؤيا" قبل الانتخابات الرئاسية في 1988، أصبحت الاستراتيجية تحتل مكانة متدنية في واشنطن. وأصبح المردود اللحظي في استطلاعات آراء مجموعات التركيز المتقلبة على نحو متزايد "النجم الهادي" لقرارات السياسة الأمريكية.
هذه هي الحال خاصة في الصراع الصيني - الأمريكي، الذي تحول على مدار الأعوام الخمسة الأخيرة من حرب تجارية إلى حرب تكنولوجية، ثم إلى المراحل المبكرة من حرب باردة جديدة. الواقع أن تقرير القسم 301، المنشور في مارس 2018، وضع إطارا لنهج أمريكا التكتيكي في التعامل مع خصمها الصيني، ملمحا إلى التدابير الصارمة التي كان من المفترض أن تتخذ قريبا.
يتناقض هذا بشكل صارخ مع نهج الصين الأكثر استراتيجية، الذي تجسد في خططها الخمسية ومبادرات السياسة الصناعية الأطول أمدا، مثل برنامج صنع في الصين 2025 المثير للجدال، وخطة العمل "إنترنت +"، وخطة تطوير الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي. وسواء شئنا أو أبينا فإن هذه المبادرات الموجهة نحو تحقيق أهداف بعينها تأتي كاملة مع مقاييس تهدف إلى تحديد المسار من النقطة (أ) إلى النقطة (ب).
لكن الولايات المتحدة كانت تركز بشكل أكبر على معاقبة الصين لأنها تتحدى قواعد ومعايير النظام العالمي ـ ومحاسبتها على سبيل المثال عن انتهاك شروط انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في أواخر 2001. وقد اتخذت هذا هيئة التعريفات الجمركية والعقوبات ـ التي فرضتها الولايات المتحدة من جانب واحد ـ وأعقبها انتقام سريع من جانب الصين.

خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي